من خلال انتخاب ما سمي بالمؤتمر الوطني عام 2012م انتكست آمال هذا الشعب وتبخّرت أحلامه لأن الإختيار لم يكن سليما، ولم ينتبه الكثير إلى فداحة التعامل مع الفكرة بسلبية ولامبالاة، ذلك أن نتائج الإنتخابات جاءت مخيّبة للآمال ومثبّطة للطموح حين تمكن من لا خبرة ولا قدرة لهم، ومن إنتمائهم لبطونهم من الفوز بالمقاعد، وكان بذلك أن خذل هذا الشعب نفسه وحوّل انتفاضته إلى نكبة أتت على الأخضر واليابس ولم تبق في الوطن إلا الدمار والخراب وفوضى مسلحة طال عهدها.
ذلك المؤتمر اللاوطني الذي كان مقررا عمره بسنة ونصف، أبى إلّا أن يستمر ويتمسك بالبقاء رغم مطالب الجماهير وحتى بعد أن شعر بالضغط الشعبي واصدر قراره بإنتخاب مجلس جديد اسمه مجلس النواب، وانتخب الشعب بديلا، تراجع عن ذلك ولم يسلّم للمجلس الجديد، بل أن بعض أعضائه في سبيل بقائهم
اشعلوها نارا وحربا دامية تقاتل فيها الإخوة وفقدنا فيها الكثير من الضحايا بين قتلى وجرحى، ناهيك عن الخسائر المالية والمادية الكبيرة، ومنذ ذلك التاريخ في عام 2014م انقسمت البلد سياسيا وعسكريا وصار الإنقسام عنوانا دائما للوضع الليبي حتى الآن.
ونتيجة لذلك الانقسام تدخّلت البعثة الأممية للتوسط بين الفرقاء فكان اتفاق الصخيرات نهاية عام 2015 م والذي أسّس لوجود الجسمين معا، مجلس النواب الجديد، والمؤتمر الوطني الذي استبدل اسمه ليحمل اسم مجلس الدولة الاستشاري، وهكذا منذ ديسمبر 2015م يعاني الليبيون من نشوء جسم جديد ينتفخ كل حين ويزداد تورّما حتى صار عمره عشرة سنوات كاملة، أنّه البرلمان المتورّم (مجلس الدولة + مجلس النواب) وهو بكل أسف لا مهمة له ولا أثر إلا فيما يستفاده أعضائه الـ (400) من مرتبات فاقت المنطق وميزات خالفت كل معقول.
هذا الجسم المتورّم الذي وضع رجلا في طرابلس العاصمة وأخرى في طبرق، صار واقعيا مجرد بالوعة للصرف بالدينار واليورو، وانهمك فقط في إصدار القوانين والقرارات التي تخدم شخوصه، في غياب تام لأي شعور بالمسئولية أو إحساس بمن كان سببا في وجودهم من الناخبين، من هذا الشعب المنكوب
الذي صيّرته قوانينهم واختياراتهم للسلطة التنفيذية على مختلف مراحلها، صيّرته أشبه بعبدٍ يستجدي سيده فيما يسدّ به رمقه عيشا مهانا وحياة ضنكى! ولذلك كان هذا الجسم المتورّم عنوانا للفساد وداعما للمرتشين الفاسدين إلّا ما رحم ربي من أعضائه وهم نادرون.
لا عجب فهذا الجسم المتورّم أصبح يشكل طبقة برجوازية جديدة، احتكرت كل التعاملات المالية في البلد من المشروعات إلى تكليفات المهام الداخلية والخارجية، إلى الاعتمادات والتجارة الخارجية والداخلية، إلى التعيينات في المناصب التي صارت حكرا على المحاسيب من ذوي القرابة لأعضاء هذا الجسم، لقد تضخّم هذا الجسم وتعاضم اثره على الليبيين فساداً وإفساداً، فهو فعلا أشبه بالورم السرطاني الخبيث الذي لا شفاء منه إلا بإستئصاله فهل يعي الليبيون خطورة استمراره ينخر جسد الوطن حتى ينهكه؟!
لا خيار أمام الليبيين الآن إلاّ استئصال هذا الجسم المتعفن من خلال عملية جراحية كبيرة اسمها «الإنتخابات» والتي بعد أن كانت مقررة في ديسمبر 2021 هاهم يؤجلونها ويتمادون في إطالة أجلها، إن التحضير لهذه العملية الكبيرة يجب أن يكون في مستوى الحدث وان تتلاحم فيه كل جماهير الشعب الليبي
للخروج والمطالبة علنا وبإستمرار من خلال وقفات واعتصامات يومية مستمرة في كل المدن والقرى مطالبة برحيل البرلمان المتورّم (مجلس دولة + مجلس نواب) وتحديد موعد عاجل لإنتخابات مجلس نواب جديد، وعلى الليبيين أن يحسنوا الإختيار في هذه المرة فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!