وقد قامت القاهرة بعقد اجتماعات مكثفة مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي قبيل جلسة طارئة للمجلس ستبحث قرارا أثيوبيا بملء السد وسط غضب ورفض من القاهرة ومن الخرطوم.
وقد أعلمت أثيوبيا كلا من للقاهرة والخرطوم باستعدادها لبدء الملء الثاني للسد، رغم رفض البلدين ورغم الدعوات الدولية والإقليمية لمزيد التفاوض قبل أن تتعقد الأمور أكثر، في وقت يصف فيه خبراء المشهد بالحرب المائية التي ستقود هذه الدول إلى مواجهة حادة ستكون نتائجها وخيمة.
وسيعقد اليوم الخميس، مجلس الأمن جلسة دعت إلى عقدها كل من مصر والسودان، وهي الجلسة الثانية من نوعها بعد جلسة عُقدت قبل عام، وانتهت بحثّ أطراف الأزمة على الحوار، تحت قيادة الاتحاد الإفريقي.
وأفادت الخارجية المصرية، في بيان لها بأنه «في إطار التحضيرات المُكثفة لجلسة الخميس، التقى وزير الخارجية سامح شكري، في نيويورك بالمندوبين الدائمين لروسيا والصين لدى الأمم المتحدة».
وأضافت أن «شكري شدَّد في هذا الإطار على ضرورة اضطلاع مجلس الأمن بمسؤولياته للدفع قُدمًا نحو التوصل إلى الاتفاق».
وأكد شكري على أهمية أن يكون الاتفاق «عادلا ومتوازنا وملزما قانونا حول ملء وتشغيل السد، ويُراعي مصالح الدول الثلاث ولا يلتف على الحقوق المائية لدولتي المصب (مصر والسودان)».وقالت الوزارة، في بيان ثانٍ، إن شكري «التقي مع مندوبي فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الدائمين بالأمم المتحدة»، وذلك ضمن «تحركات مكثفة لعرض أبعاد الموقف المصري في ملف السد».
كما قدّمت تونس لشركائها الـ14 في مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يدعو أديس أبابا إلى التوقّف عن ملء خزانّ سدّ النهضة، وهو المشروع الكهرمائي الضخم الذي تبنيه أثيوبيا على نهر النيل الأزرق والذي يثير نزاعاً بينها وبين دولتي المصبّ مصر والسودان، بحسب ما أفادت مصادر دبلوماسية.
وينصّ مشروع القرار وفق وكالة «فرانس براس» على أنّ مجلس الأمن يطلب من كلّ من «مصر وإثيوبيا والسودان استئناف مفاوضاتهم بناء على طلب كلّ من رئيس الاتّحاد الأفريقي والأمين العام للأمم المتّحدة، لكي يتوصّلوا، في غضون ستّة أشهر، إلى نصّ اتفاقية ملزمة لملء السدّ وإدارته».
ووفقاً لمشروع القرار فإنّ هذه الاتفاقية الملزمة يجب أن «تضمن قدرة إثيوبيا على إنتاج الطاقة الكهرمائية من سدّ النهضة وفي الوقت نفسه تحول دون إلحاق أضرار كبيرة بالأمن المائي لدولتي المصبّ».
مخاوف من التصعيد
يشار إلى أن الخلافات المستمرة كانت السمة البارزة في ملفّ سدّ النهضة الذي استمر في حصد المزيد من الاهتمام الدولي والإقليمي وزاد من تعميق الفجوة بين أطراف الأزمة المستمرة منذ سنوات .ورغم الجهود المبذولة محليا وإقليميا وبوساطة خارجية ساد الانقسام والخلاف مختلف جلسات التفاوض التي تم عقدها بين كل من مصر وأثيوبيا والسودان وكان آخرها في الإجتماع المنعقد بـ«كينشاسا» برعاية الكونغو الديمقراطية في افريل المنقضي.
وكانت مفاوضات كينشاسا التي تتوسط فيه جمهورية الكونغو الديمقراطية بشأن سدّ النهضة، شهدت خلافات و«شدا وجذبا» بين مصر وإثيوبيا حول آليات التفاوض قبل الملء الثاني للسد.
ومنذ العام 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتّفاق حول ملء سدّ النهضة الذي تبنيه أديس أبابا وتخشى القاهرة والخرطوم من آثاره عليهما. وقد أخفقت هذه الأطراف في التوصل إلى حل يرضي كافة الأطراف المعنية رغم الدعوات الدولية ومحاولات الوساطة الخارجية لكن دون جدوى .
ونهر النيل، أطول أنهار العالم وهو شريان حياة يوفر الماء والكهرباء للدول العشر التي يعبرها. وتقول دول المنبع إن الطاقة الكهرومائية التي ينتجها سد النهضة ستكون حيوية لتلبية احتياجات الطاقة لسكانها البالغ عددهم 110 ملايين نسمة. ووفق تقارير ترى دولة المصب مصر، التي تعتمد على النيل لتوفير نحو 97 بالمائة من مياه الري والشرب، في السد تهديدا لوجودها ولأمنها القومي.
أسباب الخلاف
وقد تزايدت مخاوف الجانبين المصري والسوداني من تداعيات أزمة السد على حصتيهما من المياه، لاسيما مع اعلان السلطات عن بدء إثيوبيا في الملء الثاني للسد ، وسط دعوات لوساطة دولية تضم إلى جانب الاتحاد الإفريقي كلا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بهدف إنجاح المسار التفاوضي . وينص هذا المقترح على أن تلعب الأطراف الأربعة دور الوساطة وتسهيل المفاوضات لا المراقبة فقط. ولاقى الاقتراح تأييدا من الجانبين المصري والسوداني إلاّ أن اثيوبيا نفت علمها بالاتفاق رافضة المقترح داعية إلى التمسك بالوساطة الإفريقية دون إشراك أي طرف آخر.
يشار إلى أنّ أزمة سد النهضة زادت حدتها في السنوات الأخيرة نظرا للأهمية البالغة التي يمثلها هذا السد باعتباره شريان الأمن الغذائي والاقتصادي لمصر إذ تعتبره القاهرة ضمن أمنها القومي الداخلي. ولئن سبقت محادثات «كينشاسا» المتعثرة مفاوضات أخرى إلاّ أن تجاوز الخلافات بين كل من مصر وأثيوبيا يبدو أمرا بعيد المنال في الوقت الراهن رغم محاولات الوساطة الخارجية . ذلك ان المحادثات التي أشرف عليها الاتحاد الإفريقي لم تُؤت ثمارها بشأن تقاسم مياه السد بين الدول المحيطة به .
ومن بين أهمّ أسباب الخلاف وفق مراقبين محاولات دفع الجانبين المصري والسوداني لقبول الجانب الإثيوبي بوساطة تشمل كلا من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي بالإضافة إلى الأمم المتحدة وهو ما ترفضه أثيوبيا المتمسكة فقط بالوساطة الإفريقية.
وتأمل كل الأطراف في التوصل إلى اتفاق لأزمة سد النهضة المستمرة منذ سنوات طويلة ، في وقت تتصاعد المخاوف بشأن إمكانية تفجر حرب جديدة في القارة السمراء ستسببها هذه المرة المياه وما يحمله ذلك من تداعيات وخيمة على أمن واستقرار المنطقة بأكملها.