بايدن يعلن رسميا عن توجهات إدارته القادمة: صفحة جديدة في العلاقات الدولية

مع تسّلم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مهامه رسميا ، بدأت شيئا فشيئا تتضح أهم ملامح سياساته وتوجهاته في أكثر من ملف في المنطقة وفي العالم ،

وسط آمال بأن تكون مواقفه أكثر اتزانا ودبلوماسية وعقلانية من سلفه ترامب الذي خلّف أزمات بالجملة في الداخل والخارج. ويبدو ان بايدن ستكون له سياسات مغايرة في عديد الملفات ، ويتجلى ذلك من خلال القرارات التي اتخذها خلال الأيام الماضية وفور تسلمه لمنصبه رسميا اول امس .
فأول الغيث موقف الولايات المتحدة الجديد تجاه منظمة الصحة العالمية واعلانها الانضمام مجددا للمنظمة. فقد أعربت واشنطن عن شكرها امس لمنظمة الصحة العالمية لدورها القيادي في مكافحة وباء كوفيد-19 ، وهو موقف يعارض تماما نهج دونالد ترامب، واتهاماته التي وجهها للمنظمة بشأن أزمة الكوفيد . كما أعلنت الإدارة الأمريكية بأنها ستفي بالتزاماتها المالية حيال المنظمة .
ترحيب دولي
ولقيت قرارات الرئيس الأمريكي الجديد وتوجهاته التي بدأ بالكشف عنها تباعا، ترحيبا دوليا لا فقط من حلفاء أمريكا المقربين بل كذلك من خصومها التقليديين فهل سيفتح بايدن صفحة جديدة في العلاقات الدولية ؟
أول المرحبين بتوجهات بادين الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي أعلن عن استعداد بلاده للحوار مع الولايات المتحدة، والانخراط في بداية جديدة قائمة على الاحترام والاعتراف المتبادل. وقال في كلمة خلال حفل تكريم ببلاده، إن فنزويلا تمتلك علاقات رائعة مع الشعب الأمريكي.
وأعرب مادورو عن أمله في أن يحالف الحظ الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، لإدارة الأزمات والمشاكل في الولايات المتحدة، مطالبا إياه بأن يكون عادلا تجاه فنزويلا، وعدم مواصلة سياسات سلفه دونالد ترامب.
وأشار إلى أن بلاده عرفت علاقات سياسية سيئة مع ترامب، مبينا أن الأخير انهزم أمام شعب بلاده «المطالب بالسلام».
كما سارعت بكين الى تهنئة بايدن ودعت الى «الوحدة» في العلاقات الثنائية مستحضرة بذلك شعاره الذي رفعه في حفل التنصيب . وقد شهدت العلاقات بين الدولتين تدهورا خطيرا في عهد الإدارة السابقة .
والمفارقة ان ترامب الذي أقرّ حزمة من العقوبات القاسية على أعدائه وخصومه وفي مقدمتهم العملاق الآسيوي ، تلقى فور مغادرته البيت الأبيض ردا قويا من بكين من خلال اعلانها عن فرض عقوبات على 28 مسؤولاً سابقاً في إدارة ترامب، من بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو، والذي سيُمنع من دخول الصين وهونغ كونغ.
بناء ميثاق تأسيسي جديد للعلاقات عبر الأطلسي
مرحلة ترامب التي يطوي العالم اليوم صفحتها بكل ما حملته من آلام ومآس وسياسات اعتباطية ، يودعها أيضا الأوربيون الذين لم يسلموا من انتقادات ترامب وسياساته العشوائية ، ويبدو ان قادة القارة العجوز يضعون آملا كبيرة على الرئيس الأمريكي الجديد .
فقد أعرب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس عن ارتياحه تجاه تغير السلطة في البيت الأبيض بعد مرور الأعوام الأربعة لفترة رئاسة دونالد ترامب، التي تعرضت خلالها العلاقات الألمانية-الأمريكية لأصعب أزمة لفترة ما بعد الحرب. وقال ماس «رأينا خلال الأربعة أعوام الأخيرة، ما تعنيه عبارة ‘أمريكا أولا’: حيث لا تنسيق ولا مشاورات».
وأضاف الوزير الاتحادي: «إنني سعيد بأننا في نهاية ذلك حاليا، لأننا بحاجة للولايات المتحدة من أجل السيطرة على كبرى التحديات والأزمات لهذه الفترة بشكل حقيقي مجددا».
هذا في الوقت الذي دعا فيه رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الرئيس بايدن إلى اجتماع مع قادة الاتحاد الأوروبي بهدف «بناء ميثاق تأسيسي جديد للعلاقات عبر الأطلسي. مبينا بأن أوروبا «لديها صديق من جديد في البيت الأبيض بعد أربع سنوات طولية» من عهد الرئيس دونالد ترامب.
وتابع «هذه الأجندة الجديدة لأوروبا والولايات المتحدة التي نرغب في وضعها على الطاولة هي برنامج طموح، لذلك أرغب في دعوة الرئيس بايدن في أول يوم من ولايته، إلى أوروبا للمشاركة في اجتماع استثنائي للمجلس الأوروبي في بروكسل، اجتماع يمكن أن يُعقد بالتوازي مع قمة حلف الأطلسي».
