عن نيّة تركيا تنفيذ عملية عسكرية برية جديدة في سوريا رغم الإنتقادات والرفض الدوليين. ويفتح هذا التطوّر العسكري الباب أمام تطوّرات جديدة قد تزيد من عرقلة الحلّ السياسي في سوريا . علاوة على ما يمكن أن يخلفه ذلك من تداعيات على الوضع في العراق ،خاصة وأنّ الضربات في كردستان لم تصدر فقط عن تركيا بل نفذت إيران بدورها هجمات ضدّ الأكراد هناك ، مما يزيد من تفجّر الأوضاع في المنطقة برمتها.
وقد شنّت طائرات حربية تركية بالفعل هجمات جوية على قواعد للمسلحين الأكراد في سوريا والعراق ، دمرت خلالها 89 هدفا لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، التي تقول أنقرة إنها جناح لحزب العمال الكردستاني.
وقالت تركيا إنّ «وحدات حماية الشعب الكردية السورية قتلت شخصين في هجمات من شمال سوريا في أعقاب عمليات جوية قامت بها تركيا في مطلع الأسبوع وهجوم بقنبلة في إسطنبول قبل أسبوع».
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكيّة إنّ الولايات المتحدة تعارض أي تحرّك عسكري يزعزع استقرار الوضع في سوريا، وذلك في غمرة تصعيد للهجمات الإنتقامية من قبل تركيا وفصائل مسلّحة كردية على الحدود السورية.
من ناحية أخرى، دعت روسيا تركيا إلى ضبط النفس في استخدامها للقوة العسكرية «المفرطة» في سوريا وعدم تصعيد التوتّرات، حسبما نقلت وكالات أنباء روسية عن مبعوث روسي إلى سوريا أمس الثلاثاء.وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنّ «العمليات لن تقتصر على الغارات الجوية وقد تشمل قوات برية» كما نفذت تركيا عدة عمليات عسكرية كبيرة استهدفت وحدات حماية الشعب في شمال سوريا في السنوات الأخيرة.
يشار إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تحالفت مع قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب في القتال ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، مما تسبب في خلاف عميق مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي.
وتعهّدت تركيا قبل يومين بشن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية، وهي المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية،التي تسيطر على مناطق واسعة من الشمال السوري على الحدود التركية. وأثار الإعلان التركي ردود أفعال متباينة خصوصا وأنّ أنقرة باتت تلعب دورا هاما في الأزمة السورية مع العلم أنّ العملية العسكرية التي تحدث عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليست الأولى في سوريا.
وتصنف أنقرة جماعة سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية «جماعة إرهابية» تهدّد أمنها واستقرارها الداخليين ، في حين تتلقى «قسد» أي قوات سوريا الديمقراطية دعما سياسيا ولوجستيا من الولايات المتحدة الأمريكية على امتداد سنوات. وكان الدعم الأمريكي محل خلاف دائم مع الجانب التركي باعتبار واشنطن تعتمد وفق مراقبين هذه الورقة كورقة ضغط ضدّ حكومة أردوغان معتبرة أنّ قوات سوريا الديمقراطية «شريك مهم ساعد في طرد «داعش» الإرهابي من مناطق واسعة من سوريا» ، وهو ما ترفضه تركيا .
وتأتي العملية العسكرية التي تمّ الإعلان عنها بعد عمليات عسكرية مشابهة قامت من خلالها تركيا بالسيطرة على مئات الكيلومترات من الأراضي وتركزت تلك العمليات على شريط باتساع 30 كيلومترا مستهدفة بشكل أساسي وحدات حماية الشعب الكردية.وأبدت واشنطن قلقها من أي هجوم جديد في شمال سوريا قائلة إنه سيعرض القوات الأمريكية للخطر ويقوض الاستقرار في المنطقة.
ويرى متابعون أن تركيا ألقت بكل ثقلها في سوريا خشية خروجها من اللعبة واستفراد باقي الأطراف بالميدان السوري، وهو ما تعتبره خطرا على أمنها القومي بوجود الأكراد في سوريا وتمتعهم بنفوذ ميداني هناك. إذ تسيطر وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة على معظم مناطق حقول النفط في شرق سوريا.وبالتالي تعتبر كل العمليات العسكرية التركية موجهة بالأساس لمواجهة نفوذ الأكراد المدعومين من أمريكا بصفة أساسية.
وتحاول أنقرة منذ سنوات فرض موطئ قدم لها في سوريا تحقيقا لدور أكبر لها في المعادلة السورية سواء لمنع قيام دولة كردية على حدودها مع الشمال السوري أو لاعتماد ذلك كورقة ضغط ضد الغرب في ملفات إقليمية ودولية ساخنة .
ويرى مراقبون أن مطامع تركيا في سوريا تتعدى الجانبين السياسي والنفطي لتصل إلى الجانب الجغرافي مع وجود مساع جدية من نظام أردوغان الحاكم لضم الشمال السوري لمنع قيام دولة كردية وفق ما تعلنه على الدوام حكومة أنقرة، إلا أنّ مراقبين يرون أن حرب النفوذ تعد من بين أهم أسباب محاولات الدولة العثمانية لبسط نفوذ جغرافي أكبر في المنطقة.وتتالى ردود الأفعال إقليمية ودولية أمام تنامي مطامع الأتراك في سوريا . ويتوقع مراقبون أن تثير هذه المساعي التركية لبسط السيطرة على الجغرافيا وأيضا الثروة النفطية في سوريا صداما جديدا مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تبسط إلى حد الآن سيطرتها على أغلب الحقول الكبيرة في شرق سوريا.