عودة قضية «لوكربي» إلى الواجهة بعد 19 عاما: محاكمة بوعجيلة بين هشاشة الوضع الأمني وانتقادات لانتهاك سيادة ليبيا

خلّف إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن وجود ضابط الاستخبارات الليبي السابق أبوعجيلة مسعود على أراضيها ، في استعداد لمحاكمته باعتباره المتهم

في قضية تفجير «طائرة لوكيربي» الشهيرة ، مواقف دوليّة ومحليّة متباينة، خاصّة وأنّ واشنطن لم تنشر ظروف وصوله إلى أمريكا ولا وجود لعمليّة تسليم رسميّة من الجانب الليبي .مما فتح الباب أمام قراءات متعددة وانتقادات محليّة تراوحت بين غياب قوة القانون في ليبيا ما خلف هشاشة أمنية في البلاد ، وانتهاك سيادة ليبيا .
وأعلنت الولايات المتحدة على محاكمة ضابط الاستخبارات الليبي السابق أبو عجيلة مسعود قبل يومين مؤكدة ‘’ على التزام الإدارة الأمريكية بفرض سيادة القانون’’.يشار إلى أن أبوعجيلة ضابط استخبارات ليبي سابق متهم بصنع قنبلة اُستخدمت لتفجير طائرة «بان إم» الأمريكية فوق مدينة لوكيربي عام 1988، فيما بات يعرف بملف قضية ‘’تفجير لوكيربي’’ ما أودى بحياة ركابها البالغ عددهم 259 شخصا إضافة إلى 11 من سكان البلدة.
ووفق مصادر رسمية في البيت الأبيض أكدت السلطات الأمريكية أن «هذا الإجراء يؤكد على التزام إدارة الرئيس جو بايدن الثابت بفرض سيادة القانون ومحاسبة من يلحقون الأذى بالأمريكيين في أعمال إرهابية».وأوضحت أنّ «مسعود سيواجه العدالة الآن كثمرة للجهود الحثيثة التي تبذلها وزارة العدل ووزارة الخارجية وشركاؤهما».وحددت المحكمة جلسة استماع قبل المحاكمة في 27 ديسمبر لإعطاء مسعود الوقت لتوكيل محام.
وعلى الرغم من أن القاضي أبلغ مسعود بالتهم الجنائية الثلاث التي وجهت إليه من قبل الحكومة الأمريكية وقرأ له حقوقه، إلا أن المشتبه به لم يتقدم بالتماس، مشيرا إلى الحاجة إلى توكيل محام قبل متابعة القضية، حسبما أفاد موقع «سي إن إن».
وتشمل التهم الموجهة إلى مسعود «تدمير طائرة»، والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد وتطبيق غرامة تصل إلى 250 ألف دولار، أو الجمع بين السجن والغرامة.وقال ممثلو الادعاء إنهم لا يخططون للمطالبة بتطبيق عقوبة الإعدام في القضية، لأنّ العقوبة لم تكن متاحة دستوريا في العام الذي ارتكبت فيه الجريمة.
وأثار صول أبوعجيلة -الذي لم تعرف إلى حدّ الآن طريقته موجة من الانتقادات والجدل بين من اتهم السلطات الليبية بتسليمه في خرق للقانون الليبي وللاتفاقية الموقعة بين الزعيم الليبي السابق معمر القذافي عام 2008 والسلطات الأمريكية والذي دفع بموجبها مليارات الدولارات كتعويض لأهالي الضحايا مقابل إخلاء ذمة الدولة الليبية من المسؤولية وإغلاق القضية، وتعهد واشنطن بعدم ملاحقة المتهمين..
وتزامنت إعادة ‘’قضية لوكربي’’ بعد مايقارب 19 عام من إغلاقها مع هشاشة الوضع الأمني في ليبيا والشلل الذي يحيط بعمل أغلب مؤسّسات الدولة ، وسط عجز عن توحيد السلطة والجيش وإرساء تسوية سياسية من شأنها إخراج البلاد من خانة الخلافات والانقسام والحكومات المتوازية.
ويرى مراقبون أنّ عودة قضية ‘’لوكربي’’ وما رافقها من تطورات وغموض حول تسليم أبوعجيلة كشفت الاختراق الأمني وتداخل أطراف خارجيّة في المشهد الداخلي الليبي . هذه الهشاشة الأمنية في ليبيا كانت منذ بدء الصراع عام 2011 أحد أهم أسباب عرقلة الحل في ليبي نظرا لأن البلاد باتت مرتعا لأجهزة استخبارات خارجية -تتواجد بشكل علني أو سري- في ظلّ الانقسام الذي يخيم على عمل مؤسسات الدولة.
مواقف وجدل
وتبعا لذلك دعا مجلس النواب الليبي ، النائب العام إلى «إقامة دعوى جنائية ضد من تورط (لم يسمه) بخطف المواطن أبو عجيلة مسعود وسلمه إلى جهات أجنبية».ووجَّه مكتب رئاسة مجلس النواب رسالة إلى النائب العام الصديق الصور نشرها موقع المجلس الإلكتروني.الرسالة جاء فيها أيضا أن «هذه القضية جرى تسويتها مع الحكومة الأمريكية سابقا بموجب اتفاق رسمي ترتب عنه عدم المسؤولية الجنائية للدولة الليبية وتعويض المتضررين تعويضا ماديا».
