بغداد تغرق في بحر التجاذبات الإقليمية: العلاقات العراقية الأمريكية في عهد بايدن ..هل ستتغيّر ؟

يواجه العراق منذ عقود طويلة تحديات عدة لعل أهمها محاولاته النأي بنفسه عن الصراع الإقليمي بين دول الجوار ومساعيه للحياد

في صراع النفوذ بين أطراف إقلييمية ودولية ، وهو ما عجزت عنه حكومات بغداد المتعاقبة بشهادة أغلب صناع الرأي باعتبار انها أصبحت ساحة للحرب بين الجانب الأمريكي والجانب الإيراني .فبالإضافة لتأثيرات الغزو الأمريكي عام 2003 تواجه الحكومة العراقية توترا في العلاقات مع واشنط على علاقة بالحضور والنفوذ الّإيرانيين في المشهد السياسي العراقي.
وبعد الإعلان عن فوز جو بايدن بالرئاسة تفاعلت الطبقة السياسية العراقية ايجابيا مع خروج ترامب من الحكم مما يؤكد أن المشهد السياسي يعلق آمالا كبيرة على الإدارة الجديدة للبيت الأبيض.
ويجد العراقيون أنفسهم في خضم صراع متأجج بين واشنطن وطهران زادت حدته خلال فترة حكم الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. ولم تنجح كل الحكومات المتعاقبة في النأي بالعراق عن الصراع الايراني الأمريكي باعتبار الانقسام الطائفي والديني المسيطر على البلاد واختلاف انتماءات الكتل السياسية في بغداد واغلبها مناصرة لإيران التي تمتلك أذرعا سياسية داخل بلاد الرافدين. كما يعول الايرانيون وساسة العراق ايضا على بدء مرحلة جديدة في عهد الرئيس الجديد جو بايدن الذي قال بعد فوزه أنه سيعود إلى الإتفاق النووي بين إيران والقوى الست؛ وذلك بعد انسحاب واشنطن في عهد ترامب. ولئن يرى البعض أن عودة واشنطن لن يكون دون شروط؛ يرى البعض الآخر أن إدارة بايدن ستعمل على وضع اتفاق جديد.
وبخصوص فشل العراق في النأي بنفسه عن الصراع الدائر في المنطقة ، قال الكاتب العراقي جاسم البديوي لـ’’المغرب’’ أنه ‘’من دون الدعم الداخلي والخارجي، سياسيا وامنيا واقتصاديا، لا يمكن لاي حكومة النجاح، وفي حالة عدم الاستقرار التي يعيشها العراق، بسبب التدخلات الاقليمية والدولية، والازمات التي تعصف به اصبح العراق مسرحا للمواجهة بين واشنطن وطهران، والارادات الاخرى . لدى الحكومة العراقية من المشاكل الوجودية ما لا تحسد عليه، فبالاضافة الى التهديدات الامنية والسياسية والصحية، ثمة تهديد اقتصادي اخطر قادم ينذر بتدمير الدولة العراقية، بشكلها الحالي على اقل تقدير’’ وفق تعبيره.
وتابع «»من الواضح ان حكومة الكاظمي الحالية لا تحظى بقبول الجماعات السياسية الموالية لايران واجنحتها العسكرية القوية، كما كان الوضع مع حكومة عادل بعد المهدي السابقة المدعومة إيرانيًا . من جهة اخرى لم يفهم ترامب العراق بشكل كاف، ولم يشكل اهمية استراتيجية لدى اجندة ادارته حتى تدعم وجود حكومة عراقية قوية تعتمد على ذاتها.
لقد قدمت هذه الظروف لمشهد اتضح فيه ان هذه الحكومة غير قادرة على حماية ذاتها، في مناسبات عدة، ناهيك عن حماية شعبها او البعثات الدبلوماسية. لذا عجزت هذه الحكومة وسابقاتها عن تقديم حلول جوهرية قوية ناجعة بسبب حساسية تكوين النظام السياسي المتآكل والآيل الى الانهيار في أية لحظة’’.
في هذا السياق قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي جاسم البديوي لـ«المغرب» ‘’بلا شك، ففريق بايدن الجديد للسياسة الخارجية يختلف تماما عن فريق ترامب، فريق يحمل فلسفة واهدافا مختلفة ما يعني سياسة مختلفة، لكن من السابق لأوانه معرفة مديات وافاق هذا الاختلاف وانعكاساته في مجريات عالم اليوم. رغم ايماني ان كل مرحلة لها متغيراتها وظروفها وتاثيراتها. لكن من المؤكد اننا ازاء مرحلة اقل صداما وراديكالية في الصراعات’’.
نفوذ إيراني
وأمس الأول قالت واشنطن أن سفارتها في العراق وتحديدا في المنطقة الخضراء ببغداد تعرضت لهجمات صاروخية موجهة اتهاماتها من جديد لإيران متعودة برد «قاس» . وتأتي الهجمات لتزيد من تأجيج حدة التوتر بين إدارة البيت الابيض برئاسة دونالد ترامب المنتهية ولايته والجانب الإيراني المتهم بالتصعيد والاستفزار بعد قيامه بخطوات إضافية في برنامجه لتخصيب اليورانيوم رغم التحذيرات الدولية. ولطالما كانت المنطقة الخضراء في العراق.؛ والتي تضم مقرات السفارات الأجنبية ومقرها العاصمة بغداد؛ هجمات مماثلة اتهمت فيها طهران ايضا وسط اتهامات من واشنطن التي تعتبر ذلك ردا على اغتيال العالم النووي فخري زاده ومن قبله الجنرال قاسم سليماني.
وتاتي للتطورات بعد اشهر قليلة على اغتيال فخري زاده وتتزامن ايضا مع اقتراب ذكرى مرور سنة على إغتيال الجنرال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في غارة أمريكية قرب مطار بغداد في جانفي من العام الجاري . وتسود المنطقة والعالم على حد سواء مخاوف من حدوث تصعيد عسكري وذلك قبيل اسابيع قليلة من إنتهاء عهدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعروف باتباعه منهجا وسياسة معادية لإيران منذ وصوله للحكم عام 2016.
من الجانب الأمريكي فرضت واشنطن إجراءات أمنية غير مسبوقة على السفارة الأمريكية في بغداد تحسبا لهجمات عنيفة،وأضافت تقارير أن التدابير الأمنية التي جرى تطبيقها على السفارة الأمريكية في بغداد ومحيطها، فرضت على السفير الأمريكي، ماثيو تولير، وفريق مكتبه مغادرة مقرات السفارة لأسباب تتعلق بأمنه وسلامة الموظفين والدبلوماسيين المتبقين في السفارة.وقالت مصادر أن جزءا من طاقم السفارة الأمريكية في بغداد نقل إلى مدينة أربيل في إقليم كردستان العراق شمالي البلاد وفق «سكاي نيوز عربية». كما أعلنت الحكومة العراقية انها خصصت 3 آلاف عنصر إضافي من قوات الأمن لحماية البعثات الدبلوماسية والمؤسسات الأجنبية في المنطقة الخضراء.

