لبنان لأكثر من عام يعيش على وقع الفراغ والمعارك السياسية. وقد تلقى اللبنانيون نبأ ولادة حكومتهم بتفاؤل حذر وسط ترحيب داخلي وخارجي . ولعل هذه الولادة بكل ما رافقها من مصاعب وتعقيدات حملت القليل من الأمل وبعض الضوء لشرائح عديدة باتت تعيش تحت خطر الفقر في بلدا كان الى حد الأمس القريب يوصف بـ«بسويسرا الشرق» .
ويشرع ميقاتي اليوم مع حكومته المؤلفة من 24 وزيرا تكنوقراط في إعادة ترميم ما هدم في هذا البلد، مجتمعيا واقتصاديا وسياسيا، وسط مصاعب جمة يدركها ميقاتي جيدا ويعرف ان الوضع المالي المنهار يحتاج الى معجزة حتى يستقيم. فقد تحدث رجل الأعمال الثري المتحدر من مدينة طرابلس اللبنانية بكل حرقة في خطاب توجه به إلى اللبنانيين عن أزمات الأدوية والكهرباء وغياب أفق المستقبل، وتحدث عن الملفات الكبيرة التي تنتظر حكومته، وقال أن الحكومة لا تريد الغرق في التسييس. وكشف في هذه الكلمة عن ابرز ملامح سياسته الخارجية التي تقوم بالأساس على الانفتاح على العالم العربي وتضميد العلاقات المتوترة مع بعض الدول الشقيقة .. وقال بصراحة «إننا بحاجة إلى العالم العربي وأن نعيد وصل ما انقطع»، في إشارة ضمنية الى دول الخليج خاصة السعودية .
وقد علق الرئيس ميشال عون على تشكيل الحكومة بالقول ان «الحكومة أفضل ما يمكن التوصل اليه، وهي قادرة على العمل».
ولعل أولى الإشارات الإيجابية انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية فور الإعلان عن تشكيل الحكومة . ولكن تبقى أمام الوزراء تركة ثقيلة متراكمة من الأزمات لعل أخطرها نقص الوقود الذي شل قطاعات عديدة حيوية مثل الصحة والمستشفيات في أزمة وصفها البنك الدولي بأنها « إحدى أشد حالات الكساد في العصر الحديث».
وكان تخلف لبنان عن سداد الدين العام الضخم بما في ذلك 31 مليار دولار من سندات اليوروبوند، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس وجعلت قيمة العملة تنهار لأكثر من 90 % مما أدى إلى تدمير القوة الشرائية . فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 557 % منذ أكتوبر 2019 فيما يشهد الاقتصاد انكماشا بنسبة 30 %. فهل سيستطيع ميقاتي مجابهة كل هذه التحديات بكل مخاطرها ؟
صحيح ان لبنان اليوم يعيش احدى اعتى وأصعب مراحله التاريخية ، لكن من شأن الإعلان عن هذه الحكومة ان يعيد قطار الحياة الى سكته من أجل البدء في إصلاحات حقيقة للخروج من هذا المستنقع العفن بأقل الأضرار .