بين ورقات الضغط السياسية والمصالح القومية: لماذا ترفض تركيا انضمام السويد وفنلندا للناتو ؟

عمقّت الحرب الروسية على أوكرانيا المتواصلة منذ فيفري 2022 من المخاوف الأمنية لدى عديد الدول الأوربية سواء الحدودية مع روسيا او البعيدة عنها.

وأدت أيضا الى تصاعد الانفاق الدفاعي في أوروبا والدعم العسكري لأوكرانيا خشية من تكرار السيناريو الاوكراني في أماكن أخرى من القارة العجوز . وكل هذه التحولات دفعت كلا من السويد وفلنلدا الى تقديم طلب رسمي للانضمام إلى حلف الناتو، وسط ترحيب واسع من أغلب الأعضاء بالخطوة ورفض تركي لها.
ويرى الخبراء بأن المادة الخامسة من ميثاق الناتو تحفزّ عديد الدول للانضمام الى الناتو من أجل تامين الحماية حيث تنص» على «ان أعضاء الحلف يتّفقون على أن أي هجوم مسلّح ضد واحدة من الدول أو أكثر منهم في أوروبا أو أميركا الشمالية يعتبر هجومًا ضد كل الدول».
ويتعيّن على الأعضاء المحتملين إرسال خطاب نوايا إلى الناتو، وبافتراض موافقته، يتم إجراء محادثات بشأن مجموعة من القضايا السياسية والدفاعية والقانونية والتقنية. وبعد ذلك، يضع الناتو بروتوكولات الانضمام التي يمكن أن يوقّعها الوزراء أو السفراء لدى الناتو. وحتى لو أمكن اتخاذ هذه الخطوات الأولية بسرعة، في غضون أسابيع قليلة، تتطلب العضوية تصديق جميع أعضاء الناتو الحاليين، الأمر الذي قد يستغرق شهورًا.
ترحيب غربي
وقد قوبل طلب فنلندا والسويد بترحيب أوروبي وغربي، فقد اعتبر المستشار الألماني أولاف شولتز إن انضمامهما سيجعل الحلف أكثر قوة وأمانا. وأكد شولتز أمام البرلمان الألماني أن من حق أي دولة من دول البلطيق أن تتقدم بطلبها للانضمام إلى الحلف.
ورأى رئيس الوزراء البولوني ماتيوز موراوسكي أن انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو تعزيز مهم للسلام في أوروبا وهزيمة خطيرة للكرملين.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إن واشنطن متأكدة من حصول فنلندا والسويد على عضوية فعالة في حلف الناتو.
في حين يواجه طلب انضمام البلدين بعدة عوائق أخرى أولها الرفض التركي و التهديد الروسي. فقد توعدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بأن الرد الروسي على قرار فنلندا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي سيكون مفاجئا. وقالت في إيجازها الصحفي الأسبوعي بموسكو إن هذا الرد سيكون في شكل تدابير عسكرية، وسيترك للعسكريين الروس في المقام الأول.
الأكراد ورقة ضغط ومساومات
وتعرقل انقرة عملية انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي وهي أعلنت رسميا خلال مباحثات مع ممثلين عن الدولتين بان عملية الانضمام لن تمضي قدمًا، ما لم تتم معالجة مخاوف أنقرة الأمنية. والتي تتلخص في اتهامات لكل من السويد وفنلندا بتقديم ملاذ آمن لمجموعات كردية مسلحة.
وتتهم أنقرة ستوكهولم على وجه الخصوص بتوفير ملاذ آمن لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي أدرجته تركيا وحلفاؤها الغربيون على قائمة الجماعات الإرهابية.
كما ان السويد سبق ان فرضت حظرا على مبيعات الأسلحة إلى تركيا منذ عام 2019 بسبب هجوم أنقرة العسكري في سوريا.
واشترطت تركيا عددا من الشروط من اجل التصديق على عضوية السويد وفنلندا وهي «إنهاء الدعم السياسي للإرهاب»، و»القضاء على مصدر تمويل الإرهاب» و»وقف الدعم بالأسلحة» لحزب العمال الكردستاني المحظور وميليشيا كردية سورية تابعة لها.
كما دعت انقرة إلى «رفع عقوبات الأسلحة المفروضة على تركيا والتعاون العالمي ضد الإرهاب». وتطالب تركيا بتسليم المسلحين الأكراد وغيرهم من المشتبه فيهم منذ عام 2017، لكنها لم تتلق ردا إيجابيا من ستوكهولم.
البحث عن تسوية
واليوم تحاول كل من السويد وفنلندا ثني تركيا عن رفضها انضمام هذين البلدين إلى حلف شمال الأطلسي . ويتجلى ذلك من خلال قراءة عديد التصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولي البلدين .
فقد نفت السويد، تقديم أي «مساعدة مالية أو دعم عسكري» للجماعات أو الكيانات الكردية في سوريا والتي تعتبرها تركيا بمثابة تهديد لأمنها الإقليمي والقومي . وأكدت وزيرة الخارجية آن ليندي لصحيفة «أفتون بلاديت»، أن «السويد مانح إنساني رئيسي للأزمة السورية من خلال المخصصات العالمية للجهات الفاعلة الإنسانية».
وصرحت الوزيرة: «يتم التعاون في شمال شرق سوريا بشكل أساسي من خلال الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. لا تقدم السويد دعما مستهدفا للأكراد السوريين أو الهياكل السياسية أو العسكرية في شمال شرق سوريا، لكن السكان في هذه المناطق يشاركون، بالطبع، في مشاريع المساعدة».
واعرب وزير المالية السويدي عن تأكيده بانه سيتم الأخذ بتحفظات تركيا بعين الاعتبار وقال :» سنبذل قصارى جهدنا لتسوية الخلافات».
كما قال وزير الخارجية الفنلندية بيكا هافيستو: «نتفهم أن تركيا لديها بعض المخاوف الأمنية الخاصة بها فيما يتعلق بالإرهاب وما إلى ذلك». وأضاف: «نعتقد أن لدينا إجابات جيدة لهؤلاء، لأننا أيضا جزء من الحرب ضد الإرهاب. لذلك نعتقد أنه يمكن تسوية هذه القضية».
والجدير بالذكر ان اللجنة العسكرية للناتو تواصل اجتماعها في مقر الحلف ببروكسل لمناقشة طلب انضمام فنلندا والسويد إضافة الى قضايا أخرى ذات بعد عسكري وأمني. ويشارك في هذه الاجتماعات رؤساء أركان الجيش في البلدان الشريكة للحلف، وهي فنلندا والسويد وأوكرانيا، كما يناقش المشاركون في هذه الاجتماعات تنفيذ مفهوم الردع في المنطقتين الأوروبية والأطلسية، إضافة إلى تطورات الأوضاع العسكرية مع شركاء حلف الناتو في آسيا والمحيط الهادي، وتحديدا أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية. ولعل السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو هل ستتمكن تركيا من ربح ورقة الضغط الجديدة وتحقيق شروطها الأمنية مقابل حصول السويد وفنلندا على عضوية الناتو؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115