مشهد مرتبك
يؤكد مراقبون للشأن الدولي أنّ العديد من ملفات العالم الحارقة ستشهد تغيرات جذرية بعد إعلان فوز الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية على منافسه الجمهوري الرئيس الحالي دونالد ترامب . ولعلّ من بين أهم الملفّات التي تنتظر الحسم أو تغيّر سياسة البيت الأبيض تجاهها الملف النووي الإيراني والعلاقات المتوترة بين طهران وواشنطن على امتداد سنوات حكم ترامب وتأثيراتها على دول الإقليم خاصة العراق.
وتبعا لما شهده الشرق الأوسط من توتر وانفجار غير مسبوقين خلال العهدة الرئاسية لدونالد ترامب، أبرزها الصدام بين طهران وأذرعها من جهة وواشنطن وحلفاءها في المنطقة العربية من جهة أخرى، تسود مخاوف في هذه الآونة من عودة طرح خيار العمل العسكري ضد إيران قبيل مغادرة ترامب للبيت الأبيض سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في مناطق النفوذ الايراني عبر استهداف مواقعها .

وتعليقا على التصعيد في المنطقة الخضراء مع قرب ذكرى اغتيال الجنرال الايراني قاسم سليماني قال البديوي :» اذا قرأنا بيان القيادة المركزية الامريكية حول الهجوم سوف نلاحظ جملة ان الهجوم «لم يهدف الى تجنب وقوع اصابات» ما يحيلنا الى افتراض ان هناك (حدا معينا) بين الطرفين قد تم تجاوزه. يعلم المراقبون ان طهران وواشنطن منذ فترة طويلة قد أسسا لسياسة (تجنب المواجهة المباشرة) على الاراضي العراقية، منذ تاسيس ميلشيات جيش المهدي واخواتها التي كانت مدعومة من طهران. وقد تعززت قناعة (التجنب) هذه حين وجد الطرفان نفسيهما في خط واحد في مواجهة « تنظيم الدولة الاسلامية» المعروف بداعش عقب اجتياحه مساحات شاسعة في العراق وسوريا.»
وتابع :» كان الجميع يلمسون وجود نوع من (التفاهم) او (الهدنة غيرالمعلنة) بين الطرفين حتى تم دحر التنظيم الذي يدعي الطرفان انهما المسهمان الاساسيان في دحره (كشركاء للعراقيين). وبعد مجيء ادارة ترامب من الملاحظ ان متغيرات كثيرة قد حدثت شملت هذه العلاقة المواربة، فتخلت ادارة ترامب عن حذرها وقتلت الجنرال سليماني مما شكل صدمة لدى الإيرانيين الذين يعرفون جيدا الاستفادة من «خساراتهم» ومن المؤكد ان تأجيل «الانتقام» الايراني جاء بنتائج تخدم مصالح الايرانيين الذين كانوا يعولون على رحيل ترامب، للرجوع الى ما يشبه حقبة ما قبله، ويبدو ان صبرهم الاستراتيجي اتى بثماره، فترامب راحل في غضون ايام وسوف يتعاملون مع ادارة جديدة تحمل ذهنية اخرى» على حد تعبيره»المتوقع ان تكون اقل صدامية.
وبخصوص امكانية اقدام ترامب على مجازفة عسكرية ضد ايران قبل مغادرته البيت الأبيض أجاب محدثنا:» طيلة تولي ادارة ترامب دفة الحكم اتسمت علاقة ترامب بالعسكريين «بعدم الانسجام» الى درجة ان الرجل قد غير اربعة وزراء دفاع مما يؤشر الى خلل في العلاقة بين المؤسستين، وبرأيي عدم التوافق هذا مرده الى اختلاف الذهنيتين من ناحية المتطلبات والمنطلقات الاستراتيجية، ويبدو لي ان العسكريين لا يدعمون مواجهة كبيرة، ليست اكبر من ضربة سليماني على اقل تقدير. الامر الذي سوف يترك التعامل معه الى الادارة القادمة التي وعدت بمراجعة وتقييم مرحلةترامب بالشكل الذي « يعيد» للولايات المتحدة الامريكية مكانتها المناسبة في قيادة العالم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115