انطلقت أمس قمة الجزائر بحضور 15 من القادة والرؤساء العرب من بينهم رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيد الذي سلمّ الرئاسة رسميا للرئيس الجزائري عبد المجيد تبوّن في افتتاح القمة كما حضر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني وأمير قطر . وتتواصل أشغال القمة الى اليوم حيث يصدر البيان الختامي بعد التوافق العربي على أهم بنوده. وقد حضر الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، بصفته ضيف شرف، كما يحضر رئيس أذربيجان، إلهام عليف، الرئيس الحالي لحركة عدم الإنحياز، كضيف شرف في القمة العربية.
اللافت تغيب عديد القادة والرؤساء على غرار العاهل السعودي الملك سلمان والملك الأردني على عكس القمة العربية التي احتضنتها تونس سنة 2019 والتي نجح خلالها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي -والدبلوماسية التونسية- في كسب الرهان وجمع القادة والملوك والرؤساء على طاولة واحدة رغم كل التوترات . ويغيب الملك سلمان، وولي عهده محمد بن سلمان، عن قمة الجزائر 2022 لأسباب صحية، بينما انتهت ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون في 31 أكتوبر، قبل يوم واحد من انعقاد القمة. اما بخصوص تغيب ملك المغرب عن قمة الجزائر فقد اكد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، إن بلاده تبلغت رسميا بغياب ملك المغرب محمد السادس عن قمة الجزائر، مشيرا أن مشاركته كانت ستحقق فرصة للقاء قائدي البلدين الذين يعيشان قطيعة منذ أشهر.
تونس تسلم الرئاسة للجزائر
وقال رئيس الجمهورية قيس سعيد في كلمة الافتتاح ان «تونس تسلم الرئاسة العربية الى الجزائر الشقيقة بعد ثلاثة سنوات كانت استثنائية بكل المقاييس في ظرف إقليمي وفي ظرف دولي استثنائي وغير مسبوق من حيث حجم التحديات وتعدد ابعادها وتتالي الأزمات وتواتر التغيرات والمستجدات مثل ازمة كوفيد التي استنزفت منظومتنا الصحية وأثرّت في اقتصاديات العالم كله وفي الموازنات المالية والسياسات الاجتماعية، والحرب في روسيا وأوكرانيا زادت من تفاقم أزمة الأمن الغذائي والطاقي . إضافة الى جملة من الأسباب الأخرى وليست أقلها التغيرات المناخية والكوارث البيئية وتنامي الصراعات وما تبعها من تنامي الإرهاب والجريمة المنظمة وشبكات الاتجار بالبشر. كل هذه الازمات اربكت العالم . وقال ان تونس لم تدخر جهدا حتى تظل القضايا العربية في صدارة الاهتمامات وعلى جدول أعمال جميع الاستحقاقات الإقليمية والدولية والثنائية وحرصت وستحرص على اعلاء الصوت العربي الموحد وسط التجاذبات وجموع الأصوات الداعية الى الاستقطاب والانقسامات . وقال ان تونس تدعو الى مزيد تعزيز العمل متعدد الأطراف لأنه الاطار الأنسب لإيجاد الحلول المشتركة للازمات الدولية . واكد ان تونس سعت الى ان يكون الموقف العربي حاضرا لبلورة أي تصور او أي حلول قد تطرح على المستوى الإقليمي والدولي حتى لا تكون المجموعة العربية على هامش الحلول او تصاغ على حساب مصلحتنا العربية المشتركة وقضايا امتنا «. واكد على ضرورة حماية الحق الفلسطيني وان يكون حاضرا في جداول اعمال كل المجموعات الدولية في مختلف الاستحقاقات والمؤتمرات حتى لا تغيب فلسطين وحتى لا يغيب هذا الحق عن دائرة أي اهتمام أي انسان . واكد على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف . كما اكد على ضرورة حل ليبي ليبي للأزمة الليبية .
