مصطفى الطوسة الكاتب والمحلل السياسي لـ«المغرب»: «سيطرة طالبان على الحكم ضربة مُوجعة لمصداقية الولايات المتحدة الأمريكية في العالـم»

• «أصبحت طالبان بيدقا جديدا في لعبة الشطرنج العالمية والإقليمية»
• «الصين وروسيا الطرفان المستفيدان من كل ما حصل في أفغانستان»

قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الطوسة لـ«المغرب» أنّ أفغانستان ما بعد الإنسحاب الأمريكي لن تكون «مستقرة» ولن تتحّول بعصا سحرية إلى «جنة ديمقراطية» بل ستكون منطقة غير مستقرة تجلب إليها كل المتطرفين وتُشكّل خطرا على جيرانها وعلى العالمين العربي والغربي . وأضاف أنّ وصول طالبان إلى الحكم في أفغانستان ضربة مُوجعة لمصداقية الولايات المتحدة الأمريكية في العالم لأنها انخرطت في عملية بناء الديمقراطية في أفغانستان منذ سنوات طويلة.

• غادر الأمريكان اليوم نهائيا أفغانستان في خروج أجمع مراقبون أنه ‘’مُهين’’.. كيف ستكون أفغانستان بعد هذه التطوّرات في رأيكم ؟
الظروف التي تم فيها الانسحاب والعجز الأمريكي في الأسابيع ، أعطت الانطباع بأنه هروب أكثر منه انسحاب عقلاني. وهذا يعطينا فكرة عن أن أفغانستان ما بعد الإنسحاب لن تكون مستقرة ولن تتحّول بعصا سحرية إلى جنة ديمقراطية بل ستكون كما عهدناها في الماضي بين العامين 1996 و2001 وستكون منطقة غير مستقرة تجلب إليها كل المتطرفين وتُشكّل خطرا على جيرانها وعلى العالم العربي والغربي .
لا شيء يدعو إلى التفاؤل بشأن مستقبل طالبان انطلاقا من الظروف التي تمت فيها عملية الانسحاب الأمريكي والظروف التي تم فيها تسليم السلطة لحركة طالبان على طبق من ذهب من طرف الإدارة الأمريكية . هناك عدة مؤشرات مخيفة مزعجة في المستقبل لأن لا أحد صراحة يعتقد أنّ طالبان تغيرت في جوهرها وفي كُنهها وفي مضمونها، فهي لا تزال حركة متشددة تشجع على الاستقرار وتشجع اللجوء الى العنف للاستيلاء على الحكم .

• كيف ستكون تداعيات هذا الانسحاب على أفغانستان وأمريكا على حد سواء؟
وصول طالبان للحكم ضربة مُوجعة لمصداقية الولايات المتحدة الأمريكية في العالم لأنها انخرطت في عملية بناء ديمقراطية في أفغانستان بعد أن كسرت الآلة الحاكمة لطالبان التي كانت قد احتضنت وشجّعت تنظيم «القاعدة» مُرتكب اعتداءات نيويورك عام 2001 . لكن الولايات المتحدة الأمريكية في آخر المطاف خرجت تاركة وراءها بلدا غير مستقر يعاني من دمار كبير وتأثيرات ذلك خطيرة على الأفغان في حدّ ذاتهم ويدل ذلك للأسف على موت الحياة العادية في البلاد منها الحياة الفنية والحياة الإعلامية والحياة الاجتماعية والحركة الثقافية والحركة الإبداعية التي لا أحد على الإطلاق يتوقع أنها ستعيش في ظل حكم حركة طالبان المتشددة .
هذا في حدّ ذاته يدلّ على فشل الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا بعد وصول بايدن للحكم خلفا لترامب الذي أكد منذ توليه الحكم أنه سيعيد لأمريكا بريقها العالمي ، لكن الظروف التي وصلت بها طالبان للحكم في أفغانستان تضرب مجددا سمعة ومصداقية أمريكيا على المسرح الدولي.

