أفغانستان تحت قبضة طالبان ... والعالم في حالة ذهول: فوضى عارمة وواقع سياسي واستراتيجي جديد بصدد التشكّل

بعد قرابة عشرين عاما من الاجتياح الأمريكي لأفغانستان بتعلة القضاء على حركة طالبان بعد أحداث 11 سبتمبر ، باتت كابول اليوم تحت قبضة حكم

هذه الحركة المتطرفة مجددا، في مشهد دراماتيكي شهد فيه العالم تساقط الجيش الأفغاني الذي قالت الولايات المتحدة أنها دعمته وسلحته على مدى 20 عاما ولكنه اندحر وتراجع سريعا أمام ضربات هذه الجماعة الأصولية المتطرفة ، وهو سيناريو شبيه بما حدث في العراق عام 2014 عندما تمكنت ‘’داعش’’ الارهابية من إقامة دولة الخلافة المزعومة على مساحات واسعة في العراق . فقد انهارت القوات الحكومية وفرّ الرئيس أشرف غني من البلاد، وسط حالة من الفوضى العارمة التي عمت البلاد وجعلتها تغرق أكثر فأكثر في مستنقع الظلامية مع عودة طالبان بكل ما يحمله ذلك من انعكاسات وتداعيات .
مشهد الآلاف الذين يحاولون الفرار من الحكم الطالباني الجديد في مطار كابول يعكس الخوف من العودة إلى الزمن الرديء، في وقت تبدو فيه الولايات المتحدة قد استنفذت ورقاتها السياسية والعسكرية في هذا البلد . فقد حذر كثيرون من هذا السيناريو وذلك اثر انسحاب الولايات المتحدة بعد إن دخلت في مفاوضات مع حركة طالبان . وقد أرسلت الولايات المتحدة ستة آلاف عسكري لتأمين المطار وإجلاء حوالي 30 ألف دبلوماسي أمريكي ومدني أفغاني تعاونوا مع الولايات المتحدة ويخشون التعرض لأعمال انتقامية من جانب طالبان.
تقاطع المصالح
وفيما تتسارع عمليات إجلاء الدبلوماسيين من كابول، أسئلة كثيرة تطرح اليوم حول دور أمريكا المقبل والعلاقة مع طالبان التي لطالما اعتبرها البعض صنيعة أمريكية بامتياز لخدمة أهداف خاصة . فقد تقاطعت مصالح الإدارة البيضاوية في محطات تاريخية عديدة مع مصالح حركة طالبان ويرى البعض أن نشأة الحركة بالأساس كان بضوء أخضر أمريكي اذ انها لم تمانع من ظهورها في بداية الأمر ثم سرعان ما اختلفت المصالح بعد ذلك وتحولت الى ألد أعدائها. فقد سعت واشنطن الى ضرب الأصولية الأفغانية بأصولية أشد منها يسهل تطويعها في فلك سياساتها في تلك المنطقة وذلك فيما يتعلق بتشديد الحصار على ايران والتضييق عليها من خلال خلق حركة متشددة مناوئة لها في افغانستان . واليوم الأسباب نفسها سواء الداخلية والخارجية والتي ساهمت في نشأة هذه الحركة الأصولية تعود اليوم للظهور. فعدم الاستقرار الأمني والاقتتال الداخلي بين القبائل شكل عاملا اساسيا وبيئة خصبة لنمو هذه الجماعة التي ترتبط بتنظيم القاعدة بعلاقات راسخة وهي أحد وجوه تنظيم القاعدة الارهابي .
أما خارجيا فيرى عدد من المراقبين ان عودة الولايات المتحدة الى التفاوض مع طالبان منذ سنة 2018 مهدت الطريق لعودة طالبان إلى الحكم . ويذهب البعض الى ان واشنطن تسعى اليوم الى تحويل الحركة الى ورقة ضغط في وجه اعدائها وخصومها التقليديين في تلك المنطقة أي الصين وروسيا وايران. وهذا ما دفع وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن الى القول» أنّ «هذه ليست سايغون»، في إشارة إلى سقوط عاصمة فيتنام العام 1975 في حدث لا يزال مؤلماً في الذاكرة الأمريكيّة. وفي محاولة للتخفيف من وطأة ما اسماه البعض بأكبر الهزائم في تاريخ الحروب الأمريكية .
وبغض النظر عن الحسابات الداخلية والخارجية لطالبان وداعميها ، فان من سيدفع ثمن ما يحدث هو الشغب الأفغاني نفسه خاصة المرأة التي عانت الأمرين من حكم هذه الجماعة الأصولية. فالتاريخ اليوم يعيد نفسه في كابول التي حكمتها حركة طالبان بين اعوام 1996 و2001، فارضة رؤيتها المتطرّفة للشريعة الإسلاميّة. فمنعت النساء من الخروج دون محرم ومن العمل. كما منعت تعليم البنات. وتؤكد عديد التقارير بان الحركة قامت بقتل المدنيّين وقطع رؤوس وخطف المراهقات لتزويجهنّ بالقوة. وكأن قدر هذا البلد وشعبه ان يعيش الحروب تلو الأخرى بدء بالحرب الأهلية في أواخر سبعينيات القرن العشرين وما تمخض عنها من احتلال أجنبي عام 1979 تمثل في الغزو السوفيتي تلاه الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001.
