بعودة خلايا التنظيم الإرهابي النائمة الى سالف نشاطها. ويحاول هذا البلد الذي تمكن قبل سنوات من اعلان النصر على داعش الارهابي بعد أن استعاد كامل أراضيه- والتي كانت تقدر بنحو ثلث مساحة البلاد- بأن يواصل ما بدأ به وان ينفض عنه بقايا هذا الإرهاب الأسود والذي أغرق المنطقة طيلة السنوات الماضية في بحور من الدم بسبب عملياته الجبانة. اذ لا زالت عديد الخلايا النائمة تنشط تارة وتهدأ تارة أخرى حسب ما تقتضيه أجندات الإرهاب ومن يقف وراءها .
في هذا السياق جاء اعلان خلية الإعلام الأمني في قيادة العمليات المشتركة بالعراق امس عن انطلاق عملية أمنية جديدة لملاحقة فلول داعش غربي البلاد. وذلك تحت مسمى « أسود الجزيرة» ، وذلك في اطار استكمال الحرب الكبرى التي يخوضها الجيش العراقي ضد الإرهاب . وأوضحت الخلية في بيان لها أن عملية «أسود الجزيرة انطلقت بمرحلتها الأولى لتفتيش مناطق الجزيرة غربي العراق بمشاركة قيادات عمليات الجزيرة وصلاح الدين وغربي نينوى بتسعة محاور رئيسية، وبإسناد من قبل القوة الجوية وطيران الجيش للبحث عن العناصر الإرهابية في المناطق الصحراوية وتدمير أوكارهم». وقد حقق الجيش العراقي انتصارات كبرى على هذا التنظيم الإرهابي واسقط مؤخرا عددا من قياداته بينهم والي العراق في داعش، وذلك جنوبي محافظة كركوك. ولكن السؤال الذي ظل يؤرق مضاجع العراقيين هو هل ستنتهي معضلة الإرهاب في العراق وفي المنطقة ؟
بين الأمني والسياسي
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي العراقي قاسم آل جابر في حديثه لـ«المغرب» ان الوضع في العراق لازال يدعو إلى القلق والخوف لدى الكثير من العراقيين بسبب الوضع السياسي والامني والاقتصادي وعدم اقرار الموازنة، وارتفاع أسعار الدولار الأمريكي أمام الدينار العراقي وانتشار فيروس كورونا والعمليات الارهابية الاخيرة . مبينا بأنه بسبب عدم وجود رؤيا وملامح واضحة للوضع السياسي والأمني الذي يرتبط جذريا بتحولات السياسة الخارجية، تنشط بين فترة وأخرى خلايا عصابات داعش في غرب الانبار واطراف بغداد، للقيام بعمليات ارهابية داخل بغداد وخارجها، محاولة في ذلك زيادة ارباك الوضع السياسي والأمني وخلط الاوراق وآخرها العملية الارهابية الدموية في ساحة الطيران التي راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، مما زاد من الضغط على المستشفيات الحكومية التي تعاني اصلا بسبب زياده حالات الاصابة بفيروس كورونا .ويضيف محدثنا: «وردا على العمليات الارهابية الاخيرة باشرت قياده قوات جهاز مكافحة الإرهاب وقياده القوة الجوية وطيران الجيش بتنفيذ عمليات استباقية لضرب اوكار داعش في الجزيرة غرب الانبار.
والتي تكبد فيها الارهابيون خسائر كبيرة جدا. وتمّ خلال العملية قتل واعتقال العشرات من داعش الارهابية وتدمير عدة اوكار في الجزيرة والبادية وصولا إلى الحدود العراقية السورية ولا زالت العملية مستمرة حتى تحقيق أهدافها المنشودة».
تحديات سياسية
وتأتي هذه التطورات في خضم تحديات سياسية تعاني منها البلاد وأزمة سياسية مستفحلة ، وتأمل شرائح عراقية واسعة بان تؤدي الانتخابات البرلمانية المبكرة الى طي صفحة هذه الأزمة والخروج من عنق الزجاجة خاصة في ظل التدخلات الخارجية الأمريكية وغيرها والتي تلقي بثقلها على المشهد السياسي في هذا البلد . وقد صادقت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق، حتى الآن على 27 تحالفا انتخابيا يضم 235 حزبا، للمشاركة بالانتخابات المبكرة والتي من المقرر إجراؤها في 10 أكتوبر 2021.
ولعل التساؤل الأهم هو هل ستنجح هذه الانتخابات المبكرة في نزع فتيل الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة التي شهدتها مناطق عديدة في البلاد وأدت الى الإطاحة بالحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي، والاتيان بحكومة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي .
وعن مدى إمكانية خيار الانتخابات المبكرة من انقاذ الوضع من محنته السياسية فيعتبر آل جابر بأن اجراء اية انتخابات في ظل وضع امني مقعد وتدخلات خارجية يزيد من الشكوك بشأن نزاهتها وشفافيتها ، خاصة ان العراق له تاريخ من التزوير ومن سطوة الميليشيات وسيطرتها على المناخات العامة التي تجرى فيها الاستحقاقات الانتخابية ويضيف بالقول : «الانتخابات في العراق اسم كبير لكذبة كبيرة جدا .. فكيف لمفوضية حزبية تابعة لأحزاب سياسية تتحكم فيها الإرادات الحزبية والطائفية والقومية ان تجري انتخابات نزيهة وشفافة وعادلة حتى لو اشتركت في مراقبتها الأمم المتحدة فستكون كسابقاتها وسيتم تزوريها تحت اي ظرف».
والبديل – حسب محدثنا –لإنقاذ البلاد من محنتها هو ان تكون هناك حكومة وطنية غير خاضعة للتدخلات الخارجية وتعمل من أجل العراق فقط. ولعل ذلك هو مفتاح حل كل الأزمات ليس فقط في العراق بل في المنطقة أيضا .