تنديد دولي بعد قصف إيراني لكردستان العراق: التجاذبات الإقليمية والدولية تجعل من بلاد الرافدين ساحة حرب بالوكالة

أثار القصف الإيراني الذي استهدف إقليم كردستان العراق رفضا محليا وإقليميا ودوليا، وذلك في خطوة ستزيد من التوتر الحاصل

بين بغداد وطهران علما وأنّ الغارات الإيرانية ليست الأولى في العراق الذي اعتبرها مسا من سيادته واعتداء صارخا على أمنه واستقراره. وأعلنت بغداد عن رفضها المتصاعد لقصف طهران لمواقع في محافظتي أربيل والسليمانية بإقليم كردستان ممّا خلّف مقتل13 شخصا. وقد استدعت وزارة الخارجية العراقية السفير الإيراني،أمس الخميس، للتباحث حول الهجمات التي تمت عبر مسيّرات وصواريخ استهدفت مقار أغلب الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة في الإقليم .
بعد تبني إيران رسميا للقصف، تتالت ردود الأفعال الخليجية والدولية المنددة بالاعتداء الذي خلف عشرات الجرحى من مدنيين وأطفال وفق تقارير رسمية عراقية. وقالت الخارجية العراقية، في بيان ، إنها «تدين بأشد العبارات الاستهداف المدفعي والصاروخي من قبل الجانب الإيراني، متزامنا مع استعمال عشرين طائرة مسيرة تحمل مواد متفجّرة، طالت أربع مناطق في إقليم كردستان العراق، وأوقعت أعدادا من القتلى والجرحى».وأكدت «رفض حكومة العراق لأي منطق عسكري لمواجهة التحديات الأمنية»، مؤكدة أنها «سترتكن لكل ما يكفل عدم تكرار ذلك وبأعلى المواقف الدبلوماسية».
أما حكومة إقليم كردستان فقالت، في بيان، إن القصف الإيراني على مقرات المعارضة (الكردية الإيرانية) هو «موقف غير صحيح وحرف لمسار الأحداث وأثار استغرابنا».
من جهته قال قائد القوات البرية للحرس الثوري العميد محمد باكبور، إن الهجمات نفذها مقاتلو معسكر حمزة التابع للحرس بـ73 صاروخا بالستيا وعشرات الطائرات الانتحارية المسيرة التي أصابت أهدافها بدقة في 42 موقعا.ووفق التلفزيون الإيراني، فإن القصف استهدف مقار أحزاب «كومله الكردستاني» و«الديمقراطي الكردستاني» و»الحرية الكردستاني».
وعلى غرار المشهد الأمني المضطرب يشهد العراق مسارا سياسيا صعبا على طريق تشكيل الحكومة ، خصوصا بعد الجدل القائم حول نتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة والتي خلّفت تشرذما حادّا صلب البرلمان ممّا زاد من صعوبة التوافق بين مختلف الكتل السياسيّة المعنيّة بتشكيل الحكومة.
يشار إلى أنّ المشهد الأمني العراقي يعيش منذ سنوات على وقع تهديدات إرهابية وأمنية متعددة ، إلاّ أنّ مراقبين اعتبروا المرحلة الراهنة مرحلة صعبة وستشهد بشكل متوقع مزيدا من هذه الهجمات خاصّة في ظل مغادرة القوات الأمريكية تباعا للعراق بعد الغزو عام 2003 وبالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية لمقتل القائد العسكري الإيراني البارز قاسم سليماني في العراق في غارة أمريكية.
العراق وسياسة الحياد
وتتهم إيران معارضين أكراد بتحريك الشارع الإيراني الذي يشهد احتجاجات غير مسبوقة في هذه الآونة وسط إتهامات وجّهتها حكومة طهران للغرب والولايات المتحدة بصفة خاصة بمحاولة استغلال ذلك لضرب استقرارها وبثّ الفتنة والفوضى على أراضيها .
ومنذ منتصف شهر سبتمبر الجاري، اندلعت مظاهرات واسعة في مدن إيرانية، احتجاجا على وفاة الشابة مهسا أميني بعد ثلاثة أيام من توقيف السلطات لها بتهمة «ارتداء ملابس غير لائقة» وخرق قواعد لباس المرأة الصارمة في البلاد. وقالت إيران أنّ الأكراد المعارضين في إقليم كردستان العراق ساهموا في تأجيج الأوضاع داخل البلاد .
هذا الاستهداف الإيراني لإقليم كردستان العراق أعاد للواجهة ما تشهده بغداد من مواجهات على أراضيها بين مختلف الأطراف الإقليمية وهو ماساهم بشكل كبير في الضبابية التي تخيم على المشهد السياسي الداخلي في ظلّ فراغ حكومي وعجز عن وضع مسافة حياد من نزاعات المنطقة نظرا لتشكل الساحة السياسية في العراق من أحزاب وأطراف ذات ولاءات مختلفة سواء الشيعية المدعومة من إيران أو السنية المدعومة من دول الخليج . كما يمثل الدور التركي في العراق عامل شدّ وجذب أيضا خاصة وان أنقرة بدورها شنت مرارا وتكرارا غارات جوية استهدفت بدورها الأكراد الأتراك المتواجدين على حدودها مع العراق. هذا التداخل الخارجي زاد من التحديات المفروضة عليه اليوم لعلّ أهمها محاولاته للنأي بنفسه واعتماد سياسة الحياد وهي سياسة يعتبر مراقبون أنه من الصعب اعتمادها في العراق الذي يعدّ بلدا محوريا وأساسيا لباقي دول المنطقة .
صراع إقليمي
ويواجه العراق منذ عقود طويلة تحديات عدة لعل أهمها محاولاته النأي بنفسه عن الصراع الإقليمي بين دول الجوار ومساعيه للحياد في صراع النفوذ الدائر بين أطراف إقليمية ودولية ، وهو ما عجزت عنه حكومات بغداد المتعاقبة بشهادة أغلب صناع الرأي باعتبار أنها أصبحت ساحة للحرب بين الجانب الأمريكي والجانب الإيراني .إذ بالإضافة إلى تأثيرات الغزو الأمريكي عام 2003 تواجه الحكومة العراقية توترا في العلاقات مع واشنطن على علاقة بالحضور والنفوذ الإيرانيين في المشهد السياسي العراقي.
ويبدو اليوم جليا أنه لا يمكن استبعاد حدوث مواجهة عسكرية بين طهران واذرعها في كل من العراق وسوريا اليمن ولبنان من جهة وواشنطن وحليفتها ‘’إسرائيل’’ جهة أخر من خلال ضرب قواتها المتواجدة في الشرق الأوسط، وهو ما يضع الوضع الأمني والسياسي في العراق والمنطقة على المحك.
ولا يخفى على احد أن إيران اليوم باتت رقما صعبا في المعادلة في الشرق الأوسط وتمتلك عديد وسائل الرد وأوراق الضغط على واشنطن عسكريا أو سياسيا عبر استخدام ورقة المفاوضات النووية بما يمثله ذلك من أهميّة إستراتيجية ومن تهديد لأمن العالم خاصة وأنّ الولايات المتحدة الأمريكية تواجه في هذه الآونة جبهة قتال مشحونة بين روسيا وأوكرانيا بما تحمله من تداعيات دولية خطيرة مما يجعل فتح جبهة قتال جديدة في شق آخر من العالم مغامرة غير سارة لإدارة جو بايدن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115