في ما يتعلق بملف الهجرة واللجوء، وفي ما يتعلق بالملف الليبي باعتبار أن ليبيا بلد العبور باعتبار المناخ السياسي والأمني الهش الذي جعل منها بلد عبور للمهاجرين غير الشرعيين باتجاه كل من باريس وروما . وتتعلق المعاهدة بمحاور للتعاون المعزّز على صعيد الدبلوماسية والدفاع والرقمنة والتحولات البيئية والثقافة والتعليم والتعاون الاقتصادي والصناعي والفضاء وغيرها .
وتعليقا على الإتفاقية قال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي إن «المعاهدة الفرنسية الإيطالية تمثل خطوة كبيرة في العلاقات بين البلدين ستدشن فترة من التعاون الوثيق في مجموعة من المجالات».وقال دراجي، الذي كان يتحدث إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن البلدين سيبدآن «أشكالا جديدة من التعاون» في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والبحث والابتكار.وذكر ماكرون إن المعاهدة الجديدة «ستساعدنا في مواجهة أزمة ليبيا وتسهم في تعزيز الدفاع الأوروبي المشترك».
وقد شهدت العلاقات بين روما وباريس في السنوات الأخيرة أزمة دبلوماسية حادة، وقد لقي توقيع المعاهدة في قصر كيرينالي الرئاسي بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس الحكومة الايطالية ماريو دراغي، بحضور الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا ترحيبا إقليميا ودوليا كبيرا في خطوة ستكون لها تداعيات إيجابية على الجانبين أو على الملفات ذات الإهتمام المشترك التي على رأسها الملف الليبي الذي طالما كان نقطة صدام ومنافسة بين البلدين مما انعكس سلبا على مجريات الأزمة.
وتّعد معاهدة التعاون الثنائي المعزز هذه، المعروفة باسم معاهدة كيرينالي، نادرة من نوعها في أوروبا، فهي الثانية بعد المعاهدة التي وقعتها فرنسا وألمانيا في العام 1963 في الإليزيه والتي استكملت بمعاهدة ‘’آخن’’ العام 2019.وقد وصلت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين إلى ذروتها في مطلع العام 2019 حين التقى زعيم حركة خمس نجوم لويجي دي مايو بعض ممثلي حركة «السترات الصفر» المناهضة لسياسة ماكرون الاجتماعية في فرنسا ، وهو ما أثار غضبا الإيليزيه الذي اعتبر الخطوة تدخلا في الشأن الفرنسي وتشجيعا منها للتمرد في الداخل الفرنسي مما خلق توترا بين البلدين على الصعيد الدبلوماسي انعكس على عدد من الملفات ذات الإهتمامات المشتركة .
سنوات من التوتر
وقد شهدت العلاقة بين روما وباريس توتر متزايدا تخللته حرب تصريحات بين رئيس وزراء إيطاليا ونظيره الفرنسي بخصوص الوضع في ليبيا ، وهو ما سلط الضوء آنذاك على خلاف أشدّ عمقا بين ايطاليا وفرنسا ميدانه القارّة الإفريقية.فبعد أن اتهمت روما باريس بعدم الرغبة في تهدئة الأوضاع في ليبيا التي يمزّقها العنف بسبب مصالحها في قطاع الطاقة ، ظهرت على الواجهة عدّة ملفات عالقة بين البلدين لعلّ اهمها أزمة الهجرة التي تؤرق القارة الأوروبية عامة وتؤثّر بشكل أكبر على كلّ من فرنسا وايطاليا.
