تحركات دبلوماسية ومتغيرات كبرى في عديد الملفات برعاية روسية: هل ستعطي التسوية الليبية دفعا للحل السياسي في سوريا ؟

تؤشر عديد التصريحات الصادرة خلال اليومين الماضيين عن عدد من صنّاع القرار والمؤثرين في الأزمة السورية بان الملف السوري

مقبل على تغيرات هامة ، يبدو أنها جزء لا يتجزأ من المتغيرات الشاملة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي بشكل عام .
وقد أكدت السعودية وروسيا، على أهمية التوصل إلى حل سياسي ينهي النزاع القائم في سوريا منذ عام 2011. وذلك خلال مؤتمر صحفي في الرياض لوزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، ونظيره الروسي سيرغي لافروف. فيما قال لافروف إن «روسيا مهتمة بوحدة سوريا وسلامة أراضيها وحق السوريين في تقرير مستقبلهم بشكل مستقل، على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 ونتائج مؤتمر الحوار الوطني السوري.»
وبالتزامن مع ذلك عقد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، لقاء مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، في العاصمة القطرية الدوحة، وكان الملف السوري محورا هاما من المحادثات، اضافة الى الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية كل من تركيا وقطر وروسيا .
دور روسي متصاعد
اللافت ان روسيا تعلب دورا مؤثرا على أكثر من صعيد من أجل فتح صفحة جديدة في الملف السوري الشائك وتفعيل مباحثات التسوية . ويبدو ان أي تسوية للنزاع او أية صفقة روسية -تركية في هذا السياق ستكون شاملة وستتضمن كذلك تفاهمات في ما يتعلق بملف إقليم «قره باغ» وليبيا .
ويرى البعض انه بعد عشر سنوات من الحروب الأليمة في المنطقة بدء بسوريا مرورا بليبيا واليمن وغيرها ، فان أي انفراجة في احدى هذه الملفات ستكون لها انعكاسات كبيرة وستحدث خرقا في باقي الملفات العالقة .
ويبدو أن الدول التي تبحث عن صفقات اعادة الإعمار في ليبيا بعد المصادقة على الحكومة الجديدة برئاسة الدبيبة ، مستعدة لتقديم التنازلات او التسريع في حدوث تسويات مماثلة في باقي الملفات مقابل الحصول على مكاسب أكثر اقليميا . وتبدو روسيا -وهي التي دعمت صمود النظام السوري طيلة السنوات الماضية- عرابة هذه التسويات والصفقات ، ويتجلى ذلك من خلال تسارع وتيرة اللقاءات التي عقدها مؤخرا وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف .
تسوية شاملة؟
حصل تغير كبير في تصريحات المسؤولين في كل من الرياض وانقرة لا فقط تجاه النظام السوري بل كذلك تجاه القاهرة . وينعكس ذلك في تصريح المتحدث باسم حزب العدالة والتنمة التركي الحاكم ، وقوله إن «هناك أواصر قوية للغاية مع الدولة المصرية وشعبها». واضاف :«دون شراكتنا التاريخية لا يمكن كتابة تاريخ المنطقة، ولا تاريخ أفريقيا أو الشرق الأوسط أو البحر المتوسط».
وأشار المتحدث باسم حزب الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أن هناك وضعًا جديدا في البحر المتوسط، مضيفا: «في ما يتعلق بقضية الغاز، فبعد أن ظهرت الأزمة السورية استقرت السفن الحربية لجميع دول العالم في المتوسط، وزاد الأمر أكثر بعدما ظهرت قضية ليبيا».
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي السوري زيد سفوك «المغرب» بأن الدبلوماسية لها خصوصيتها الثابتة لذلك سواء السعودية او تركيا او اية دولة اخرى من واجبها ان تصرح انها مع الحل السياسي في سوريا ، لكن الوقائع على الأرض والصراع المعقد خارج عن اطار ما تطلبه الدبلوماسية. ويضيف بالقول :«روسيا ترسل رسائل دوما الى دول المنطقة مفادها ان سوريا قابلة للتسوية وفق ما تراه موسكو لا واشنطن، ولتتوضح الأمور اكثر طالما ان الجميع تحت سقف جنيف والأخيرة حددت قراراتها واصدرت الانسب وفق القوانين الدولية فلماذا لم تتوقف الحرب». ويتابع :«واضح ان هناك صراعا في سوريا لكنه ليس سورياً، بل هو صراع مصالح وأجندات دول مثل ايران وتركيا وروسيا وواشنطن هي التي تتحكم بالقرار ، وبنظرة واضحة لأسماء الدول الاربع من المستحيل ان تجمعهم ورقة مكتوبة عليها الحل السياسي».
استراتيجيات جديدة
أما عن الدعوة لإعادة سوريا للجامعة العربية يضيف محدثنا :«هذا الأمر ليس بطرح جديد ، بل أنه طرح منذ أعوام وهذه المناشدات تطالبها عدة دول لكن بشرط ان يكون هناك توافق بين النظام والمعارضة . والأخيران ليسَا أصحاب قرار ليكون هناك توافق، فالحل الدولي أبعد مما يتصوره البعض مع الأسف ، وهناك حل وحيد لا مجال لغيره ، وهو العمل داخل سوريا لربط المجتمعات السورية ببعضها البعض وفق أساس الحوار والمصالحة واحترام التعددية المبنية على احترام حقوق الانسان ونبذ خطاب الكراهية والعنف ، حينها يتماسك الشعب ويضمد جراحه يدا بيد للبناء والتنمية وانهاء الحرب وارغام القوى العظمى على قبول المصالحة الوطنية الشاملة التي تضمن حقوق القوميات والأقليات والأديان وتكون المحبة اساس الالتقاء .»
من الواضح اليوم ان المصالح السياسية والاقتصادية والمتغيرات الحاصة اقليميا تقتضي تغيرا في الخطاب الصدامي الذي كان معمولا به بين المحاور المتصارعة في المنطقة ، وان التحدث باسم الديمقراطية وحقوق الانسان ليست سوى مطية لتحقيق مآرب وأحلام المتصارعين على ثروات المنطقة واقتسام النفوذ فيها .
فاليوم انقرة تمد يدها للنظام المصري وهي على استعداد كذلك لمد اليد لدمشق برعاية روسية ، وتصطف الى جانبها القوى الإقليمية الأخرى في مرحلة جديدة عنوانها المصالحات الاقليمية والبحث عن شراكات جديدة أوسع واشمل وبعيدا عن منطق الحروب .
ومهما كانت مآلات هذه المبادرات والتحركات الدبلوماسية وأهدافها، فالأكيد ان الرابح الأكبر من ايقاف عجلة الحرب ومن وقف تأجيج نيران الصراعات المشتعلة في اكثر من بلد هي شعوب المنطقة التي عانت الأمرّين والويلات ووجدت نفسها في محرقة كبرى لا ناقة لها فيها ولا جمل . ففي سوريا وحدها قًتل وأصيب 12 ألف طفل في سوريا، منذ اندلاع الحرب هناك، قبل 10 أعوام. وذلك بحسب آخر تقرير صدر عن اليونيسيف في حين ان 5 آلاف و700 طفل تمّ تجنيدهم في النزاعات المتواصلة داخل سوريا، بينهم من لم يبلغوا سن الـ 7 بعد.
فالأمل الوحيد اليوم هو ان يجني هؤلاء الأطفال ثمار الاستراتيجيات الجديدة وان يتوقف نزيف الدماء بأي ثمن كان، فأطفال سوريا وشبابها يستحقون واقعا ومستقبلا أفضل .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115