والتطرّف وقد تربّت أجيال منه على ثقافة استعلائيّة وعنجهية وكراهية الآخر الفلسطيني أو العربي أو المسلم وحتى الإفريقي.
• ماتعليقكم على الانتخابات «الإسرائيلية» الأخيرة وتأثيرها على القضية الفلسطينية ؟
كشفتت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة كيان «إسرائيل» على حقيقته دون تزييف أو مساحيق تجميل، فهي: مجتمع مشبع بالعنصرية والتطرف وقد تربت اجيال منه على ثقافة استعلائية وعنجهية وكراهية الآخر الفلسطيني أو العربي او المسلم وحتى الافريقي الذي هاجر بحثا عن عمل. الانتخابات الأخيرة ( الأول من نوفمبر) كسرت حالة التعادل بين المعسكرين والتي سادت خلال دورات الانتخابات الأربع الأخيرة منذ مارس 2019،
و من المهمّ هنا التدقيق في المصطلحات ، فالمعسكران المتنافسان ليسا معسكر سلام ومعسكر حرب، أو يسار ويمين، وإنما هما معسكر أنصار بنيامين نتنياهو ومعسكر خصومه، والخلافات بينهما ليست على سياسة إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية والعرب، وانما تجاه مجموعة من القضايا الداخلية أبرزها الفساد والتهم التي تلاحق نتنياهو ، ومحاولاته لتكريس نظام سياسي يقوم على التسلط الفردي وتهميش مؤسسات الدولة، أما بشان السياسات التي تمارس تجاه الفلسطينيين وقضيتهم فقد سارت الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة الثلاثي بينيت- لابيد- غانتس على ذات المنهج والسياسات التي دشنها نتنياهو في ولاياته السابقة والقائمة على محاولات فرض الحل السياسي النهائي على الفلسطينيين بالقوة ودون انتظار المفاوضات.
• كيف ترون نتائج الإنتخابات وما أبعادها وتأثيراتها على الساحة الفلسطينية؟
الفائز الأبرز في الانتخابات هو تيار اليمين الفاشي ممثلا بحزب الصهيونية الدينية، الأكثر تطرفا والذي حصل على 14 مقعدا من اصل 120، وبات يمثل الشريك الأبرز لحزب الليكو برئاسة نتنياهو (32 مقعدا) وقد حرص نتنياهو شخصيا على توحيد صفوف هذا اليمين المتطرف بعد أن دبت فيه الخلافات سابقا على توزيع المقاعد.
يختلف اليمين الفاشي المتطرف في «إسرائيل» عن أيّ يمين متطرّف في العالم، في العادة نقصد باليمين الجديد والمتطرف تيارات مثل المحافظين الجدد والنيوليبراليين، وأنصار الخصخصة، ومعارضي الأجانب والأقليات، لكن أهمّ ما يميز اليمين الإسرائيلي الجديد تبنيه للعنف، كما ان دفاعه النظري عن العنف ضد الفلسطينيين والنزعات العسكرية والأمنية لحل الصراع بتبني ممارسة العنف عمليا من خلال دعم تشكيلات ومجموعات ميليشوية مثل «شبيبة التلال» و «تدفيع الثمن – تاغ محير» وجمعية «لهافا» وكلها جماعات تمارس السطو اليومي على أراضي الفلسطينيين وتقطع الطرقات وتحرق المزروعات وتتلف أشجار الزيتون وتسمم مصادر مياه الشرب للفلسطينيين وهكذا.
الزعيم الأبرز لهذا التيار هو ايتامار بن جفير وهو محام متخصص في الدفاع عن الإرهابيين مرتكبي الاعتداءات على الفلسطينيين ، كما انه محامي المستوطنين الذين أحرقوا عائلة دوابشة، ومحامي قتلة الطفل الشهيد محمد أبو خضير حرقا، وبن جفير هذا هو سليل التيار الكهاني العنصري المتطرق الذي سبق لإسرائيل نفسها أن حظرته ومنعته من المشاركة في الانتخابات، ويوجد لبن جفير 52 ملفا جنائيا لدى الشرطة الإسرائيلية بتهم الاعتداء على أفراد الشرطة والجيش والمواطنين الفلسطينيين وما شابه ذلك من أعمال عربدة.
