من لبنان الى اليمن: الشرق الأوسط أمام مرحلة جديدة من التهدئة الإقليمية و«تصفير الأزمات»

اعداد روعة قاسم وفاء العرفاوي
شكلت عودة سفيري كل من الرياض والكويت الى بيروت بعد أكثر من خمسة اشهر على استدعائهما من بلديهما، منعرجا هاما في الأزمة الدبلوماسية

بين لبنان والدول الخليجية ويؤشر الى دخول المنطقة في مرحلة جديدة من التهدئة الإقليمية . و قد ظهرت أولى بوادر التهدئة مع اعلان الهدنة في اليمن والتي اعتبرت خطوة هامة نحو التوصل الى اتفاق سلام ينهي سنوات الحرب اليمنية العجاف بكل معاناتها وتداعياتها .
لقي خبر عودة السفير السعودي وليد بخاري إلى بيروت بعد ساعات من وصول السفير الكويتي عبد العال سليمان القناعي، ترحيبا محليا وإقليميا، وقد أعلنت الرياض عن عودة سفيرها بناء على ما اعتبرته «استجابةً لنداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان» والتزام الحكومة اللبنانية «بوقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تمسّ المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي» .

اليمن وسياسة «تصفير» الأزمات
يعد الانفراج الذي تشهده عديد الملفات التي تؤرق المنطقة العربيّة على غرار الأزمة اليمنية والأزمة الخليجية اللبنانية، تطوّرا إيجابيا وبداية مرحلة جديدة تعيشها منطقة الشرق الأوسط ترتكز على ما يشبه سياسة «تصفير الأزمات» بما يتماشى مع التطوّرات الدراماتيكية التي يعيشها العالم سياسيا وإقتصاديا وعسكريا.

في البداية كان الحسم في ملف الأزمة اليمنية من خلال الإعلان عن تشكيل مجلس رئاسي في اليمن وقد أثار ترحيبا محليا وإقليميا ودوليا، ويأتي ذلك بعد سنوات من الحرب التي خلّفت دمارا غير مسبوق وأزمات إنسانية وسياسية واقتصادية موجعة لليمن. فقد أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عن تشكيل مجلس قيادة رئاسي منحه كامل صلاحياته الرئاسية. وهو بقيادة المسؤول اليمني البارز رشاد العليمي الذي كان أحد مستشاري الرئيس هادي، وعضوية سبعة أشخاص من مكونات عدة، بينها حزب المؤتمر الشعبي العام، والمجلس الانتقالي الجنوبي.وسيتسلم المجلس بالإضافة لصلاحيات الرئيس، صلاحيات نائب الرئيس علي محسن الأحمر الذي أعفاه هادي من منصبه أيضا.ويأتي هذا الإعلان في ختام مباحثات يمنيّة احتضنتها العاصمة السعودية الرياض ضمّت مختلف فرقاء ومكونات المشهد السياسي اليمني وفي غياب جماعة الحوثي أحد أهم أطراف الحرب اليمنية. ويرى مراقبون أنّ الدول العربية والخليجية بالأساس تسعى للبدء في مرحلة جديدة قوامها تسوية كافة الملفات العالقة ، وأهمها الملف اليمني الذي أثار توترا غير معلن بين الدول الخليجية والادارة الأمريكية برئاسة الرئيس الديمقراطي جو بايدن في وقت تعيش فيه المنطقة على وقع صدام مباشر وغير مباشر وحرب نفوذ بين الخليجيين وإيران .
ويبدو اليمن اليوم أمام فرصة تاريخية لصنع سلام حقيقي مادامت الإدارة الأمريكية الجديدة تضع الصراع في اليمن وتأثير الدول الإقليمية على مستجدات الوضع الإنساني والسياسي ضمن أولويات الإدارة البيضاوية الجديدة. ويشار إلى أنّ التدخل العسكري السعودي في اليمن تم في مارس عام 2015 تحت مسمى «عاصفة الحزم» وذلك من أجل تقويض قدرات الحوثيين ووقف هجومهم على العاصمة اليمنية آنذاك . ورغم أن السعودية أعلنت في افريل من عام 2015 عن انتهاء «عاصفة الحزم» والبدء بعملية «إعادة الأمل» إلا أن التحالف لم يتمكن من وقف زحف الحوثيين في ظل انتقادات أممية ودولية واسعة لما اعتبروه فشلا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يقود العملية في اليمن.

ورغم التفاؤل الذي رافق اهتمام الإدارة الأمريكية بالملف اليمني إلاّ أنّ التوتر الأخير الذي شاب العلاقات الأمريكية الخليجية بسبب إعلان البيت الأبيض عن إنهاء دوره في اليمن ورفعه لتصنيف الحوثيين من على قائمة الإرهاب مما أثار غضب الرياض وحلفاءها. ويرى متابعون أن هذا التوافق اليمني اليمني الأخير الذي تمّ على الأراضي السعودية يحمل بوادر انفراجة إقليمية محتملة .

