السودان.. تاريخ حافل بالإنقلابات العسكرية: انقلاب جديد .. استنفار محلي ... ودعوات دولية لتفادي سيناريو الفوضى

أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان أمس الاثنين عن حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد وحل مجلس السيادة الانتقالي والحكومة،

وذلك في أحدث انقلاب تعيشه البلاد بعد تاريخ طويل مع الإنقلابات العسكرية التي منعت السودان من تجاوز الواقع القاتم والمرير الذي يعيشه منذ عقود طويلة .وقالت مصادر سياسية إن جنودا اعتقلوا جل أعضاء مجلس الوزراء السوداني وعددا كبيرا من قادة الأحزاب المناصرة للحكومة.وأكدت وزارة الإعلام أن قوة عسكرية مشتركة اعتقلت أعضاء مدنيين في مجلس السيادة وأعضاء في الحكومة واقتادوهم إلى مكان غير معلوم.
وقالت «رويترز» إن الجيش والقوات شبه العسكرية انتشرا في أنحاء الخرطوم للحد من تحركات المدنيين، إذ أحرق محتجون يحملون العلم الوطني إطارات في مناطق متفرقة من المدينة.وقالت وزارة الإعلام على صفحتها على «فيسبوك» إن عددا من الوزراء والأعضاء المدنيين في مجلس السيادة اعتقلوا.ونقل تلفزيون الحدث الذي يوجد مقره دبي عن مصادر لم يذكرها أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وضع رهن الإقامة الجبرية في منزله، وأن قوات عسكرية مجهولة اعتقلت أربعة وزراء وعضوا مدنيا في مجلس السيادة الحاكم وعددا من حكام الولايات وقادة أحزاب سياسية.وقالت مصادر من أسرة فيصل محمد صالح المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء حمدوك إن قوة عسكرية اقتحمت منزل صالح واعتقلته.
وأثار أحدث انقلاب يشهده السودان ردود أفعال داخلية متباينة وغضبا دوليا ودعوة إلى ضرورة العودة إلى المسار السياسي تفاديا للفوضى وانعدام الأمن في السودان. ودعا تجمع المهنيين السودانيين، وهو من أبرز الائتلافات التي نشطت إبان الثورة ضد البشير، أنصاره إلى إعلان حالة المقاومة بعد ما وصفه باعتقال أعضاء من الحكومة.
وقال في بيان على فيسبوك «نناشد الجماهير للخروج للشوارع واحتلالها وإغلاق كل الطرق بالمتاريس، والإضراب العام عن العمل وعدم التعاون مع الانقلابيين والعصيان المدني في مواجهتهم». ومع تصاعد التوتر هذا الشهر، تحالف ائتلاف من الجماعات الثورية وأحزاب سياسية مع الجيش ودعوا إلى حل الحكومة المدنية ونظموا اعتصاما أمام القصر الرئاسي.وشارك عدة وزراء في الأسبوع الماضي في احتجاجات كبيرة في عدة مناطق بالخرطوم ومدن أخرى ضد احتمال أن يكون الحكم عسكريا.
وكان القائد العسكري لمجلس السيادة قد أكد في وقت سابق التزامه بالعملية الانتقالية. ويرى مراقبون أنّ ما حصل يزيد من مخاوف تحوّل السودان إلى ساحة لصراعات جديدة قد يغذيها تضارب السياسات الداخلية وتباين المواقف بين مختلف مكونات المشهد السياسي الداخلي، إذ بات الغموض يكتنف مستقبل هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها السودان. بالإضافة إلى المعضلات الداخلية يحذر متابعون من تنامي الدور الخارجي الذي يواجهه السودان الذي بات في مرمى مطامع أطراف خارجية لعدة اعتبارات نظرا للأهميّة الاقتصاديّة والإستراتيجية التي يتمتع بها السودان. وخلف التغيير في رأس السلطة السودانية تباينا في ردود الفعل الدولية والإقليمية التي دعمت في أغلبها الانتقال الديمقراطي والسلمي للسلطة في السودان ، إلاّ أنّ حالة الإنقسام الحادة صلب السلطة في حد ذاتها كانت من بين أسباب هذا المشهد القاتم في السودان.
وفي سبتمبر المنقضي أعلنت السلطات السودانيّة عن إفشالها لمحاولة إنقلابيّة وقامت بعمليات اعتقال وإيقافات بالجملة طالت ضباطا كبارا ومسؤولين في الدولة .وتأتي هذه المحاولات الإنقلابية وقت يعيش فيه السودان وضعا سياسيا واقتصاديّا صعبا، وذلك بعد عامين من الإطاحة بنظام عمر البشير إثر إحتجاجات شعبية عارمة أفرزت حكومة انتقالية تضم مدنيين وعسكريين.