• كيف ترون المجتمع الدولي مع انتهاكات كيان الإحتلال؟
ثمة أسباب موضوعية وعميقة لفوز هذا التيار المتطرف أبرزها زيادة عدد المستوطنين ونسبتهم إلى عدد السكان اليهود (نحو 15%)، وثانيا الانزياح والجنوح المتزايد نحو اليمين واليمين المتطرف لشعور المتطرفين الإسرائيليين والإسرائيليين عموما أنهم معفيون من المحاسبة والملاحقة على جرائمهم، وأنهم يفلتون من العقاب في كل جريمة يرتكبونها، وأنّ الاحتلال مشروع مربح ولا يكبد المجتمع الإسرائيلي أي خسارة لا في أمنه ولا في مكانة اسرائيل الدولية، بالاضافة إلى حالة التعبئة العنصرية المستمرة ضد كل من هو غير يهودي، كذلك إفلاس اليسار الإسرائيلي الذي عجز عن بلورة بدائل لسياسات اليمين سواء في الشأت السياسي أو الاجتماعي، مما جعل اليمين يتبنى مواقف متطرفة وعنصرية.
قد يشكل فوز اليمين واليمين المتطرف سلاحا ذا حدين إذا أحسن الفلسطينيون وأصدقاؤهم استخدام النتيجة لتعرية اسرائيل وإظهارها كما هي دولة تبني نظاما شاملا للتمييز العنصري (الأبارتهايد) وترتكب جرائم حرب بما فيها جرائم التطهير العرقي، اسرائيل تقدم نفسها كجزء لا يتجزأ من المجتمع الأوروبي الغربي بثقافته وتقاليده الديمقراطية لذلك سيشكل تعاظم نفوذ التيار الفاشي المتطرف عنصر إحراج لإسرائيل ونتنياهو (لذلك ربما يلجا نتنياهو غلى تحجيم هذا التيار ومحاولة استمالة عناصر من معسكر الخصوم وخاصة من حزب بيني غانتس وجدعون ساعر).
فوز اليمين الصهيوني المتطرف واليمين الدينية يقلق فئات واسعة من الاسرائيليين، فقد ثبت بالممارسة أن تبني العنف تجاه الفلسطينيين يقود إلى تبني العنف تجاه الاسرائيلي المختلف ( متدينون ضد العلمانيين، يمين ضد يسار، شرقيون ضد غربيين، رجل ضد امرأة وهكذا)، كما أن قوتهم في الكنيست والحكومة سوف تمكنهم من فرض قوانين جديدة تطال الحريات العامة والحريات المدنية والشخصية وفرض حالة من الإكراه الديني، والمساس باستقلالية المؤسسات القضائية.
• لو تقدّمون لنا رأيكم بخصوص المشهد الراهن في فلسطين اليوم وكيف تأثرت القضية بتطوّرات العالم خاصة الحرب الروسية الأوكرانية ؟
تملك «اسرائيل» علاقات مع الطرفين المتحاربين، وتوجد مجموعة اثنية روسية كبيرة جدا في «اسرائيل» (حوالي مليون) يسميها البعض جالية روسية في اسرائيل، وجالية أقل قليلا أوكرانية ولكن دورها مهم جدا بسبب دور اليهود التاريخي في اوكرانيا، وقد احرجت الحرب «اسرائيل» التي تملك مصالح متشابكة مع روسيا سواء بسبب الوجود الروسي في سوريا أو بسبب حجم التجارة وتبادل التكنولوجيا. وقد تعاملت «اسرائيل» مع الأزمة كنافذة للتهديدات والمخاطر والفرص من جهة أخرى، وخاصّة فرصة تهجير مزيد من اليهود، وزيادة مبيعات الأسلحة، وفرض دور دولي بارز في الوساطة والمباحثات.
مع استمرار هذه الحرب بات الموقف الاسرائيلي يميل بصراحة أكثر لصالح اوكرانيا وقد يكون ذلك بضغط من الولايات المتحدة التي لا تبدي تسامحا تجاه من يخالفها من أصدقائها، «اسرائيل» بالتحديد لا تستطيع أن تخالف الولايات المتحدة إلا على المستوى التكتيكي والمناورات العابرة ولكنها استراتيجيا لا يمكن لها أن تستغني عن الدعم الأمريكيين وقد يختلف الوضع قليلا مع مجيء نتنياهو المعروف بعلاقاته الجيدة مع الرئيس بوتين، وقدرته أكثر على المناورة.