ويشهد اليمن منذ سنوات حربا داخليّة عنيفة زادها عنفا الدور الذي تلعبه عدة أطراف إقليمية في البلاد على غرار إيران المعروفة بدعمها لجماعة الحوثي أو «أنصار الله» والسعودية التي تقود عملية عسكريّة ينفذها التّحالف العربي منذ سنوات في اليمن والذي اتهم مرارا بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، كما يواجه التحالف العربي بقيادة الرياض اتهامات دولية صريحة من منظمات حقوقية وإنسانية بالفشل الذريع في ما يتعلق بالحرب اليمنية .

ويؤكّد متابعون أنّ اليمن يمثّل منذ عقود طويلة ساحة حرب بالوكالة بين دول الخليج على رأسها السّعودية من جهة وإيران من جهة أخرى . إذ تدعم طهران ميدانيا وماليا ولوجستيا جماعة الحوثي . ويزيد ذلك من حدّة المواجهة بين إيران والسعودية حول النفوذ في الشرق الأوسط علما وان العداء التاريخي بين الجانبين متجسّد على الميدان في أكثر من بلاد أولها اليمن ثم العراق وسوريا ولبنان.

ويجعل التوافق الأخير الأنظار تتجه نحو مرحلة جديدة تحمل آمالا بتحقيق تسوية دائمة وقريبة للأزمة اليمنية المستمرة منذ عقود طويلة، إذ اعتبر اليمن أرضا خصبة لحرب بالوكالة بين الأطراف الإقليمية إضافة إلى كل من سوريا العراق ولبنان.
عودة العلاقات الخليجية اللبنانية

بالإضافة إلى الملف اليمني شهد لبنان الذي يعاني أزمات اقتصاديّة وسياسيّة حادة هذه الفترة ، عودة سفراء كل من السعودية والكويت واليمن بعد قطيعة دامت أشهرا وكانت لها تأثيرات على الواقع الإقتصادي المتردي لبلاد الأرز خاصة بعد انفجار بيروت كذلك في ظل الركود الذي تتسم به العملية السياسية في بيروت.

واعتبر مراقبون هذه الخطوة مؤشرا على تحسن العلاقات التي وصلت إلى أدنى مستوى لها العام الماضي عندما سحبت المملكة ودول خليجية أخرى السفراء نتيجة أزمة تصريحات صادرة عن وزير الإعلام في حكومة نجيب ميقاتي، جورج قرداحي والتي قال فيها أنّ الحوثيين في اليمن ‘’يدافعون عن أنفسهم ضدّ اعتداءات السعودية والإمارات’’ مما أثار غضب المملكة العربية السعودية وجيرانها الخليجيين.

كما دفعت التصريحات -التي صدرت قبل تعيين قرداحي وزيرا للإعلام - الرياض وباقي الدول الخليجية إلى سحب سفرائها من لبنان والقيام بخطوة مماثلة في حق السفراء اللبنانيين على أراضيها في أقوى أزمة دبلوماسية مٌعلنة بين الجانبين في الوقت الراهن . ولم يقتصر الأمر على سحب السفراء إذ أعلنت الرياض عن وقف كافة الواردات اللبنانية إلى السعودية، مما انجرت عنه وفق مراقبين خسائر فادحة زادت في تعقيد الأزمة الاقتصادية في بلاد الأرز .

وقد استدعت السعودية في 29 أكتوبر الماضي سفيرها لدى بيروت وطلبت من السفير اللبناني مغادرة الرياض وقررت وقف كل الواردات اللبنانية إليها. كما أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية في 30 أكتوبر الماضي بياناً أعلنت فيه عن سحب أبو ظبي لدبلوماسييها من لبنان. كذلك فعلت البحرين ثم لحقت بهما الكويت.وفي 2 نوفمبر الماضي أعلنت وزارة الخارجية اليمنية أن الحكومة استدعت سفيرها لدى بيروت للتشاور حول تصريحات وزير الإعلام اللبناني. وطلبت البحرين من مواطنيها مغادرة لبنان فوراً. لكن يبدو أن الأزمة اللبنانية الخليجية اتجهت نحو الانفراج منذ إعلان وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي عن استقالته وهو ما قلص نوعا ما من حدة الأزمة بين لبنان والدول الخليجية لكنها لن تحقق انفراجا كاملا، خاصة وأن تاريخ التوتر بين البلدين لم يقتصر على تلك التصريحات التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير مما يجعل عودة الدفء للعلاقات بين الجانبين صعبا خلال الفترة الراهنة وسيكون مرتبطا بتنازلات كبرى .

