ليس استثناء وإن تغولت آلة القتل والعدوان والإحلال. وما يحدث في شوارع القدس منذ أسابيع هو التأكيد الأبرز لهذه الحقيقة الثابتة فالقدس في الوجدان الفلسطيني تمثل حقيقة وجوهر الارتباط بهذه الأرض.
وإذا ما عدنا الى الذاكرة الطويلة المدى نجد أنّ أول انتفاضة حقيقية قام بها الشعب العربي الفلسطيني كانت ضد الاستعمار البريطاني وهجوم الحركة الصهيونية آنذاك في ثورة البراق والتي كان السبب الأساسي لها رغبة الجماعات اليهودية المتصهينة في توسيع رقعة سيطرتها على ساحات حائط البراق مما أدى إلى نهضة حقيقية أدت الى تأطير الفعل السياسي والنضالي الفلسطيني بعد ذلك مما أنتج ثورة العام 1936 وهي ثورة الشعب الفلسطيني الكبرى.
فيما بعد أدى قيام أحد المتطرفين اليهود في العام 1969 بحرق المسجد الأقصى الى استفاقة الأمتين العربية والإسلامية مما ادى الى تأسيس منظمة التعاون الإسلامي التي كان الهدف الأساسي من قيامها نصرة القدس وأهلها والدفاع عنهم في وجه حملة التهويد التي انتهجتها «إسرائيل» منذ احتلالها للقدس، ولم يتوقف نضال الشعب الفلسطيني لعقود حتى عندما ارتكبت مجزرة المسجد الأقصى في العام 1990 على يد أحد المتطرفين اليهود حيث قام بقتل وإصابة عشرات المصلين داخل المسجد الأقصى، هذا الفعل الذي أثار الشعوب العربية والإسلامية وأنجز انتفاضة الشعب الفلسطيني الكبرى. وما هي إلا عدة سنوات حتى انتفض الشعب الفلسطيني إثر قيام «إسرائيل» بفتح نفق تحت المسجد الأقصى ولم تمض سوى سنتان حتى كانت انتفاضة الأقصى العارمة والتي جاءت كردة فعل على اقتحام أرئيل شارون للمسجد الأقصى مما أدى الى أن تعود قضية القدس للصدارة، فأصبحت هذه الانتفاضة علامة فارقة في مسيرة وتاريخ الشعب الفلسطيني وعندما انفض المجموع العالمي والعربي عن القضية الفلسطينية ولم يبق إلا القليل من الداعمين لحق الشعب الفلسطيني، وقف الشعب الفلسطيني وأهل القدس في ساحة الميدان وحدهم مدافعين عن حقهم في الصلاة بحرية دون بوابات إلكترونية وكان لهم ما أرادوا وأزيلت هذه البوابات وانتصروا مرة أخرى.
واليوم يعيد الشعب العربي الفلسطيني وأهالي القدس الكرة مرة أخرى ويقولون للاحتلال لا، وكأن التاريخ فعلا يعيد نفسه فالقدس هي شيفرة الارتباط السري للفلسطينيين بأرضهم، وما يحدث في القدس هو التعبير الأوضح لهذه العلاقة الاستثنائية التي يجب على الاحتلال الإسرائيلي إدراك طبيعتها وعدم المراهنة على أن هذا الشعب يمكن أن يتخلى عن أقدس مقدساته وسر وجوده على هذه الأرض.