وقد ارتفعت الأصوات المنادية على الصعيدين المحلي والدولي بضرورة توحيد الجيش في السودان ووضع مؤسساته الاقتصادية تحت إشراف المدنيين وسط مخاوف من تجدّد الخلافات داخل المؤسسة العسكرية . وقبل الإنقلاب المعلن أمس حذر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مما وصفه بـ حالة «التشظي» داخل المؤسسة العسكرية.وأضاف أن «التشظي العسكري داخل المؤسسة العسكرية أمر مقلق جدا». ويربط مراقبون هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة بالتشرذم المسيطر على المؤسسة العسكرية والخلافات بين مكوناتها .وواجهت الحكومة بقيادة رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، وضعا داخليا صعبا خاصة وأنها تعاني منذ توليها -عقب الإطاحة بحكومة عمر البشير التي أسقطها الحراك الشعبي- اختبارات صعبة في عدة مجالات داخلية وأخرى خارجية .
وكان الاختبار الأصعب أمام حكومة حمدوك المظاهرات الشعبية والاحتجاجات الاجتماعية المتصاعدة التي رفعت مطالب بالتغيير ومحاربة الفساد والبطالة والفقر المدقع وغيرها من المطالب المعيشية ، إلاّ ان حالة الانقسام صلب الحكومة في حد ذاتها والتشرذم الكبير كان سببين في مزيد تدهور المشهد ودخول البلاد مجددا في مستنقع الإنقلابات العسكرية . يشار إلى أن حكومة حمدوك تولت المسؤولية بعد الإطاحة بعمر البشير بعد 16 أسبوعا من المظاهرات الشعبية التي توسعت رقعتها وقد تتزايد وتيرتها مع ظهور موجة رفض كبير لأي دور سياسي قد يلعبه الجيش السوداني .
قلق أممي وعربي ودولي
في الأثناء قال فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان إن المنظمة الدولية تشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تتحدث عن انقلاب في السودان ومحاولات تقويض عملية الانتقال السياسي. كما أعرب أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن بالغ القلق إزاء تطورات الأوضاع في السودان، مطالباً جميع الأطراف السودانية بالتقيد الكامل بالوثيقة الدستورية التي تم توقيعها في أوت 2019 بمشاركة المجتمع الدولي والجامعة العربية، وكذلك باتفاق جوبا للسلام لعام 2020.
وصرح مصدر مسؤول بالأمانة العامة، بأنه «لا توجد مشكلات لا يمكن حلها دون حوار، ومن المهم احترام جميع المقررات والاتفاقات التي تم التوافق عليها بشأن الفترة الانتقالية وصولاً إلى عقد الانتخابات في مواعيدها المقررة والامتناع عن أية إجراءات من شأنها تعطيل الفترة الانتقالية أو هز الاستقرار في السودان».
وأعرب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وألمانيا عن القلق البالغ بعد أنباء حدوث انقلاب في السودان. واعتقلت قوى عسكرية وزراء ومسؤولين، فيما وضع رئيس الحكومة تحت الإقامة الجبرية وذلك في آخر تطورات المشهد المتوتر منذ أسابيع.
من جانبه قال المبعوث الأمريكي الخاص جيفري فيلتمان إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء أنباء عن سيطرة الجيش على الحكومة الانتقالية في السودان. وحذر فيلتمان عبر حساب مكتب الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية من أن سيطرة الجيش تتعارض مع الإعلان الدستوري السوداني وتهدد المساعدات الأمريكية للبلاد.
وقال فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان إن المنظمة الدولية تشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تتحدث عن انقلاب في السودان أمس الاثنين ومحاولات تقويض عملية الانتقال السياسي. وأضاف :«الاعتقالات التي تردد أنها طالت رئيس الوزراء والمسؤولين الحكوميين والسياسيين غير مقبولة». وقال :»أدعو قوات الأمن إلى الإفراج الفوري عن الذين تمّ اعتقالهم بشكل غير قانوني أو وضعهم رهن الإقامة الجبرية. وتقع على عاتق هذه القوات مسؤولية ضمان أمن وسلامة الأشخاص المحتجزين لديها». وتابع:»أحث جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس. وعلى جميع الأطراف العودة فورا إلى الحوار والمشاركة بحسن نية لاستعادة النظام الدستوري».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115