وفي تعليقها على عودة سفيرها إلى لبنان قالت وزارة الخارجية السعودية إن سفيرها عاد «استجابة لنداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان» وبعد تصريحات لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي بخصوص إنهاء جميع الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تؤثر على السعودية وغيرها من دول الخليج.وشدد البيان السعودي الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية على «أهمية عودة جمهورية لبنان إلى عمقها العربي». وقال ميقاتي في تدوينة على تويتر رحب فيها بالخطوة، إن لبنان «يفخر بانتمائه العربي ويتمسك بأفضل العلاقات مع دول الخليج»، واصفا إياها بأنها «كانت وستبقى السند والعضد».

انفراج مالي وسياسي؟

وقد ترافقت هذه العودة مع اعلان صندوق النقد الدولي عن توصله إلى اتفاق مبدئي مع السلطات اللبنانية على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات لمساعدة البلاد الغارقة في انهيار اقتصادي.
وقال راميريز ريغو الذي ترأس وفد صندوق النقد الدولي إلى لبنان في بيان إنه في حال تمت الموافقة على الخطة من قبل إدارة الصندوق ومجلس إدارته، ستندرج المساعدة المرسلة إلى لبنان في إطار «دعم خطة السلطات الإصلاحية لإعادة النمو والاستقرار المالي».
غير أن الموافقة رهنية بـ«تنفيذ جميع الإجراءات المسبقة وتأكيد الدعم المالي للشركاء الدوليين». والمعلوم ان لبنان عانى طوال العامين الماضيين من انهيار مالي حاد خسرت خلاله العملة الوطنية نحو 90 بالمئة من قيمتها في السوق السوداء، وبات أربعة من كل خمسة لبنانيين الآن يعيشون تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة، في أزمة فاقمها تضخم تجاوزت نسبته 100 %. وقد اعتبر حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة في تصريحات صحفية إن لبنان يأمل من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في جمع 15 مليار دولار في شكل منح وقروض من الصندوق ومؤسسات دولية أخرى.
لكن هذا الدعم الذي طالما انتظره اللبنانيون مرهون بخطة إصلاحات قاسية ليست اقتصادية فحسب بل سياسية أيضا . ولعل انقشاع الغيوم في سماء العلاقات اللبنانية الخليجية سيساهم في التخفيف من عبء هذه الأزمات خاصة مع عودة حركة التبادل التجاري بين لبنان ودول الخليج الى سابق عهدها.

مرحلة انتقالية
في هذا السياق يرى المحلل السياسي اللبناني قاسم قصير بان لبنان يمرّ بمرحلة انتقالية خاصة ان البلد دخل جو الانتخابات وتم تسجيل اللوائح الانتخابية والتي بلغت حوالي 103 لائحة وسط تنافس كبير . ويقول :» الانتخابات تجعل هناك نوعا من التنافس السياسي والمالي إضافة الى اهتمام دولي واقليمي بهذه الانتخابات كونها ستكون حاسمة لمستقبل لبنان ومن هي القوة التي ستفوز وستدير البلاد خلال المرحلة المقبلة لذلك نحن أمام مرحلة انتقالية». من هنا جاء -بحسب محدثنا -استبعاد القضايا الرئيسية كالاتفاق مع صندوق النقد الدولي او الاتفاق على خطة التعافي او ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني او

غيرها من الملفات الشائكة . واكد قصير ان هناك محاولة للحفاظ على الاستقرار الأمني وضبط الأوضاع رغم الكثير من التحديات التي تواجه الجيش اللبناني والحكومة والتي أحيانا تفشل في السيطرة على بعض الاضطرابات الأمنية .
اما عن عودة سفيري كل من السعودية والكويت يوض محدثنا :» صحيح شهدنا مؤخرا تخفيف الموقف السعودي وبعض ودول الخليج من لبنان وكانت هناك توقعات بعودة سفيري الرياض والكويت قريبا لذلك لم تكن الخطوة مفاجئة . والبعض يربط هذه المستجدات بقرب الانتخابات النيابية في لبنان وان السعودية تريد ان تلعب دورا مؤثرا في الواقع السياسي خوفا من ان يفوز حزب الله وحلفائه في الانتخابات المقبلة . كما ان هناك ضغوطا أمريكية وفرنسية على السعودية بضرورة العودة الى لبنان وزيادة الدور الخليجي الى سالف عهده .
وتأمل شرائح لبنانية واسعة بان تصبّ عودة هذا الدور الخليجي لمصلحة العلاقات المشتركة وليس في اطار التنافس الإقليمي .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115