• يرى مراقبون أنّ الحل التفاوضي مع حركة طالبان سيكون أكثر صعوبة في المستقبل ..ماتعليقكم ؟
أمريكا تطلب من أفغانستان تشكيل حكومة جامعة وشاملة لكي تعترف بها على الصعيد الدولي ويوجد في الحقيقة نوع من السذاجة لدى الأوروبيين لأنهم يعرفون جيدا أن هذه الحركة المتشددة لا تستطيع التعايش مع أي فصيل سياسي آخر وهي حركة شمولية أكثر ديكتاتورية تريد أن تفرض على المجتمع طريقة تفكيرها وطريقة عيشها . فالحل التفاوضي مع حركة طالبان حل صعب إلى حد الآن لأنّ طالبان أصبحت ورقة جديدة في لعبة الشطرنج العالمية والإقليمية. لذلك لا أحد يتوقع أن تلبي طالبان الشروط الدولية والأوروبية قبل الإعتراف بها ،نحن أمام لعبة سياسية إعلامية فالهم الوحيد الذي يؤرق دول أوروبا هو أن لا يتسبب حكم طالبان في تحويل أفغانستان لملاذ امن للمجموعات الإرهابية .وأن لا يتسبب حكمها في نزوح ملايين الأفغان نحو إيران ونحو تركيا وصولا لدول الإتحاد الأوروبي.

• كيف سيكون تأثير سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان داخليا وخارجيا؟
هناك إجماع على أنّ دول الاتحاد الأوروبي هي التي ستدفع على المدى القريب والمتوسط فاتورة السياسة الارتجالية الأمريكية في أفغانستان والتي تسببت في سقوط الحكومة والجيش الأفغانيين في قبضة طالبان و تقديم السلطة السياسية في كابول إلى هذه الحركة المتشددة. في خطوة ومشاهد مأساوية ذكرت الجميع بانسحاب الولايات المتحدة من مدينة «سايغون» في الفيتنام.
رغم التعهدات التي قدمتها حركة طالبان خلال مفاوضاتها مع الإدارة الأمريكية، لا أحد يعتقد أن هذه الحركة المتشددة المكونة من عدة تيارات مذهبية ستحترم تعهداتها انطلاقا من الطريقة التي عادت بها إلى الحكم و التي تعتبرها انتصارا لعقيدتها المذهبية .
كما تتخوف هذه الدول الأوروبية من أن يبعث هذا ‘’الانتصار الطالباني’’ في أفغانستان رسائل مشجعة لباقي الحركات الإسلامية الإرهابية التي تنشط في الشرق الأوسط و منطقة الساحل وإفريقيا والتي تمنحها نفسا جديدا لمواصلة مشاريعها الإرهابية و طموحها التوسعي. مما قد يفرض على المجموعة الدولية إعادة النظر في مقاربتها للحرب الدولية على الإرهاب .إلى حد الآن دول أوروبا تعتقد أن طالبان قادرة على تغيير أسلوب حكمها وقادرة على عدم التسبب في هذين الكابوسين وهما كابوس الهجرة الجماعية وكابوس اللجوء .

• من هي الأطراف المستفيدة من هذا الوضع المتدهور في أفغانستان؟
انسحاب أمريكا وحلف الأطلسي ودول أوروبا بهذه الطريقة المهزومة أخلاقيا سياسيا ورمزيا وعسكريا يفتح الباب أمام قوتين أساسيتين ستحاولان استغلال الورقة الطالبنية في أفغانستان. أولا الصين التي يبدو أنها وقعت ورقة سرية تقضي باعتراف الصين بحكم الحركة مقابل أن لا تمس مجموعة الويغور في الصين وأن لا تحاول نشر الفكر الديني المتطرف في هذه المنطقة المحاذية لأفغانستان .

القوة الثانية التي ستستغل الوضع هي روسيا فموسكو ترى أن عدوها التقليدي والتاريخي أمريكا والحلف الأطلسي تكسّرت أسنانه أمام المعضلة الأفغانية وأرغم على الانسحاب بهذه الطريقة المهينة . لذلك نرى موسكو وبوتين يحاولان -برغم التاريخ الدموي بينهما- يحاولان أن يبعثا رسائل غزل واستقطاب لحركة طالبان فموسكو لم تغلق سفارتها وهم على استعداد لفتح قنوات التفاوض والحوار مع طالبان . إذن الطرفان المستفيدان من كل ماحصل في أفغانستان هما الصين وروسيا .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115