وقد بدأت فترة الصمت الانتخابى للمرحلة الرئيسية والأخيرة من الانتخابات النيابية وذلك في الثانية عشرة من منتصف ليل أمس بتوقيت لبنان؛ وذلك تنفيذا لقرار هيئة الإشراف على الانتخابات اللبنانية التى حددت مواعيد الصمت الإنتخابي قبل مراحل التصويت في الانتخابات التي أجري منها 3 مراحل حتى الآن وتبقى المرحلة الرئيسية التي تجري اليوم .
وقد انطلقت أولى مراحل الانتخابات اللبنانية في بدايات هذا الشهر مع تصويت المغتربين بالخارج المسجلين في الدول العربية والبالغ عددهم 30929 لبنانيا . ويوم الأحد الماضي كانت المرحلة الثانية من تصويت المغتربين المسجلين في 48 دولة حول العالم والبالغ عددهم أكثر من 194 ألف لبنانيا . والمفارقة ان نسبة تصويت المغتربين بلغت 62 بالمئة مما يعكس ارادة للمشاركة في هذا الاستحقاق الهام والتزام ومسؤولية تجاه بلدهم الذي يجتاز احدى أسوأ محنه وأزماته التاريخية . فكان المغتربون على الموعد لأداء واجبهم وحقهم الوطني ومسؤوليتهم تجاه بلد الأرز مما يرفع من مؤشرات وآمال التغيير بعد هذا الاستحقاق الهام.
تنافس محموم
وعن المشهد اللبناني عشية الانتخابات اللبنانية يقول الكاتب والصحفي عبد معروف لـ«المغرب»: تصاعدت حرارة الانتخابات البرلمانية في لبنان، عشية موعد الانتخابات اليوم ، ورغم عدم الحماسة الواسعة بين المواطنين بسبب حالة اليأس والفقر والتردي الاقتصادي والمعيشي في البلاد، إلا أن قطاعات الأحزاب والطوائف اللبنانية إلى جانب مؤسسات السلطة وخاصة الأمنية منها تعيش حالة انشغال وتتخذ الاجراءات الأمنية المشددة لإنجاح الانتخابات، وإجراء هذا الاستحقاق الدستوري بأمان، خوفا من وقوع أحداث أمنية تعكر صفو الانتخابات في ظل تصاعد المنافسات بين المرشحين».
واضاف :«بسبب انشغال لبنان الشعبي والرسمي بالإنتخابات البرلمانية تتعطل الحياة السياسية والادارية، ويتناول اللبنانيون في حديثهم اليومي موضوع الانتخابات ونتائجها المرتقبة رغم ارتفاع نسبة الغلاء والبطالة وانهيار العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية وتعرض الاقتصاد اللبناني لأزمة غير مسبوقة في تاريخ لبنان.
الحريري خارج الانتخابات للمرة الأولى
اما عن توقعاته للتحالفات يقول :«من الواضح أن هناك اختلاطا واسعا في تحالفات القوى والشخصيات المشاركة في الانتخابات ، ورغم انسحاب رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري من دورة الانتخابات، فقد أخذت التحالفات حيزا كبيرا من الاهتمام لدى المرشحين، وتشكل الرافعة الحقيقة والقوة للفوز، ذلك بسبب ابتعاد الشعب عن الأحزاب الحالية. بسبب اعتقاد الشعب بأن القوى الحالية لن تتمكن من انقاذ لبنان من انهياره، تشدد القوى والأحزاب والشخصيات المشاركة بالانتخابات على أهمية التحالفات حتى تسند بعضها البعض، وتعمل على إقناع قطاعات الشعب المختلفة بالإدلاء بأصواتهم وكسب تأييدهم».
وعما اذا كانت الانتخابات ستفرز الطبقة السياسية نفسها أجاب محدثنا :«لاشك بأن الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، طبقة قوية، وتمكنت من السيطرة والتحكم بالبلد خلال عقود طويلة من الزمن، وتمكنت من السيطرة على كل مفاصل الحياة ، والطبقة هنا هي تحالف طبقة السياسة مع طبقة الطائفة مع طبقة رأس المال» ويضيف :».هذه الطبقة ما تزال قوية ولم تهزم بعد، أمام الغليان والغضب والحراك الشعبي، لهذا ستستمر في الوجود قوية، ولكن يبدو ان الشعب تمكن في لبنان من رفع صوته، وأصبحت الطبقة الحاكمة تحتاج لإرضائه وكسب تأييده وأصبحت قلقة من إمكانية تصاعد حراكه، كذلك يجب ان نرى تصدع الطبقة الحاكمة إلى مشارب وتيارات متصارعة يجعل من إمكانية تفككها أمرا ممكنا».