واكد في كلمته ان أهمية هذا الاجتماع في انه يجمع الاخوة والأشقاء حول جملة من الأمور للاتفاق على الحد الأدنى من المقاربات والوسائل التي تتيح لنا تجاوز ما تراكم في السابق من خلافات وما استجد خاصة في السنوات الأخيرة من تطورات . واضاف :» اننا بهذه المناسبة نستحضر التاريخ تاريخ الأمة وتاريخ الدول العربية وجامعة الدول العربية بآلامه وامجاده وان نتغاضى عن صعوبات الحاضر وتحدياته واصرارنا على رفع كل التحديات وكل العقبات ونستشرف المستقبل حتى نتخطى معا بقلب واحد وبعزيمة واحدة كل الحواجز وكل أسباب الخلاف . وتابع بالقول: «لا شك ان وضع هذه القمة تحت شعار لم الشمل من شعور لضرورة تجاوز كل الأسباب التي أدت الى الأوضاع التي نعرفها ويمكن معا وانا على يقين بذلك ان نعالج أسباب الفرقة التي لن تزيدنا سوى ضعفا ووهنا ويمكن معا ان نؤسس في اطار جامعة الدول العربية لمستقبل افضل لمنطقتنا وللامة كلها وللإنسانية جمعاء . وحيي الجهود الجزائرية للم الشمل الفلسطيني وتحقيق المصالحة المطلوبة.
هل ستعود البوصلة الى فلسطين؟
وتتزامن القمة مع ذكرى وعد بلفور المشؤوم الذي كان البذرة الأولى والسبب الرئيسي لكل الويلات والقهر الذي عاشه الفلسطينيون والحروب التي خاضتها الدول العربية بسبب الاحتلال الصهيوني . فهل يستذكر العرب المجتمعون في الجزائر هذه المناسبة ويأخذون بدلالاتها من أجل نصرة الحق الفلسطيني واعادة ترتيب البيت العربي وتطهيره من الضغائن والخلافات؟.
لعل بارقة الأمل في هذه القمة هي التأكيد بأن فلسطين ستظل القضية الأولى وقد سعت الجزائر بالفعل لإنجاح مؤتمر للمصالحة العربية وبذلت جهودا حثيثة لتجميع الفرقاء الفلسطينيين . ويأمل الفلسطينيون في ان تكون القمة العربية في الجزائر «قمة فلسطين والوحدة العربية».
وذكر المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، في بيان له، أن «القمة ستبعث رسالة واضحة للعالم بأن فلسطين وقضيتها هي القضية المركزية للأمة العربية التي تقف دوما إلى جانب الحق الفلسطيني ودعمه بكل السبل» .
وتابع: «هذه القمة تمثل رسالة دعم قوية للشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه ومقدساته». وفي 13 أكتوبر الماضي، وقّعت الفصائل الفلسطينية وثيقة «إعلان الجزائر» للمصالحة، في ختام أعمال مؤتمر «لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية».
تداعيات حرب أوكرانيا
وقد ألقت الحرب في اوكرانيا بثقلها على أعمال المؤتمر وذلك بكل ما تمثله من هواجس وصعاب وتحديات خاصة ان المنطقة العربية تدفع ثمنا مباشرا لهذه الحرب المتواصلة وباتت تعاني من أزمة غذاء وطاقة عالمية فيما يهدد شبح الفقر عديد المجتمعات العربية مما يطرح أسئلة كثيرة حول اهمية تفعيل استراتيجية موحدة للتنمية . كما تأتي القمة في وقت يعيش فيه العالم واوروبا ازمة انكماش تضخمي غير مسبوقة مع ازمة اقتصادية عالمية تلوح في الأفق مما يحتمّ على الدول العربية البحث عن أطر جديدة وتوحيد الصف الذي يبقى حلما يراود الأجيال العربية في وقت تزداد فيه مساحة الانقسام والخلافات على حساب الوحدة .
وبعد تعليق روسيا لاتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية من شأن ذلك رفع الأسعار دوليا بشكل يؤثر على الدول العربية ذات الاقتصادات المتواضعة.
وكذلك بالنسبة لملف الطاقة، فارتفاع أسعار النفط والغاز، من شأنه زيادة فاتورة واردات الدول العربية المستوردة لها، والضغط أكثر على ميزانياتها.
رسالة بوتين للقمة
والمفارقة كانت الرسالة التي بعثها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى القمة والتي تأتي في خضم استقطابات كبرى تعيشها المنطقة والعالم بسبب الحرب الأوكرانية الروسية . وأكد بوتين في رسالته أن بلاده لا تزال مستعدة لتطوير التعامل مع جامعة الدول العربية بهدف توطيد الأمن على المستويين الإقليمي والعالمي.