كما تصاعدت حدة الحرب الكلامية بين باريس وروما بعد أن دعا نائب رئيس وزراء إيطاليا لويجي دي مايول ، الاتحاد الأوروبي الى ضرورة فرض عقوبات ضد الدول بدءا بفرنسا بتهمة الوقوف- حسب قوله- وراء مأساة المهاجرين في البحر المتوسط من خلال تهجيرهم من أفريقيا.ونتيجة للتصعيد الإيطالي استدعت وزارة الخارجية الفرنسية ، سفيرةإيطاليا لدى فرنسا تيريزا كاستالدو احتجاجا على تصريحات نائب رئيس الحكومة الإيطالية لويجي دي مايو، التي اتهم فيها فرنسا بـ«تفقير أفريقيا» وتصعيد أزمة المهاجرين.وأفاد مكتب الوزيرة المكلفة بالشؤون الأوروبية في فرنسا ناتالي لوازو، «أن مدير مكتب الوزيرة استدعى سفيرة إيطاليا إثر تصريحات غير مقبولة وغير مبررة صدرت عن مسؤولين إيطاليين.
وبدأت الأزمة في الظهور عندما رفضت ايطاليا استضافة اللاجئين على متن سفينة الإنقاذ «أكوارياس» في مياه المتوسط كذلك قبرص واليونان، اللتين رفضتا استقبال السفينة التي أقلت 629 شخصا. وفتحت الحادثة انذاك جدلا مستمرا حول ضرورة اقتسام أعباء هذه الظاهرة بين مختلف الدول المتأثرة بأزمة اللجوء والهجرة .
ولعلّ الموقف الإيطالي المتعلق بالأزمة الليبية أظهر صداما كبيرا بين الدولتين على الأدوار التي كانت تلعبها كل من فرنسا وإيطاليا في ساحة الصراع في ليبيا سياسيا أو اقتصاديا . ويرى مراقبون أنّ الملف الليبي كان القطرة التي أفاضت كأس الخلافات بين باريس وروما وفتحت الباب أمام حزمة من الملفات العالقة بين البلدين على رأسها أزمة المهاجرين وتضارب سياسات البلدين في ما يتعلق بهذه المعضلة .
وقد أدى اندلاع الأزمة في ليبيا قبل 8 سنوات وما تمخّض عنها من فوضى أمنية وسياسية إلى تفجّر أزمة هجرة غير مسبوقة انطلاقا من السواحل الليبية باتجاه القارة العجوز ، وعجزت أوروبا خلال السنوات المنقضية عن إرساء آلية أو إستراتيجية ناجعة ومشتركة لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بل ان الظاهرة قد فاقمت هذه الظاهرة الخلافات بين الدول الأوروبية خاصة منها ايطاليا وفرنسا. وتٌحمّل روما السياسات الفرنسية في إفريقيا -التي اعتبرتها غير ناجحة- ومسؤولية عن تدفق موجات الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا ، وهو مازاد من حدة الخلاف بين البلدين الجارين .
إلاّ أنه ومنذ وصول حكومة يمينية إلى الحكم في ايطاليا شدّدت روما من سياساتها خاصة المتعلقة بالهجرة غير الشرعية وهو مامثل نقطة صدام كبيرة بين جيرانها خاصة فرنسا . وأبدى متابعون آنذاك خشيتهم من تنامي هذه الحرب الكلامية لتصل إلى حرب اقتصادية بين البلدين خاصة وأن فرنسا تحتل المرتبة الثانية في سوق الصادرات الإيطالية. ما يعني أن أية تطورات قد تصل الى حد فرض عقوبات اقتصادية ستؤثر دون شك على المشهد الاقتصادي للبلدين .
ويرى متابعون للشأن الافريقي أن هذا التوجه الايطالي للتقارب مع فرنسا سيصل مداه في ملف الهجرة والملف الليبي بما سينعكس إيجابا على هذا الملف المعقد منذ سنوات، وقد يزيد التقارب بين باريس وروما من فرص إرساء الاستقرار في بلاد عمر المختار.
معاهدة تعاون معزّز بين فرنسا وإيطاليا: مساع لتجاوز أزمات دبلوماسية بين البلدين وترقّب لتعاون مشترك في ليبيا
- بقلم وفاء العرفاوي
- 10:53 29/11/2021
- 521 عدد المشاهدات
وقّعت فرنسا وإيطاليا أمس في روما معاهدة ثنائية للتعاون المعزّز لتوطيد العلاقة بين البلدين بعد توتر وجفاء سادا العلاقات بين البلدين خاصة