في مسار التوتر والجفاء الذي تعرفه العلاقات بين أنقرة ودمشق منذ بدء الحرب عام 2011 نتيجة الدعم التركي للمعارضة ، بالإضافة إلى تزامن المقترح مع استعدادات حكومة أردوغان منذ مدّة لشنّ عملية عسكرية برية على الأراضي السورية رغم الرفض المحلي والدولي .
وقال أردوغان للصحفيين بعد زيارة لتركمانستان: «عرضت على بوتين عقد لقاء ثلاثي بين زعماء تركيا وروسيا وسوريا، وتلقى العرض بإيجابية، وبهذا الشكل نكون قد بدأنا بسلسلة اللقاءات».وأضاف: «نريد أن نقدم على خطوة ثلاثية تركية روسية سورية»، داعياً أولاً لـ»عقد لقاءات بين أجهزة الاستخبارات ومن ثم وزراء الدفاع ثم وزراء الخارجية، وبعد اجتماعاتهم، ربما نجتمع نحن كزعماء».
ووفق مراقبين سيكون المقترح الذي قدمه أردوغان ولاقى ترحيبا من موسكو حليفة النظام السوري بادرة لتحسين العلاقات بين دمشق وأنقرة بعد عقود طويلة من الصدام وتضارب السياسات مع العلم أن تركيا دعمت سياسيا ولوجيستيا المعارضين السوريين. لكنّ الجديد اليوم هو تصريحات أردوغان المتتالية عن قرب استعادة العلاقات مع دمشق والتي تتضارب مع تصريحات سابقة عن استعداد بلاده لشنّ عملية عسكرية برية ضدّ الأكراد في شمال سوريا . ويرى مراقبون أن رفض موسكو والولايات المتحدة الأمريكية لهذه العملية المرتقبة ، خاصة في وقت يستعد فيه أردوغان لخوض انتخابات العام المقبل ، دفعت أنقرة للتوجه نحو السبل الدبلوماسية في سوريا والعمل على استعادة العلاقات مع دمشق لتجاوز الخلافات والصدامات.
وفي مطلع ديسمبر الجاري قالت وسائل إعلام إنّ سوريا تقاوم جهود الوساطة الروسية لعقد قمة بين بشار الأسد وأردوغان، مضيفة أن الرئيس السوري رفض اقتراحاً لمقابلة أردوغان مع بوتين. لكن وفق متابعين يبدو أن الترحيب الروسي بالآلية التركية المقترحة يؤكّد أن موسكو ستعمل على إقناع الأسد بلقاء نظيره التركي وفتح قنوات التواصل بين البلدين من جديد.
مطامع وخلافات سابقة
هذا وتشهد كل من سوريا والعراق هجمات تنفذها تركيا ضدّ جماعات وفصائل كردية مسلحة على الحدود مع البلدين وذلك في أحدث تصعيد عسكري في المنطقة وسط استعداد تركي لتنفيذ عملية عسكرية برية جديدة في سوريا رغم الإنتقادات والرفض الدوليين. ويفتح مقترح تركيا إنشاء آلية عسكرية تركية روسية سورية الباب أمام أمكانية كبح جماح هذه التطوّرات العسكرية المزمع اتخاذها ما يزيد من فرص الحل السياسي للأزمة في سوريا.
وبالإضافة إلى دعمها للمعارضة المسلحة في سوريا ، شنّت طائرات حربية تركية بالفعل هجمات جوية متكررة على قواعد للمسلحين الأكراد في سوريا والعراق ، استهدفت حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، التي تقول أنقرة إنها جناح لحزب العمال الكردستاني.يشار إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تحالفت مع قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب في القتال ضد تنظيم ‘’داعش’’ الإرهابي في سوريا، مما تسبب في خلاف عميق مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي.
وتعهّدت تركيا بشن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية، وهي المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية،التي تسيطر على مناطق واسعة من الشمال السوري على الحدود التركية. وأثار الإعلان التركي ردود أفعال متباينة خصوصا وأنّ أنقرة باتت تلعب دورا هاما في الأزمة السورية مع العلم أنّ العملية العسكرية التي تحدث عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليست الأولى في سوريا.
وتصنف أنقرة جماعة سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية ‘’جماعة إرهابية’’ تهدّد أمنها واستقرارها الداخليين ، في حين تتلقى ‘’قسد’’ أي قوات سوريا الديمقراطية دعما سياسيا ولوجستيا من الولايات المتحدة الأمريكية على امتداد سنوات. وكان الدعم الأمريكي محل خلاف دائم مع الجانب التركي باعتبار واشنطن تعتمد وفق مراقبين هذه الورقة كورقة ضغط ضدّ حكومة أردوغان معتبرة أنّ قوات سوريا الديمقراطية ‘شريك مهم ساعد في طرد ‘’داعش’’ الإرهابي من مناطق واسعة من سوريا’ ، وهو ما ترفضه تركيا .
ويرى متابعون أن تركيا تحاول عبر كل الطرق الإلقاء بكل ثقلها في سوريا خشية خروجها من اللعبة واستفراد باقي الأطراف بالميدان السوري، وهو ما تعتبره خطرا على أمنها القومي بوجود الأكراد في سوريا وتمتعهم بنفوذ ميداني هناك. إذ تسيطر وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة على معظم مناطق حقول النفط في شرق سوريا.وبالتالي تعتبر كل العمليات العسكرية التركية موجهة بالأساس لمواجهة نفوذ الأكراد المدعومين من أمريكا بصفة أساسية.
وتحاول أنقرة منذ سنوات فرض موطئ قدم لها في سوريا تحقيقا لدور أكبر لها في المعادلة السورية سواء لمنع قيام دولة كردية على حدودها مع الشمال السوري أو لاعتماد ذلك كورقة ضغط ضد الغرب في ملفات إقليمية ودولية ساخنة .