وقال الرئيس الروسي، في رسالة بعثها إلى قادة الدول ورؤساء الحكومات للدول الأعضاء بجامعة الدول العربية بمناسبة انعقاد القمة العربية بالجزائر: «يشهد العالم تغيرات سياسية واقتصادية هامة، مع تشكيل نظام العلاقات الدولية متعدد الأقطاب، وهو قائم على مبادئ مساواة الحقوق والعدالة واحترام المصالح الشرعية المتبادلة».
وأضاف «في هذه العملية تلعب بلدان الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، التي يقرب عدد سكانها من نصف مليار نسمة ، دوراً أكثر أهمية».
أشار بوتين إلى أن «مهام تصحيح الوضع الدولي ومعارضة التحديدات والتحديات للعصر الراهن، تجعل الهياكل التمثيلية متعددة الأطراف مثل جامعة الدول العربية أكثر مطلوبية». وتابع: «إن روسيا الاتحادية لا تزال مستعدة لأن تطور تطويراً كاملا التعامل مع جامعة الدول العربية وكل أعضائها، بهدف توطيد الأمن على المستويين الإقليمي والعالمي».
وأضاف :»نعتقد أن القضايا العسكرية السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما فيها الأزمات في ليبيا وسوريا والنزاع في اليمن والقضية الفلسطينية، ينبغي تسويتها على اساس القانون الدولي المعترف به من الجميع مع الاحترام الصارم لسيادة الدول وسلامة أراضيها».
وأكد بوتين أن «التعزيز المتواصل لعلاقات الشراكة بين روسيا الاتحادية والدول العربية يخدم مصالحنا المشتركة ويجري في سبيل تحقيق السلام والاستقرار في العالم».
لقاء تونسي لبناني
وعلى هامش مشاركته في الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة العربية أجرى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي، لقاء مع نظيره اللبناني عبد الله بوحبيب.
واستعرض الوزيران المسائل المطروحة على جدول أعمال القمة العربية وتبادلا الآراء بشأنها، لا سيما ما يتعلق بضرورة تفعيل آليات العمل العربي المشترك من أجل معالجة القضايا العربية المطروحة والتفرغ لمسائل التنمية، خاصة في ظل ما يشهده العالم اليوم من مستجدات وأزمات، وما نتج عنها من تداعيات سياسية وأمنية وإقتصادية تحتم على الدول العربية التضامن والتكتّل لمواجهتها والاستجابة لمختلف الرهانات القائمة.
وأفاد بلاغ للخارجية، أنه تمّ التأكيد خلال اللقاء على ضرورة تكثيف الإتصالات والتشاور بين الجانبين حول التحديات التي يواجهها البلدان والقضايا العربية والدولية ذات الإهتمام المشترك.
أبرز بنود البيان الختامي
وقد اكد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، على التوصل إلى «نتائج توافقية» بشأن البيان الختامي . وأكد كلامه الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، الذي قال إن «المؤشرات تتجه نحو قمة ناجحة» بعد التوافق «على جميع القضايا التي جرى طرحها، وعدم تأجيل أي بند.
وقد تصدرت فلسطين قائمة الأولويات اضافة الى الأزمة في ليبيا واليمن وسوريا كما تم الاتفاق في البيان الختامي على دعم لبنان والسودان والصومال وجزر القمر، التي تواجه اقتصاداتها ظروفا صعبة.
ومن المتوقع أن يتم التأكيد في قمة الجزائر على بعض القرارات التي تضمنها البيان الختامي لقمة تونس، على غرار: «مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للأمة العربية وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين»، و»ضرورة العمل على التوصل إلى تسوية حقيقة وثابتة للأزمتين السورية والليبية».
انطلاق القمة العربية الـ 31 والرهان الجزائري على لمّ الشمل العربي الرئيس قيس سعيد في كلمة الافتتاح : لا يمكن ان نخرج منتصرين الا بوحدة الصف والقضاء على كل أسباب الفرقة والانقسام
- بقلم روعة قاسم
- 12:57 02/11/2022
- 916 عدد المشاهدات
• بوتين يبعث برسالة إلى القمة ويعرب عن استعداده لتطوير التعامل مع الجامعة العربية