إلا أن الحراك المكثف مؤشر على اتفاق دولي على ضرورة التوصل إلى حل لهذه الأزمة، في إطار ذلك سأحاول في هذا المقال الربط بين الأحداث المختلفة لنتتبع من خلالها البوادر التي تدل على قرب إنفراج الأزمة السورية، وتتمثل تلك البوادر في السعي الحثيث الذي تبديه أطراف خارجية وداخلية للذهاب بالأزمة السورية تجاه خيارات الحل السلمي، ويمكن ترتيبها على النحو التالي:
أولاً: الاتصال الذي حصل بين الرئيسين الروسي والأمريكي وتأكيدهما على إيجاد حل سياسي للأزمة السورية بعد أن أدركت الأطراف المعادية لسوريا صمود جبهة سوريا بعد الدعم الذي حصلت عليه من قبل روسيا وإيران.
ثانياً: الغضب الناتج عن الهجمات التي نفّذها تنظيم «داعش» الارهابي، بدءاً من قتل عشرات السائحين البريطانيين في تونس في أوت، والانفجارات المُميتة الّتي وقعت في أنقرة وبيروت، وإسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء بواسطة قنبلة تم تهريبها على متن الطائرة،
وصولاً إلى مذبحة باريس في الثالث عشر من نوفمبر، وهذا يؤكد أن خطر الإرهاب قد يصل إلى الجميع بلا استثناء وبالتالي على الدول ان تتعاون فيما بينها من أجل إفشال مشروع «داعش» الارهابي وتحقيق الأمن والاستقرار في سوريا.
ثالثاً: إن التقدم بشأن القضية النووية الإيرانية سيكون لها أثر إيجابي على الوضع في كل أنحاء الشرق الأوسط وسيساعد في التغلب على الاتجاه الخطير الذي ساد خلال السنوات الماضية بمحاولات حل عدد من الأزمات عن طريق استخدام القوة، لذلك على جميع الأطراف
تسوية الخلافات بشكل ملائم مما يفتح الآفاق لجميع الأطراف لإنهاء الأزمة السورية.
رابعاً: تصريحات الخارجية التركية بأن تركيا مستعدة للعب دور فعال لإيقاف الحرب والخروج من الأزمة السورية، وتتمثل أهمية تلك التصريحات كونها تأتي إثر زيارة قام بها رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو لإيران قبل أمس الاول.
خامساً: الموقف الأمريكي رغم إعلانه تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للمجموعات المسلحة في سوريا، لكن طبيعة علاقته الجديدة مع الجانب الإيراني ستجعله يميل إلى بلورة حل سلمي للأزمة السورية بدلاً من تشجيع السير في خيار الحسم العسكري حتى النهاية، ويعتقد بأن الموقف الأوروبي سوف يسير في نفس الاتجاه، مدعوماً بالضغوطات الروسية والصينية.
سادساً: أن اتفاق الرؤى بين أمريكا ووروسيا بوقف عملية إطلاق النار في سوريا يمكن أن تشكل لبنة أساسية تبلور من خلالها القوى الداخلية والخارجية مبادرة كاملة لحل الأزمة السورية بصورة سلمية، والجلوس الى طاولة المباحثات.
سابعاً: التقدّم الذي حققه الجيش السوري في بعض المناطق بدعم روسي أفشل جزءاً كبيراً من المشروع الذي أريد لهذه المنطقة، والخطوة الأخيرة من التعاون الأمني بين إيران والعراق وسوريا أربكت المخططات الخارجية، وأعطت رسالة واضحة بأن هناك من يتصدى لهذا المشروع المدمر ولن يسمح باستمراره،.
وعلى ضوء كل ما سبق فلقد تولدت لجميع أطراف الأزمة السورية قناعة باستبعاد العمل العسكري لحلها رغم التلويح به أحياناً من الجانب الأمريكي وانتهي هذا التلويح تماما بعد عزم روسيا التدخل عسكرياً في سوريا للقضاء على تنظيم داعش الارهابي وكان البديل هو حل الأزمة السورية سياسياً من خلال جهود الأمم المتحدة لتفعيل مقررات مؤتمرات جنيف وما تلاها والتي انتهت بمؤتمر ميونخ وتوصياته (وقف إطلاق النار - فتح ممرات إنسانية لإمداد المناطق المحاصرة) ثم الإعداد لمؤتمر جنيف 3 لاستكمال البحث عن إمكانية التوافق بين النظام السوري والمعارضة السورية المسلحة لحل الأزمة السورية سياسياً، وباختصار شديد من الضروري ان تتكلل جميع الجهود الساعية لإنهاء هذه الازمة المدمرة سلمياً و التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط وجعلت دولها تعج بالفوضى وعدم الاستقرار، وبانتهائها سيستقر العراق ومصر وليبيا وتونس ويعم الأمن والسلام على جميع دول المنطقة .
الباحث والكاتب السوري د. خيام الزعبي