فالخطوة الأهم التي تحسب لبايدن في أيامه الأولى هي العودة لاتفاق باريس للمناخ وخاصة بعد الوعود التي قطعها بشأن خفض الانبعاثات وتشجيع دول أخرى على الاقتداء بها، ووقف ارتفاع درجات حرارة الأرض بوتيرة كافية لتجنب تغيرات مناخية كارثية. وذلك بعكس سلفه الذي لم يتوان عن الانسحاب من هذه الاتفاقية سنة 2016 بتعلة انها تمثل عبئا على الاقتصاد الأمريكي ومشككا في الوقت نفسه في الأسس العلمية لتغير المناخ .
ومن القرارات الهامة التي وعد بها بايدن وفعلها فوز توليه لمهامه هي رفع حواجز الهجرة التي وضعها ترامب. فقد وقعّ الرئيس البيضاوي الجديد على نحو 6 أوامر تنفيذية للتراجع عن عدة سياسات متشددة تتعلق بالهجرة وضعها الرئيس السابق ترامب. وكانت هذه السياسات الترامبية قد قُوبلت آنذاك بانتقادات واسعة نظرا لما أثارته من نعرات عرقية واثنية نتيجة تبني الخطاب الإقصائي والعنيف تجاه المهاجرين، والتي اعتبرها البعض حملات تحريضية على العنف ضد المهاجرين وتعميم خطاب الكراهية .
وقد شملت الإجراءات التنفيذية، التي وقعها بايدن في مراسم تنصيبه بالبيت الأبيض، الرفع الفوري للحظر المفروض على سفر مواطني 13 دولة، -معظمها دول أفريقية وذات أغلبية مسلمة- إلى الولايات المتحدة ووقف بناء الجدار الحدودي مع المكسيك وإلغاء أمر ترامب الذي يمنع احتساب المهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني في البلاد عند إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية في الكونغرس الأمريكي. وكانت معاداة المهاجرين في قلب أجندات ترامب طوال عهدته الانتخابية .
بايدن والملف النووي الايراني
ولعل الملف الأصعب على رأس أولويات بايدن الملف النووي الايراني ، ويبدو جليا أن للرئيس الجديد توجهات مغايرة، فقد سبق ان تعهد بالعودة الى الاتفاق النووي، وهي رسالة تلقفتها طهران فكان رد روحاني بان«الكرة في ملعب الولايات المتحدة الآن. قائلا :«اذا عادت واشنطن إلى اتفاق إيران النووي لعام 2015، فإننا سنحترم التزاماتنا تماما بموجب الاتفاق». وأوضح روحاني في تصريح عقب تنصيب بادين بأن ما تنتظره طهران من الإدارة الأمريكية الجديدة هي العودة إلى العمل بالتزاماتها وفقا للقانون وأن تزيل خلال السنوات الأربع المقبلة إذا استطاعت ذلك جميع الصفحات السوداء التي خلفتها الإدارة السابقة خلال السنوات الأربع الماضية».
وكان التوتر بين البلدين قد شهد أوجهه في سنة 2018 بعيد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية الست والذي كان يهدف إلى الحد من برنامج طهران النووي ومنعها من صنع أسلحة ذرية. كما أعادت واشنطن فرض العقوبات التي ألحقت ضررا كبيرا بالاقتصاد الإيراني. وقد تواصلت العقوبات في خضم جائحة كورونا بوتيرة كبيرة ولم تستثن حتى القطاع الطبي وذلك دون أدنى اعتبار لأي قيم انسانية في هذا الظرف الطارئ والذي يواجه فيه العالم أشرس جائحة عالمية.
وفي مقابل كل هذه التطمينات وارتفاع مستوى التفاؤل لدى قادة العالم وعديد الدول بشأن عهد بايدن وما سيحمله معه في عديد الأزمات ، ولكن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية يبدو ان لا شيء سيتغير في هذا الصدد باعتبار وجود ثوابت تقوم عليها الدبلوماسية الأمريكية ولا تتغير بتغير الرؤساء . وتقوم أساسا على حماية مصالح اسرائيل القومية وأمنها في المنطقة وهذا تجلى من خلال موقف وزير الخارجية الأمريكي الجديد انطوني الذي قال صراحة بان الرئيس المنتخب جو بايدن لن يعود عن قرار إدارة دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل لكنه يرى أنّ التسوية الوحيدة القابلة للاستمرار في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هي «حلّ الدولتين». وهذا ما يضع تحديات جديدة أمام الفلسطينيين في كيفية التعامل مع الادارة الجديدة وفق ما يضمن حقوقهم التاريخية والدفاع عنها رغم كل الصعوبات والضغوطات الصهيونية ورغم ارتفاع وتيرة التطبيع في أواخر عهد ترامب .
وفي المقابل ، يوجد قلق «اسرائيلي» ترجمته صحف الاحتلال إزاء سياسات بايدن القادمة في الشرق الأوسط، خاصة تجاه الملف الإيراني. اذ أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن الإدارة الأمريكية الجديدة، ستختلف عن سابقتها، خاصة في ما يتعلق بالملفين الإيراني والفلسطيني- الإسرائيلي.
وأكدت صحف إسرائيلية بان هناك مخاوف إسرائيلية تجاه الإدارة الجديدة يحاول بايدن تهدئتها وذلك بعد أربع سنوات من حكم ترامب الذي جلب الكثير من الهدايا الثمينة لحلفائه الإسرائيليين لعل أخطرها وعده المشؤوم بإعطاء «القدس» للاحتلال دون أدنى اعتبار لقرارات الشرعية الأممية والدولية على مدى سنوات هذا الصراع التاريخي .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115