لبنان: قرارات جادة لتفادي الانهيار الاقتصادي واشتراطات فرنسية أمريكية لتقديم الدعم

يقبع لبنان هذه الفترة بين سندان انهيار اقتصادي خطير ومطرقة عجز سياسي أخطر بعد فشل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري

في تشكيل حكومة ترضي كافة الفرقاء اللبنانيين نتيجة خلافات عميقة ستكون تبعاتها وخيمة على بلاد الأرز.
دفع الوضع الاقتصادي المنهار في لبنان رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال في لبنان، حسان دياب، الى الموافقة على مقترح وزير المالية، لتمويل واردات الوقود بسعر صرف 3900 ليرة للدولار بدلا من سعر الصرف الرسمي البالغ 1500 ليرة. جاء ذلك في بيان نشرته رئاسة مجلس الوزراء، عقب اجتماع ضم رئيس البلاد ميشال عون، ووزيري المال والطاقة غازي وزني وريمون غجر، خصص لعرض وضع المحروقات في البلاد وانعكاساته.
وقال البيان، إن رئيس الحكومة «أعطى الموافقة الاستثنائية على اقتراح وزير المالية بما يسمح بتأمين تمويل استيراد المحروقات على أساس تسعيرة 3900 ليرة بدلا من 1500 ليرة للدولار الواحد، استنادا للمادة 91 من قانون النقد والتسليف».
وتمويل واردات الوقود بسعر صرف أقل بكثير من السعر الرسمي يعني تخفيف دعم هذه المادة الاستراتيجية، مما سيؤدي إلى رفع أسعارها للمستهلكين، مقابل تمكين الحكومة من تأمين المحروقات في الأسواق لفترة أطول.
ويعيش لبنان نقصا حادا في المحروقات، وبات اصطفاف مئات السيارات أمام محطات الوقود مشهدا عاديا في الأشهر الأخيرة.
هذا الانكماش الاقتصادي الخطير زادت حدته بعد الانفجار المريع الذي هز مرفأ بيروت في اوت 2020..الا أن بوادر هذا الانكماش الاقتصادي وتردي مستوى العيش وما نجم عنه من غليان شعبي واحتجاجات شعبية متزايدة بدأ منذ اكتوبر 2019 .وأدى بعد انفجار مرفإ بيروت إلى الإطاحة بحكومة حسان دياب وإعادة تكليف سعد الحريري بتشكيل حكومة كفاءات لم تستطع إلى حد اليوم رؤية النور. ويرى مراقبون أن الخلافات بين رئيس الحكومة المكلف ورئاسة الجمهورية ساهمت بدورها في عرقلة تشكيل حكومة جديدة في وقت تستمر فيه حكومة دياب بتسيير دواليب البلاد.
يشار إلى أنه وبعد إنفجار مرفإ بيروت شهد لبنان هبّة دولية ووعودا بالدعم شرط التسريع بتشكيل حكومة وتجاوز الخلافات بين مختلف مكونات المشهد السياسي، إلا أن استمرار العجز وصعوبات تجاوز الانقسام دفعت كلا من باريس وواشنطن للتأكيد عن نيتهما «التحرك معاً للضغط» على المسؤولين عن الأزمة التي يغرق فيها لبنان منذ أشهر.وفرنسا كانت من بين أول الدول التي أعلن وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني في محنته وترجم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ذلك بزيارتان أداهما إلى لبنان عقب انفجار مرفأ بيروت.
وقال وزير خارجية فرنسا لودريان في مؤتمر صحافي مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في باريس «نلاحظ معاً المأساة التي يمكن أن تحصل في حال تفتت هذا البلد أو زواله»، وأضاف «قررنا أن نتحرك معاً للضغط على المسؤولين. نحن أعرف منهم».
وأشار وزير الخارجية الفرنسي إلى أنه وبلينكن لديهما «التقييم نفسه للوضع» بشأن «الانهيار المأسوي لهذا البلد»، منتقداً القادة السياسيين اللبنانيين و»عجزهم عن مواجهة أدنى تحدٍ أو الشروع بأدنى عمل لإنهاض البلد».
