أثارت الهجمات العسكرية التي شنّتها جماعة الحوثي أمس الأول ضدّ مواقع ومنشآت حيوية في المملكة العربية السعودية تنديدا دوليا وعربيا واسع النطاق علما وأن هذه الهجمات ليست الأولى التي تنفذها جماعة الحوثي اليمنية ضدّ الرياض. وتتزامن هذه الهجمات التي تطال في أغلبها مواقع للمنتجات البترولية التابعة لأكبر الشركات النفطية في العالم مع ما يعيشه سوق النفط العالمي من اضطرابات كبرى نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وما يمكن أن ينجر عن ذلك من تداعيات شديدة الخطورة على اقتصاديات العالم في وقت يبحث فيه الغرب عن بدائل لتجاوز هذه المرحلة الحسّاسة .
ويخشى متابعون أن تؤثر هذه الهجمات على المساعي الدولية التي يقودها مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة لإجراء مشاورات في الرياض بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي في محاولة لوقف النزاع المدمر بين الطرفين في اليمن، ومن المفترض أن تبدأ هذه المحادثات في 29 مارس الحالي، بعد أيام قليلة من دخول عمليات التحالف العسكري بقيادة السعودية الذي يدعم القوات الموالية للحكومة اليمنية في قتالها ضد الحوثيين في اليمن منذ 2015، عامها الثامن في 26 مارس.
وقال التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية إنّ محطة توزيع المنتجات البترولية التابعة لشركة «أرامكو» العملاقة للنفط في جدة تعرضت الى هجمات شنها الحوثيون مما تسبب في اندلاع حريق في صهريجين لكن دون وقوع إصابات.هذا وتبنى الحوثيون في بيان لهم سلسلة هجمات على السعودية تسبب أحدها باندلاع حريق هائل في منشأة نفطية لشركة ‘’أرامكو’’ في مدينة جدة غير بعيد عن حلبة تستضيف فعالية سباقات دولية رياضية للفورمولا واحد.من جهته أعلن التحالف العسكري بقيادة الرياض أمس عن تنفيذ «ضربات جوية» ضد «مصادر التهديد بصنعاء والحديدة». وأضاف التحالف في تغريدة نقلتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، أن هذه «العملية العسكرية ستستمر حتى تحقيق أهدافها’’.وقال ان «هدفنا حماية مصادر الطاقة العالمية من الهجمات العدائية وضمان سلاسل الإمداد» وإن العملية ستستمر حتى تحقق أهدافها.وأضاف التحالف أنّ العملية في مراحلها الأولى وأنه على الحوثيين في اليمن تحمل «نتائج السلوك العدائي».
أمريكا والسعودية .. علاقات متذبذبة
وحذّرت الرياض - بصفتها أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم- في بداية الأسبوع المنقضي من مخاطر خفض إنتاجها النفطي في ظل الهجمات المتكرّرة للحوثيين بواسطة صواريخ وطائرات مسيّرة تستهدف أراضيها ومنشآت حيوية تابعة للمملكة ، في خطوة تحذيرية اعتبرها مراقبون محاولة للضغط على المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة جماعة الحوثي المدعومة من إيران. وجاء في تغريدة نشرها وزير الخارجية الأمريكية قبل ساعات من بدء جولة شرق أوسطية، تشمل الأراضي المحتلة والمغرب والجزائر، تستمرّ لمدة 5 أيام.وكتب وزير الخارجية انتوني بلينكن الأمريكي «ندين بشدة الهجمات الإرهابية الأخيرة للحوثيين على المملكة العربية السعودية.
فرغم أنّ الموقف الأمريكي أدان
هجمات الحوثيين الأخيرة -المتزامنة مع الذكرى الـ8 لبدء التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن لمواجهة الحوثيين - على المنشآت المدنية في السعودية ، إلاّ أنّ التوتر ساد العلاقات بين البلدين منذ تولي الرئيس الديمقراطي جو بايدن الحكم . ويرى مراقبون أن الحرب في اليمن كانت بمثابة أولوية في أجندة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الذي تعهد منذ بداية حملته الانتخابية بإعادة إحياء المفاوضات الدبلوماسيةحول الملف اليمني المعقد . وفي أول خطاب له عن السياسة الخارجية كرئيس، أعلن الرئيس الأمريكي بايدن عن وضع حد لـ’’الدعم’’ولـ’’مبيعات الأسلحة’’ المقدمة للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، متعهدا بإنهاء الحرب في اليمن وهو ما اعتبره مراقبون خطوة هامة ومنعرجا خطيرا في المنطقة العربية .