يشار إلى أنّه منذ منتصف الشهر المنقضي قالت وسائل إعلام ليبية أنّ أبو عجلة القاذن في العاصمة طرابلس اختفى دون أي أثر منذ ذلك الوقت ، قبل أن تعلن واشنطن طريقة وصوله إلى الولايات المتحدة الأمريكية .
وفي ردود الأفعال قال ‘’88 عضوا في مجلس النواب الليبي، عبر بيان، إن «تسليم أي مواطن ليبي لدولة أجنبية خارج إطار القانون جريمة ومخالفة لكل الأعراف».وأكدوا أنّ «إعادة فتح قضية لوكربي يعد تخليا عن المواثيق الدولية وتعديا سافرا من الحكومة الأمريكية واستغلالا للظروف التي تمر بها ليبيا» في ظل صراعات سياسية ونزاعات مسلحة.
كما أدان ‘’تحالف القوى الوطنية الليبية’’، في بيان، ‘’احتجاز الولايات المتحدة لمسعود، معتبرا ما حدث «انتهاك لسيادة الدولة والاتفاقات».وحمّل الحزب الديمقراطي، عبر بيان، حكومة الوحدة الوطنية الليبية»المسؤولية القانونية والأخلاقية عن ذلك’’.بينما قال المتحدث باسم الحكومة محمد حمودة للأناضول إن «الحكومة ليس لديها تعليق عن الموضوع».
من جهته أعلن المجلس الأعلى للدولة الليبي، أمس الثلاثاء، عن رفضه لإعادة فتح قضية «لوكربي» و»تسليم» المواطن المشتبه به في القضية أبوعجيلة مسعود المريمي.
وقال المجلس: «نشدد على أن ملف قضية لوكربي قد أقفل بالكامل من الناحية السياسية والقانونية بناء على نص الاتفاقية التي أبرمت بين الولايات المتحدة والدولة الليبية عام 2008».وحمل «الأعلى للدولة» حكومة عبد الحميد الدبيبة «المسؤولية القانونية والأخلاقية والتاريخية باستمرارها في هذا النهج وتسليم المواطن الليبي بشكل مجحف ومخجل».
وفي بيانه، أعرب المجلس عن رفضه «إعادة فتح قضية لوكربي من بعض الجهات المحلية (لم يسمها)»، مضيفا: «نؤكد عدم التزامنا بكل ما يترتب على هذا الإجراء من استحقاقات تجاه الدولة الليبية».ودعا «الأعلى للدولة» كلا من «مجلس النواب والمجلس الرئاسي والنائب العام للتضامن مع المجلس الأعلى للدولة لاتخاذ الإجراءات المناسبة لإنهاء هذا العبث».
اتفاق ملغي؟
ونقلت وسائل إعلام ليبية عن إبراهيم بوشناف، مستشار الأمن القومي في ليبيا، احتجاجه على عملية الاحتجاز، ناشرا وثائق بتعهدات أمريكية بعدم ملاحقة المتهمين جاء فيها: أنه ‘’تم الاتفاق بين طرابلس وواشنطن بغلق ملف القضية نهائيا بعد دفع ليبيا التعويضات للضحايا، وأنه لا يجوز فتح أي مطالبات جديدة عن أي أفعال ارتكبت من الطرفين بحق الآخر قبل 30 جوان 2006’’.
وأضاف أنّ ‘’الكونغرس الأمريكي أصدر القانون رقم 110/301 أوت 2008، الذي تقدم به النائب حينها، جو بايدن، بتأمين الممتلكات الليبية والأفراد الليبيين المعنيين من الحجز أو أي إجراء قضائي آخر’’ و في ‘’أكتوبر 2008، وقع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، مرسوما بالتزام بلاده بإغلاق أي قضايا مفتوحة من عائلات الضحايا أمام المحاكم المحلية والأجنبية’’.
ووفق تقارير ليبية فقد داهمت يوم 17 نوفمبر الماضي، عناصر «القوة المشتركة»، التابعة للحكومة منتهية الولاية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، في طرابلس منزل مسعود ، وحاول أقرباؤه لقاء الدبيبة لمعرفة مصيره، قبل أن يفاجئوا بوجوده في الولايات المتحدة.وفي الشهر نفسه دعا الدبيبة، وسط حشد بطرابلس، لفتح ملف لوكربي داخل ليبيا «ضدّ من استغلوا أموال البلاد لصالح تعويضات خارجية’’.
ووفق مراقبين يأتي تسليم أبو عجيلة أو تنفيذ أمريكا عملية أمنية قامت من خلالها باعتقال على الأراضي الليبية ، ليزيد من التعقيدات التي يواجهها الليبيون في غياب واضح لأية حلول قريبة رغم الجهود الدولية المبذولة لإجراء انتخابات والقطع مع حالة الفوضى التي تقبع فيها البلاد منذ عقود طويلة .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115