وأشار معروف الى ان هناك طبقات تعمل من أجل الوصول إلى السلطة تنافس اليوم الطبقة الحاكمة وتقارعها، هذا كله لا يجعل من هزيمة الطبقة الحاكمة أمرا ممكنا في المدى المنظور – بحسب محدثنا - نظرا لقوتها وسيطرتها وقدرتها على سحق المعارضين وتشويه حراكهم، لكن هناك إمكانية كبيرة بعد هذه الانتخابات القادمة أن يكون هناك اختراق في جدار الطبقة السياسية من خلال فوز عدد من المعارضين في الانتخابات النيابية. وقال ان حزب الله وحده المطمئن على فوز مرشحيه وارتياحه الواسع لحاضنته رغم ارتفاع بعض الأصوات المعارضة له . اما التيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ويترأسه جبران باسيل، فقال محدثنا انه يعيش حالة قلق وخوف، لأنه يعلم جيدا أنه لن يحقق الفوز بأعداد النواب كما كان له في الدورة الماضية، كما أنه أصبح يعلم ان الرئيس عون لن يمدد له ولن يكون جبران باسيل خلفا له. ويتابع:«تيار المستقبل خارج اللعبة الانتخابية، لكنه بصراع مع السعودية بالمراهنة على مقاطعة السنة للانتخابات كما دعا سعد الحريري أم أن السنة سيشاركون كما طلبت السعودية وحلفاؤها في لبنان فؤاد السنيورة وخالد قباني.
واعتبر معروف بان سمير جعجع قائد القوات اللبنانية، يظهر ارتياحه بسبب فشل المنظومة الحاكمة والتي يعارضها، وبعد الدعم السعودي الواسع له، من الممكن أن يحقق فوزا لمرشحي القوات اللبنانية في البرلمان اللبناني ما يعزز موقعه في الحياة السياسية اللبنانية.
ويرى ان كل المناطق اللبنانية وجميع القوى والأحزاب وأجهزة السلطة تتخوف من أحداث أمنية واحتكاكات مع اقتراب موعد الانتخابات، بسبب المنافسات وتصعيد اللهجات . ليفتح الباب واسعا أمام معركة انتخاب رئيس الجمهورية خلفا للرئيس ميشال عون.
وأكثر الشخصيات احتمالا -بحسب معروف -هم أولا قائد الجيش اللبناني جوزيف عون المرشح من قبل الولايات المتحدة وفرنسا ومصر ، وأيضا سليمان فرنجية المدعوم من حزب الله وحلفائه ، وفي حال فوز عدد كبير من قيادات القوات اللبنانية يمكن أن يكون أحد المقربين من القوات اللبنانية مرشحا لرئاسة الجمهورية .
ازمة اقتصادية مستفحلة
وياتي هذا الاستحقاق الانتخابي فيما يعيش لبنان أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة في تاريخه المعاصر، ولتلك الأزمة أسباب داخلية وخارجية، فبعد توقف الحرب الأهلية اللبنانية عام 1991، انخرطت الأحزاب والقوى التي شاركت في الحرب على مدى 15 عاما، شاركت في السلطة وانخرطت داخل مؤسسات الحكومة، لكن ذلك كان بشكل فوضوي، فعمت الفوضى الاقتصادية والادارية ما أدى إلى فساد إداري خانق، واستشراء المحسوبيات والاقتصاد الريعي قائم على السمسرات والصفقات والمحسوبيات، دفع اللبنانيون ثمنه اليوم انهيارا خطيرا، وارتفاعا هائلا بنسبة البطالة والغلاء الفاحش وفقدان المواد الأولية والأدوية من الأسواق.
ويرى معروف ان لبنان اليوم يعيش حالة انهيار، وجد في إمكانية الديون التي سيقدمها صندوق النقد الدولي أمرا ممكنا للانقاذ، لكن صندوق النقد ليس جمعية خيرية تقدم الأموال دون شروط، ودون رقابة، لذلك فإن الحديث عن اتفاق مع صندوق النقد وإن كان البعض يضعه أملا لتمويل المشاريع وتمويل المصرف المركزي اللبناني بالعملة الصعبة، لكنه انتداب اقتصادي على لبنان ليس من السهل اليوم الموافقة على شروطه ، وأعرب عن اعتقاده بأن الطبقة السياسية ستوافق على كل الشروط لأنها تريد إنقاذ نفسها من الانهيار وتريد ضخ الأموال إلى البلد .