ارقام صادمة
ويعيش نصف الشعب اللبناني تحت خطّ الفقر، بحسب الأمم المتحدة. ووفق تقارير يعاني لبنان نقصاً خطيراً في الوقود والأدوية، ولا زال بدون حكومة منذ عشرة أشهر، في ظل غياب التوافق بين الأحزاب التي يتّهمها الشارع اللبناني بترك البلد يغرق أكثر في الأزمة. وفرضت فرنسا مؤخراً قيوداً على الدخول إلى أراضيها على قادة لبنانيين تعتبرهم مسؤولين عن الأزمة دون الكشف عن أسمائهم.
وأثار تكليف الرئيس اللبناني، ميشال عون يوم زعيم تيار المستقبل سعد الحريري مجددا بتشكيل الحكومة ،ردود أفعال متباينة في الداخل اللبناني وعلى المستوى الإقليمي والدولي خاصة وأن الحريري استقال إثر ثورة شعبية دعت للإطاحة به وبفريقه الحكومي نتيجة الوضع الإقتصادي والإجتماعي المتردي الذي مرت به البلاد منذ سنوات طويلة .
عجز و مخاوف
وجاء تكليف الحريري من جديد بتشكيل الحكومة الجديدة في اكتوبر 2020 بعد عام من استقالته رضوخا لمطالب المتظاهرين ضد الفساد والمحسوبية وتصاعد حدة الاضطرابات الشعبية آنذاك مع العلم أن هذه هي المرة الرابعة التي يرأس فيها الحريري الحكومة اللبنانية الأولى كانت في عام 2009، ثم الثانية في عام 2016، قبل أن تنهار حكومته الثالثة التي تشكلت في عام 2018 على وقع احتجاجات شعبية في محاولة لإمتصاص الغضب الشعبي ليتم بعد أشهر تكليف حسان دياب بتشكيل حكومة جديدة لم تصمد بدورها أمام صعوبة المشهد اللبناني ونقمة الشارع على الطبقة السياسية. وشكّل حسان دياب حكومته في 11 فيفري الماضي، بعد استقالة حكومة سعد الحريري اثر احتجاجات شعبية في 29 أكتوبر 2019. ويعيش لبنان تراكمات جدية على كافة الأصعدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا كما زادت في عزلته الداخلية وأثرت على المستوى المعيشي الداخلي، كما جعلت -وفق مراقبين- شبح الإفلاس يتهدّد بلد الأرز ويحيط به نتيجة الوضع المالي المتدهور وانهيار الليرة اللبنانية وصعوبة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بهدف الحصول على دعم مادي ينقذ البلاد من خطر الإفلاس.
لكنّ حكومة دياب لم تصمد بدورها بعد الإنفجار المريع الذي هز مرفأ بيروت في سبتمبر المنقضي والانتقادات الحادة التي واجهتها الحكومة التي أعلنت بعد ساعات قليلة من الإنفجار عن استقالتها ليعود لبنان إلى مربع الفراغ من جديد. وقد أدى الوضع الجاد والخطير في لبنان إلى استنفار داخلي وخارجي كبير وسط دعوات قادتها فرنسا لإنقاذ بلد الأرز من النفق المظلم الذي يتهدده . وعقب استقالة حكومة دياب تم تكليف مصطفى أديب السفير السابق في ألمانيا بتشكيل حكومة وذلك بعد أن أطاح انفجار مرفإ بيروت المريع، في سبتمبر المنقضي بسلفه حسان دياب.
وتعود إلى الواجهة مخاوف من عودة التشنج الشعبي الذي قد ترافقه احتجاجات اجتماعية غاضبة ستزيد من تفجر المشهد الداخلي خاصة مع استمرار المطالب بضرورة إرساء حكومة تلبي احتياجات الشعب دون خلفيات طائفية ولا دينية وهو ما يعتبر صعبا في ظل طبيعة التعدد السياسي الغالب في لبنان من مختلف الطوائف والديانات وفي ظل واقع إقليمي تحكمه الاستقطابات السياسية الحادة ما يجعل بقاء لبنان محايدا أمرا صعب الحدوث.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115