وزير العدل الفرنسي أمام القضاء: بين استقلالية القضاء والتجاذبات السياسية

تمت مؤخرا إحالة إيريك-دوبون موريتي وزير العدل وصاحب الطابع الفرنسي أمام محكمة العدل الجمهورية المختصة في مقاضاة أعضاء الحكومة.

وكان قاضي التحقيق التابع للمحكمة المذكورة قد فتح تحقيقات في بداية السنة للتثبت في بعض القرارات الوزارية المتعلقة بصفته كمحام سابق والتي اشتبه في كونها تخدم مصالح إيريك-دوبون موريتي ضد بعض القضاة. وهي أول مرة يحال فيها وزير عدل تابع إلى السلطة التنفيذية على القضاء.
وعرف الوزير الفرنسي كمحام شرس ينتقد قرارات ونسق عمل المحاكم الفرنسية ولا يتأخر في فضح ما يعتبره «تجاوزا» أو «ضيما» لحقوق منوبيه عندما كان في أروقة المحاكم أو أمام عدسات الكاميرات. وبعد 35 سنة من المرافعات نجح في 150 قضية في الحصول على قرارات قضائية بعدم سماع الدعوة مما جعل منه أحد الوجوه الشهيرة والمحبوبة لدى شرائح واسعة من الرأي العام.وبلغ به الأمر أن طلع على ركح المسارح الفرنسية لتقديم مسرحية كتبها مع المسرحي أدريان راكاهو قدم فيها وجهة نظره حول نجاحاته و اخفاقاته والمحاكمات التاريخية التي شارك فيها و الجدل الذي دار حول شخصه.
والتحق موريتي بحكومة جون كاستاكس وفي حقيبته مشروع «إصلاح» المنظومة القضائية وقد وجد أمامه منتقدين ومعارضين في مختلف هياكل القضاء الفرنسي. ولئن كان يرغب في تغيير المشهد القضائي وتعصيره لمواكبة الأزمنة الجديدة فإن مقاضاته قد تدخل في التجاذبات العادية بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية في كل محاولة لتغيير هياكل وطرق عمل القضاة. ولكن إحالة وزير العدل على المحاكمة خلف تململا في الطبقة السياسية وتخوفا من تغول القضاء المستقل الذي تطغى علية، حسب بعض المحللين، النقابات اليسارية التي أصبحت أكثر راديكالية في تمسكها باستقلالية القرار القضائي وتحركاته.
استقلالية القضاء والطبقة السياسية
التجاذبات بين السلطتين ليست جديدة. فكان الشغل الشاغل لجل القضاة منذ عقود فرض استقلالية فعلية للقضاء في وجه السلطات الحكومية ومنع أي تدخل في أعماله خاصة تلك التي تحاول فرض الإفلات من العقاب للسياسيين. وكان تحرك «القضاة الحمر»في سبعينيات القرن الماضي، وهم مجموعة من القضاة المحسوبين على اليسار، ضد رجال الأعمال قد فرض فكرة عدم تسييس القضاء ومنحه استقلالية تصاحب عدم انحيازه السياسي.
ونجح القضاء الفرنسي في ولاية الرئيس فرنسوا هولاند في اقتلاع آخر معاقل استقلاله بعد أن تم الفصل بين الحكومة والادعاء العام وأصبحت بموجب ذلك كل أجهزة القضاء مستقلة قانونا عن القرار السياسي. وكان القضاء يشهد صعوبات في بداية الجمهورية الخامسة في فرض استقلاليته في التتبع وبالتحديد في تحقيق مراقبة عدلية على رجال السياسة. لكن السلك القضائي تمكن تدريجيا من فرض وجوده عبر وجوه بارزة مثل القاضي المستقل رينو فان ريومباك أو القاضية إيفا جولي وغيرهما من القضاة الذين فرضوا استقلاليتهم تجاه السياسيين.
وسجل القضاء الفرنسي في السنوات الأخيرة نجاحات عديدة بتتبعه لشخصيات سياسية بارزة أهمها المرشح للرئاسية الأخيرة فرنسوا فيون الذي تم استنطاقه خلال الحملة الانتخابية بتهمة الفساد مما قضى على حظوظه في الفوز. القضية الشهيرة الأخرى تتعلق بالرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي الذي تم فتح تسع قضايا ضده لا زالت قائمة ولو أنه نجح في بعضها من الإفلات من العقوبات المتوقعة. وطالت يد العدالة الرئيس الأسبق جاك شيراك ورؤساء حكومات مثل ألان جوبي وإدوارد بلادير وغيرهم من الوزراء الذين تمت إدانتهم في قضايا فساد.
مستقبل العلاقة
الظروف الحالية، على مشارف حملة انتخابية رئاسية وتشريعية تنطلق في بداية السنة القادمة، تطرح مجددا نوعية العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية. ولم ينس أحد تدخل القضاء خلال الحملة الرئاسية ونتيجتها الواضحة. من ذلك قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتمسك بوزيره للعدل إيريك-دوبون موريتي رغم تقديمه للقضاء. وقد يعزى ذلك لرغبة الرئيس، الذي لم يعلن بعد عن ترشحه، في بعث رسالة واضحة للقضاء في صورة ما إذا أراد حشر نفسه في المعركة السياسية القادمة. وذلك لن يمنع القضاء من مواصلة التحقيق في قضية فساد مالي مع المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان التي فتحت أجهزة القضاء ضدها تحقيقا في تمويل حزبها من قبل روسيا وهي لا تزال تحت طائلة القضاء في خلافها مع المفوضية الأوروبية في مسألة استحواذها على أموال غير مشروعة. سوف تعطي الخطوات القادمة في الملفات المفتوحة أمام القضاء نوعية التمشي في ظروف الانتخابات القادمة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115