في منطقة تعاني من ويلات الحروب والإرهاب، ما يثير مخاوف متزايدة من تغوّل الخطر الإرهابي وتعدّد جبهات نشاطه .
واستهدف الهجوم الإرهابي مكتب المخابرات العامة الأردنية بأحد اكبر المخيمات الفلسطينية بالعاصمة عمان ، ممّا يزيد من خطورة هذا الاستهداف وتداعياته باعتبار انه سابقة ستحمل معها تغيّرا في إستراتيجية الأردن وتُدخلها معترك الحرب ضدّ الإرهاب بعد محاولات التنظيمات الإرهابية التغلغل داخل المملكة.
الباحث اللبناني المختصّ في الشأن الخليجي علي مراد قال لـ›المغرب› الهجوم خطير ويعد سابقة كونه استهدف مخيم البقعة الفلسطيني وهو احد اكبر المخيمات الفلسطينية في الأردن ، مضيفا انّه من غير المستبعد أن يكون الهدف من وراء الهجوم جرّ المخيمات الفلسطينية لمعارك مع الدولة الأردنية .
واعتبر الباحث اللبناني أنّ التنظيمات الإرهابية في الأردن ،وعلى رأسها تنظيم «داعش» تستغل أماكن كالمخيمات للتستر والاختباء عن أعين أجهزة الأمن، ومنها تنطلق لتنفيذ هجمات إرهابية.
رسائل «داعش» للأردن
واشار محدّثنا إلى الحوادث السابقة التي حصلت سابقا بين التنظيمات الإرهابية وأجهزة الأمن الأردنية، وآخرها ما حصل قبل أشهر قليلة عندما حاصرت القوات الخاصة إحدى المباني التي كان يتحصّن فيها إرهابيون، مؤكّدا أن هذا العمل الإرهابي الأخير قد يكون مرتبطا بالحادثة آنفة الذكر خصوصا بعد تصفية الأمن الأردني لحوالي عشرين إرهابيا كانوا في تلك العملية.
وتابع مراد «منذ حوالي 5 سنوات والأردن معرّض لمثل هذه الهجمات نظراً الى انخراطه في الأزمة السورية، فالاردن متهم بتسهيل عملية دخول متشددين وأصوليين إلى داخل الأراضي السورية، بطلب أمريكي سعودي وخليجي، وهو اليوم يدفع ثمن تورطه في تفاقم الأزمة السورية، وما يحصل هو عملياً ارتداد الإرهاب عليه ، تماماً كما حصل ويحصل في تركيا، التي فتحت حدودها لإدخال الإرهابيين من كل دول العالم إلى سوريا، مؤخراً باتت الهجمات تستهدف مناطق تركية حدودية وحتى داخل المدن الحيوية ».
وأضاف محدّثنا انّ عمان قامت مؤخرا بإجراءات أمنية على الحدود نفذتها اجهزة الامن والجيش الأردني للحد من دخول أي عناصر إرهابية آتية من سوريا، ما يؤشر على أن عمان تعلم أو لديها أدلة على عودة عناصر إرهابية خطيرة إلى الأردن بعد هدوء جبهة الجنوب السوري وفق تعبيره.
واعتبر الباحث اللبناني ان التنظيمات الإرهابية وأهمها «داعش» لا تمانع في إشعال كل دول الإقليم، سواء في دول انخرطت في مشروع تدمير سوريا أو دول لم تتدخل . وأشار محدّثنا إلى الهجمات الإرهابية التي ضريت لبنان في تركيا ، مضيفا ان الأردن سيعيش أيضا على وقع هجمات إرهابية أخرى باعتبار انّ تنظيم «داعش» الإرهابي وغيره من التنظيمات المتطرفة لا تلزم نفسها بحدود جغرافية محددة .
تغير الاستراتيجيات
وعن إستراتيجية الأردن في الحرب ضدّ الإرهاب أجاب محدّثنا انّ الأردن كان يحاول عبر القبضة الأمنية المحكمة الحيلولة دون وقوع مثل هذه الهجمات على أرضه، بحكم جهاز الاستخبارات القوي لديه ، متابعا «لكن أن يستهدف الهجوم اليوم الجهاز الموكل اليه مهمة استباق مثل هذه الهجمات فهذه رسالة كبيرة الحجم للمملكة الأردنية».
واعتبر علي مراد أنّ هذه رسالة أو ضربة للأردن بسبب تعاونه الاستخباري مع دول تحارب التنظيم الارهابي «داعش» في كل من سوريا والعراق ، واستدل مراد بالمعارك ضد هذا التنظيم في الفلوجة العراقية ومارافقها من حديث عن عودة انتعاش الطريق الذي يربط الأردن بالعراق مع تحرير «الاوتوستراد» الذي يربط الفلوجة بالمعبر الحدودي مع الأردن، وهو يعدّ انجازاً للملكة الهاشمية كونه يعد ‹شرياناً اقتصادياً حيوياً لها› على حدّ تعبيره.
تداعيات على الفلسطينيين
وعن تداعيات هذه الهجمة خصوصا وأنها استهدفت مخيما للاجئين الفلسطينيين أجاب محدّثنا أنّ الهجوم سوف يؤثر على الفلسطينيين في المخيمات دون شكّ، كون الفلسطيني سوف يصبح موضع شكوك أجهزة الأمن من الآن وصاعداً، وسوف يذكي الهجوم الشعور أيضا المتوتر بين الأردنيين واللاجئين الفلسطينيين في كافة أرجاء المملكة .
وحذّر محدّثنا من خطورة لعب التنظيمات الإرهابية على وتر المخيمات الفلسطينية مشيرا انه أمر خطير وحساس ، تماماً كما يحصل في لبنان عندما تنطلق هجمات إرهابية من مخيمات فلسطينية تستهدف الدولة اللبنانية وهو أمر بالغ الخطورة وفق تعبيره .
وعن ازدواجية مواقف بعض الدّول في الحرب ضدّ الإرهاب قال مراد إنّ تركيا والأردن قد غيّرتا سياساتهما كلياً في مسألة التورّط في دعم الإرهاب في سوريا، حيث يريد الجانب التركي أن يُبقي بورقة دعم التّنظيمات الإرهابيّة بيده للابتزاز في الموضوع الكردي ، مضيفا أنّ الجانب الأردني سيبقي الورقة بيده لكي يستمرّ بالابتزاز في مسألة المساعدات التي يتلقاها من واشنطن والسعودية.
وأضاف الباحث اللبناني «أنّ الأردن في الواقع عالق بين مطرقة الانصياع للطلب الأمريكي الخليجي بتنفيذ ما يطلب منه في ما يخص الأزمة السورية، وبين سندان الإرهاب الآخذ في ضربه بين الفينة والأخرى، وهو لا يستطيع أن يحسم أمره في الاصطفاف في جبهة مقابل أخرى، لحاجته لواشنطن والرياض ودعمهما له ومن جهة أخرى لا يستطيع أن يطبّع العلاقات علناً مع دمشق وحلفائها على الجانب الآخر ، وهنا وجه التمايز والاختلاف بين عمان وأنقرة كون تركيا لديها أريحية أكثر في المناورة بصفتها عضوا في الناتو».