اعتراف ورفض
اليوم يقف العالم مرتبكا أمام ما يحدث في افغانستان ففي حين أعلنت عديد الدول عن انها لن تعترف بحكم طالبان سارعت روسيا على لسان الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن أفغانستان الى القول إن روسيا لا ترى أن حركة طالبان في أفغانستان تمثل تهديدا لآسيا الوسطى. وقال زامير كابولوف الممثل الخاص لبوتين إن موسكو مهدت الطريق سلفا لإقامة اتصالات مع طالبان.
كما أعلن موفد الكرملين إلى أفغانستان زامير كابولوف أن السفير الروسي لدى كابول سيلتقي قادة من حركة طالبان اليوم الثلاثاء، مشيراً إلى أن موسكو ستقرر ما إذا كانت ستعترف بالسلطات الأفغانية الجديدة بناء على أفعالها.
وأضاف أن «الاعتراف أم لا (بحكم طالبان) يعتمد على تصرفات النظام الجديد».
والجدير بالذكر ان روسيا كانت قد سعت منذ سنوات الى فتح العلاقات مع طالبان واستقبلت ممثليها في موسكو في عدة مناسبات . وهذا ما يفسره البعض بالتحضير لسيناريو عودة طالبان. كما أبدت الصين والتي تتشارك حدوداً مع أفغانستان تمتدّ على 76 كلم، استعدادها لإقامة «علاقات ودية» مع حركة طالبان. وأكدت متحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية أن بكين «تحترم حق الشعب الأفغاني في تقرير مصيره ومستقبله». وأضافت أن متمردي طالبان «عبروا مرات عدة عن أملهم في تطوير علاقات طيبة مع الصين».
وأشارت المتحدثة إلى أن السفارة الصينية لدى كابول «تواصل العمل بشكل طبيعي». وكانت الصين قد بدأت أيضا منذ سبتمبر 2019 في محادثات مع طالبان التي زار وفد منها الصين آنذاك. اما لندن فقد اعتبرت صراحة أن عودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان «فشل للمجتمع الدولي». واعتبر وزير الدفاع البريطاني عودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان بأنها «فشل للمجتمع الدولي» معتبراً أنه «ليس الوقت» المناسب للاعتراف رسميا بطالبان كحكومة.
واعتبر الوزير الذي سبق أن انتقد علناً الأسبوع الماضي القرار الأمريكي بالانسحاب من أفغانستان، أن ما حصل «فشل للمجتمع الدولي الذي لم يفهم أن الأمور لا تُحلّ في ليلة وضحاها». لكنّه أكد أن الالتزام البريطاني في أفغانستان الذي كلّف 457 جندياً بريطانياً حياتهم خلال 20 عاماً من التدخل، «لم يذهب سدى».
واليوم تطرح أسئلة عديدة حول مستقبل الوضع في افغانستان في ظل حكم طالبان وكيف ستكون العلاقة مع دول الجوار. في هذا السياق اعتبر المحلل السياسي المختص في العلاقات الدولية قاسم قصير لـ«المغرب» بان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وسيطرة طالبان الجديدة على الحكم يشكل تطورا استراتيجيا كبيرا يحصل في منطقة غرب ووسط آسيا بسبب وعودة حركة طالبان لحكم أفغانستان. . اما عن السيناريوهات المتوقعة يجيب محدثنا :«لا يمكن حاليا تحديد نتائج ما يحصل بانتظار وضوح صورة طالبان الجديدة وهل يتكرر ما حصل قبل عشرين عاما أم أننا سنكون أمام واقع جديد سياسي واستراتيجي وكيف ستكون علاقات طالبان بالقوى الداخلية والخارجية وخصوصا إيران وروسيا وباكستان والصين وتركيا والدول العربية». ويضيف: «وهل ستتحول أفغانستان إلى ساحة صراع جديدة تستهدف الصين وإيران وهل ستكون أمام حلف جديد يضم طالبان وباكستان وتركيا ودول أخرى». قال ان هذه التساؤلات لا يمكن الإجابة عليها حاليا بانتظار وضوح الصورة على الأرض وكيف ستتعامل طالبان مع الأوضاع الداخلية والخارجية . وقال ان الاتصالات والمؤتمرات التي عقدت قبل الانسحاب الأمريكي حول أفغانستان تشير إلى أن هناك مساع دولية وإقليمية لمنع الانفجار لكن من المهم -بحسب قوله- متابعة التطورات من أجل تقييم الصورة بشكل نهائي».
اليوم يعتبر كثيرون بأن الولايات المتحدة قد قدمت أفغانستان لحركة طالبان على طبق من ذهب وذلك بعد مفاوضات استمرت سنوات مع هذه الحركة التي كانت تعتبرها واشنطن حتى الأمس القريب حركة إرهابية وأصولية واليوم تتحاور معها من أجل ما تسميه بـ «السلام» ، ولعل في ذلك دروس ودلالات كبيرة تعكس تغير السياسات الأمريكية في المنطقة وتغير حلفائها ، وبان لغة المصالح البراغماتية هي التي تصنع السياسات الأمريكية حول العالم بكل انعكاساتها وتأثيراتها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115