وفي أول خطاب شامل له بعد فوزه على الرئيس السابق دونالد ترامب، تطرق بايدن إلى نقطة أثارت جدلا في أمريكا وهي إعادة بناء التحالفات الأمريكية واستعادة الولايات المتحدة لدورها «القيادي في العالم» ، وذلك من خلال القطع مع عدد من الاستراتيجيات والعودة عن قرارات سابقة اتخذها الرئيس السابق المثير للجدل دونالد ترامب.وأشار إلى أن إدارته ستدعم مبادرة بقيادة الأمم المتحدة لفرض وقف إطلاق النار في اليمن واستئناف محادثات السلام.
في إشارة إلى مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية قال بايدن: «يجب أن تنتهي هذه الحرب، ولتأكيد التزامنا، سننهي كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب الدائرة في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة». في المقابل تعهد بمواصلة الدعم الأمريكي للسعودية و’’مساعدتها في الدفاع عن سيادتها وأراضيها»، دون أن يقدم تفاصيل أكثر.
ويمثل هذا القرار، وهو أحد الوعود الانتخابية لبايدن، إعادة نظر شاملة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، سواء حول اليمن أو بخصوص الدور الإيراني في المنطقة والذي ادى الى خلاف كبير بين الإدارة الأمريكية السابقة وحلفائها من جهة وطهران وأذرعها في المنطقة العربية من جهة أخرى .
ومن بين القرارات التي بدأت بها إدارة بايدن بخصوص اليمن إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن إلغاء قرار تصنيف حركة أنصار الله أو ماتعرف بجماعة الحوثي باليمن «منظمة إرهابية أجنبية عالمية» مع بقاء قادتها في لائحة العقوبات.يشار إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أدرجت يوم 30 ديسمبر 2020 الحوثيين على لائحة الإرهاب، واعتبرتها منظمة إرهابية.وقالت الخارجية الأمريكية، في بيانها ، إن إلغاء التصنيف سيسري تطبيقه اعتبارا من 16 فيفري الفارط.
الأزمة الروسية وتأثيراتها
وقد بدأت هذا التوتر في العلاقات الخليجية الأمريكية تلوح في أفق الأزمة الروسية ، فمنذ بدء الأزمة في أوكرانيا دعت الدول الغربية منظمة الدول المصدّرة للنفط «أوبك» بقيادة السعودية إلى زيادة إنتاجها. لكن المملكة لم تلب هذا المطلب وقرّرت المضي قدما في تنفيذ تعهّدات قطعتها لمجموعة ‘’أوبك بلاس’’ التي تضم روسيا، ثاني أكبر مصدّر للنفط في العالم. ويرى مراقبون أن أسباب عدم تلبية الرياض لهذا الطلب تعود إلى عدة أسباب أهمها الجفاء السعودي تجاه أمريكا نتيجة موقف البيت الأبيض من حرب اليمن.
فقد حثت الرياض المجتمع الدولي على «الوقوف بحزم» ضد هجمات الحوثيين التي قد تؤدي إلى «التأثير على قدرة المملكة الإنتاجية وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها’’وأدّى الهجوم الذي استهدف يوم الأحد مرافق «شركة ينبع ساينوبك للتكرير» (ياسرف) في غرب المملكة إلى «انخفاض مستوى إنتاج المصفاة بشكلٍ مؤقّت»، حسب ما أعلنت عنه وزارة الطاقة السعودية.
ووفق مراقبين ترتبط المتغيرات الجيوسياسيّة الكبرى التي يعيشها العالم على وقع الحرب الروسية الأوكرانية بالمتغيرات في أساسيات السوق العالمية ، إذ يكثر الحديث في هذه الآونة عن بديل الغاز والنفط الروسيين في حال ما اذا تم فرض حظر شامل على صادرات النفط الروسية.. فوفق مراقبين تتجه بوصلة الغرب إلى دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط لضرورة حثها على تغيير مواقفها بشأن زيادة إنتاج النفط . إلاّ أن الجفاء بين الإمارات والسعودية وواشنطن من شأنه عرقلة مثل هذه الخطوة .
ويبدو من الصعب إقناع دول الخليج بتعريض مصالحها للخطر وتغيير سياسة أوبك طويلة الأمد» للتماشي مع الخطط الغربية الأمريكية دون الحصول على ضمانات تجاه عدد من الملفات الحساسة لعلّ أهمها الحرب في اليمن كذلك مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة .