تركيا وإعادة النظرة في الرهانات السياسية والعسكرية الخاطئة

تتواصل المباحثات السورية للتوصل إلى تسوية نهائية للصراع المتواصل منذ عشر سنوات ، وفي هذا السياق تمّ الاتفاق على فتح

المعابر بين عدد من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري وتلك الخاضعة للمعارضة المدعومة من الجانب التركي .وتتم هذه المباحثات برعاية روسية وسط تساؤلات عن إمكانية إيجاد حل جذري أو صفقة ما ترضي الأطراف المتصارعة داخليا وخارجيا .
ورغم نفي مسؤولين أتراك لتقارير تفيد بأن تركيا وافقت هذا الأسبوع على فتح ثلاثة معابر في شمال غرب سوريا بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وتلك التي تسيطر عليها المعارضة، إلا أنّ وكالات أنباء روسية قد أكدت أن الجيش الروسي اتفق مع تركيا على فتح معبرين في منطقة إدلب في شمال غرب سوريا ومعبر ثالث في حلب لتخفيف الصعوبات الإنسانية.
تغيير في الدور التركي ؟
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هل تؤشر كل هذه التفاهمات الى تغيير في الاستراتيجية التركية في المشهد السوري ؟
فطوال سنوات الحرب على سوريا، شنت تركيا عمليات عسكرية داخل أراضي الدولة السورية فكانت الأولى «درع الفرات» في عام 2016 ، فعملية «غصن الزيتون» في 2018 التي هدفت إلى إنهاء وجود القوات الكردية في مناطق الحدود بين البلدين التي انتهت باحتلال تركيا لعدد من المدن والقرى في الشمال السوري، ثم عملية «درع الربيع» في 2020 التي هدفت لوقف تقدم الجيش السوري في محافظة إدلب وانتهت نهاية فاشلة وقبل الرئيس أردوغان الشروط الروسية لوقف القتال هناك.
ويؤكد الباحث المختص في الشؤون الروسية خيام الزعبي بأنه في عام 2011 انهارت الإستراتيجية وتراجعت الثقة في الأدوار والسياسات الإقليمية التركية مع تدهور علاقاتها مع سوريا، وسرعان ما فتحت أنقرة أبوابها لفصائل المعارضة السورية لممارسة أنشطتها وتنظيم اجتماعاتها ووفرت لها الدعم السياسي والإعلامي. وتصاعد التأييد التركي ليمتد إلى التزويد بالسلاح والخدمات اللوجستية وتوفير الممر الآمن عبر الحدود للانتقال إلى داخل سوريا والخروج منها، وامتد الأمر إلى دعم التنظيمات المتطرفة الإرهابية كـ«جبهة النصرة» و«داعش» وأدواتها، وصولاً إلى انتهاك سيادة الدولة السورية بشكل صريح وغزو الجيش التركي أراضيها أكثر من مرة، وبذلك بدأت أنقرة تفقد حلفاءها الإقليميين والدوليين رويداً رويداً.
أزمات داخلية وعزلة إقليمية
ويضيف بالقول :«هذه هي سياسة الأمن القومي التركي في سوريا وهي سياسة توسعية مخالفة للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة، في هذا السياق يقود الرئيس أردوغان وحكومته تركيا الى كارثة كبيرة، فتركيا التي كانت تنهض بسرعة كبيرة في الداخل والخارج تبدو اليوم أمام أزمات داخلية وعلاقات سلبية مع دول الجوار الجغرافي، وفي العمق تشعر تركيا بخيبة أمل لما آلت إليها سياستها الخارجية ولاسيما تجاه قضايا الشرق الأوسط». ويتابع محدثنا :» لقد فشلت سياسة عدم خلق خلافات مع دول الجوار وأصبحت تعاني عزلة إقليمية التي أفضت إلى خلافات عميقة بين أنقرة ومحيطها، توترات وخلافات مع العراق ومصر وليبيا وأرمينيا وروسيا وإيران، وبذلك نجحت حكومة أردوغان في إبعاد تركيا عن جيرانها الأكثر أهمية، وإلحاق الضرر بالإقتصاد التركي، وزعزعة استقرار حدود البلاد، مما أدى إلى ارتفاع مستوى البطالة وتزايد حدة التضخم، كل ذلك ساهم في تراجع شعبية حزب العدالة، واليوم يقف أردوغان عاجزاً أمام إنخفاض نسبة النمو الإقتصادي في تركيا».
ويعتبر محدثنا بان أردوغان يعيش اليوم في حالة من القلق والارتباك في مواقفه لفشل مشروعه في سوريا بعد أكثر من عشر سنوات من التدخل في الأزمة السورية، واتساع دائرة المعارضة داخل تركيا لهذا التدخل. لذلك تجد تركيا نفسها أمام مأزق حقيقي، فالمنطقة العازلة في شمال سوريا أصبحت فِكرة غير قابلة للتحقيق في ظل معارضة كل من روسيا وإيران وسوريا والأكراد وعدم حماسة الغرب لهذه المنطقة، كذلك حدوث أزمات أمنية فيها، من تفجيرات واغتيالات، جميع هذه الأحداث دلالة واضحة وشاهد فعلي على تأزم الأوضاع في أنقرة.
وعما اذا كان هناك تغير في الدور التركي تجاه الأزمة السورية يجيب بالقول:«إن الدور السلبي لأردوغان في سوريا، لم ولن يكون في صالح تركيا، فمن الخطأ تصور أن بإمكان تركيا أن تنعم بالأمن والاستقرار، فيما ألسنة النيران تشتعل في سوريا، فالتجربة أثبتت أن الأمن القومي لأي بلد من بلدان المنطقة يرتبط إرتباطاً عضوياً مع أمن الإقليم ، فإذا لم تنهي تركيا تحالفها المصلحي مع القوى المتطرفة والجماعات المسلحة ، فإن نيرانها سيشعل أنقرة في المرحلة القريبة».
وقال الزعبي بانه لا مناص من «استراتيجية خروج»، بعد أن طال أمد الحرب، وهو الثمن الذي ستدفعه تركيا نتيجة أخطائها في سوريا وسعيها الفاشل لإسقاطها. وإنطلاقاً من كل ذلك، يجب على تركيا إعادة النظر في الرهانات السياسية والعسكرية الخاطئة قبل فوات الأوان. فبعد كل ما جرى في المنطقة من تطورات عاصفة، ستكون الفترة القادمة حبلى بمفاجآت سياسية وتدخلات كبيرة وستظهر تحالفات جديدة وموازين قوى أخرى تفرض نوعاً جديداً من العملية السياسية قد لا يحسب البعض لها حساباً.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115