حالة استنفار قصوى ومخاوف متصاعدة مع تنصيب الرئيس: العالـم يطوي صفحة ترامب ...وبايدن يفتتح «العهد الأمريكي الجديد»

لم تعرف الولايات المتحدة الامريكية في تاريخها المعاصر حالة استنفار قصوى كالتي تشهدها في هذه الأيام مع الاستعدادات الأمنية والعسكرية الكبرى

لتسليم السلطة للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن . إذ تعمّ حالة من الخوف والترقب واشنطن ومحيط الكونغرس، والهم الأكبر اليوم لوزارة الدفاع الأمريكية هو تأمين مراسم حفل التنصيب بسلاسة مع وجود كل هذه التهديدات المبطنة والتجييش من ترامب وأنصاره .
ويشارك 25 ألفا من الحرس الوطني في تأمين حفل التنصيب وسط تشديدات أمنية غير مسبوقة حولت العاصمة الأمريكية الى ثكنة عسكرية، خاصة بعد تحذير مكتب التحقيقات الفيدرالي من وجود مجموعات يمينية متطرفة تسعى الى تخريب حفل تنصيب بايدن الذي سيتابعه الملايين حول العالم.
مخاوف امنية وسياسية
يغادر اليوم الرئيس الأمريكي ترامب رسميا منصبه بعد أربع سنوات من السياسات الجنونية والقرارات الشعبوية التي وضعت عديد نقاط الاستفهام حول الاستراتيجية الأمريكية وتقاليدها في عديد الملفات حول العالم ، وبعد ان اصبحت واشنطن في حفل تنصيب خلفه، أشبه بثكنة أغلقت كل شوارعها بالحواجز الخرسانية والحديدية، وانتشر الحرس الوطني وسط تحذيرات من مسيرات مسلحة غير مسبوقة لأنصار ترامب.
فقد زادت الأزمات مع ترامب كذلك الخلافات والصراعات مع عديد الدول ، في مقدمتها روسيا والصين. ووصلت سياساته العشوائية الى حد الانسحاب من اتفاقية المناخ والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. ورغم ان عهده حقق في بدايته تحسنا في الوضع الاقتصادي الأمريكي الا ان أزمة كورونا وقراراته الطائشة وغير المحسوبة في ما يتعلق بهذا الملف الصحي الخطير، وعدم امتثاله لقرارات منظمة الصحة العالمية بل ذهابه بعيدا الى حد التشكيك بها «وتسييس أزمة الوباء» ورمي الاتهامات جزافا حول مسبباته، كل ذلك أضعف من أداء ادارته بشأن محاربة الوباء. ورغم بدء الولايات المتحدة بأكبر حملة تطعيم الا ان حالات الوباء والاصابات لا تزال الأولى في المستوى العالمي. اذ يستلم بايدن قيادة البلاد في ظروف استثنائية بسبب وباء كورونا، وذلك مع ارتفاع الوفيات اليومية إلى الآلاف، بينما لقي 400 ألف شخص حتفهم.
ولعل السؤال اليوم هل سيفتتح بادين عهد أمريكيا جديدا بسياسات مغايرة أكثر عقلانية وأقل تهورا في التعاطي مع عديد الملفات . صحيح ان صناعة السياسات الخارجية الأمريكية وقراراتها لا تشهدا تغيرا كبيرا مع تغير الرؤساء الأمريكيين ولها ثوابتها في ما يتعلق بالدفاع عن المصالح الأمريكية و«الإسرائيلية» أيضا، ولكن ترامب كان أكثر «إسرائيلية» من «الإسرائيليين» أنفسهم ودافع بكل شراسة عن «صفقة القرن» وأعطى «القدس» هدية لنتنياهو وجعلها عاصمة للكيان الإسرائيلي وفرض التطبيع المجاني على عديد الأنظمة العربية بشكل لم يسبقه اليه أحد من الرؤساء الأمريكيين . ويأمل الكثيرون اليوم ، مع طيّ صفحة ترامب، ان يعود بعض التوازن للقضايا الأساسية في المنطقة وخاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين إضافة الى الملفات العالقة الأخرى والاضطرابات الدائرة في سوريا وليبيا واليمن وغيرها.
تركة ثقيلة
الأكيد ان هناك تركة ثقيلة من الأزمات الداخلية والخارجية تنتظر الرئيس الجديد ، لذلك سارع الى اطلاق الوعود والالتزام بإلغاء عدد من قرارات ترامب في الأيام الأولى من توليه السلطة. وأفادت تقارير إعلامية بان بايدن ينوي فور دخوله للبيت الأبيض تغيير دفة السياسات الأمريكية التي اتبعها سلفه. ومن أهم القرارات المتوقعة تلك المتعلقة بحظر السفر الى الولايات المتحدة وكذلك إعادة واشنطن الى اتفاق باريس للتغير المناخي. وفيما يتعلق بوباء كورونا سيعيد تفعيل قرار اجبارية ارتداء الكمامات.
وتقول التقارير بأن هذه القرارات السريعة ستكون جزءا من خطته الأولية من توليه الحكم .
ومن المتوقع ان يعرض الرئيس الجديد على البرلمان مشروع قانون الهجرة، وخطة قيمتها 1.9 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد المتضرر من وباء فيروس كورونا. كما تعهد بايدن بتوفير 100 مليون لقاح ضد كورونا خلال الـ 100 يوم من توليها السلطة.
ويستعد بايدن اليوم لتسلم السلطة وسط ظرف استثنائي تعيشه أكبر قوة في العالم لا فقط بالحالة الوبائية وتصاعد اعداد الوفيات والاصابات بل أيضا بتفشي العنف السياسي والانقسامات السياسية التي أرجعت أمريكا عهودا الى الوراء وتحديدا الى زمن التمييز العنصري والتطرف الذي عانى منه الأمريكيون كثيرا . وهذا ما دفع البعض الى وصف ما حصل في الولايات المتحدة خلال الأسابيع الماضية بحرب أهلية غير معلنة أشعل نارها ترامب قبل رحيله . فسقوط قتلى وجرحى على أبواب الكونغرس واثناء اقتحام أنصاره احتجاجا على اعلان فوز بايدن رسميا من قبل مجلس الشيوخ، يوم 6 جانفي... هي لعنة سترافق ترامب أينما حل ورحل وستظل تلك الانتكاسة المفاجئة للديمقراطية الأمريكية مرتبطة بعهده بكل ما حمله من إشكالات وشروخ عميقة مجتمعية وسياسية .
أمام بايدن تحديات وملفات صعبة في ظل هذه الانقسامات السياسية والاجتماعية العميقة في الداخل الأمريكي، وقد وضع شعار «أمريكا متحدة» في حفل تنصيبه، في محاولة لرأب الصدع العميق الذي خلفه سلفه ترامب الذي أعلن عن رفضه حضور حفل التنصيب والاقرار بالهزيمة حتى الآن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115