قال الكاتب العراقي ثائر عبطان حسن لـ«المغرب» أنّ تأسيس القوى الإقليمية ودول جوار العراق للعشرات من المجموعات والمنظمات الإرهابية والدينية جعلها أقوى من مؤسسات الدولة بعد تغلغلها في جميع مفاصل البلاد ومنشآتها العسكرية والأمنية والإدارية، وهو السبب الأساسي من الناحية السياسية والأمنية .
وأضاف أنّ علاقة العراق بالولايات المتحدة في عهد الإدارة الجديدة ، تعتمد بالأساس على نوايا هذه الإدارة التي سترسم سياساتها بكل تأكيد وفقا لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة دون الأخذ بالاعتبار مصالح العراق السياسية والاقتصادية .
• لو تقدمون لنا قراءتكم للمشهد المضطرب الذي يعيشه العراق اليوم؟
المتابعون للشأن العراقي يعلمون جيدا بأن الوضع السياسي والأمني مضطرب في العراق منذ العام 2003 لحظة دخول القوات الأمريكية الى بغداد وإسقاط نظام صدام حسين ، ولم تشهد البلاد أمنا وسلاما حقيقيين طيلة هذه الفترة بالرغم من وجود فسحة من حرية التعبير المتمثّلة في الصحافة الحرّة وحق التظاهر والاحتجاج وتأسيس الأحزاب ، وهذا ما لم تنعم بها البلاد مذ تأسيس الدولة العراقية ، و يعود عدم الاستقرار هذا لأسباب عديدة أهمها.
أولاً : الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والذي عمل على تحطيم وتدمير كل البنى التحتية التي تستند عليها مقومات الدولة بدءا من تدمير المؤسسة العسكرية العراقية ومنشآتها المتطورة من مصانع حربية ومستودعات الدبابات الحديثة والصواريخ الروسية المتطورة إضافة إلى تجريد العراق من أهم سلاحين أساسيين لحماية أمنه وحدوده: سلاح الدفاع الجوي ، وسلاح الطيران ليتحول العراق إلى فريسة ضعيفة لكل مَن هبَّ ودَب من دول الجوار، أو من المجموعات الإرهابية على اختلاف إيديولوجياتها وأهدافها.
ثانياً ؛ قامت الولايات المتحدة الأمريكية بحل الجيش العراقي الذي كان يُعدّ أقوى جيش في المنطقة لحسابات خاصة بها أهمها ما يتعلق بأمن «إسرائيل»، وعمدت وبنيّة مبيّتة أن لا تبني جيشاً عراقيا قويا يمكن له أن يحمي البلاد وحدودها لكي يبقى العراق بأمس الحاجة لها ولقواتها ومدربيها وبشكل دائم خلال فترة احتلالها للعراق ، وهذا ما سمح للقوى الإقليمية ودول الجوار بتأسيس العشرات من المجموعات والمنظمات الإرهابية والدينية التي أخذت تصول وتجول في تهديد السلم الأهلي والاعتداء على ممتلكات الدولة ومؤسساتها وبلغ بها الأمر أن تكون أقوى من مؤسسات الدولة التي فقدت هيبتها بعد أن استفحلت هذه المجموعات وتغلغلت في جميع مفاصل الدولة ومنشآتها العسكرية والأمنية والإدارية، هذا الوضع هو السبب الأساسي في بقاء العراق غير مستقر من الناحية السياسية والأمنية ليومنا هذا .
ثالثاً ؛ بالنظر لما ذكر أعلاه فقد تحول العراق إلى ساحة حرب لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية والداخلية كذلك ، وفي المقام الأول صراع النفوذ الأمريكي - الإيراني ، الذي لم يتوقف يوما .
أما فيما يخص الأزمة المالية الراهنة، فهذه الأزمة ليست وليدة الأمس أو اليوم، بل هي حصيلة عقود من الزمن وانعكاس للوضع السياسي منذ العام 2003 ، وهي نتيجة طبيعية للسياسات الاقتصادية الخاطئة للحكومات المتعاقبة بعد أن تغلغل الفساد واستشرى في كل المؤسسات الاقتصادية والإدارية والخدمية من رأس الهرم في الرئاسات الثلاث وحتى اصغر موظف في الدولة .
عماد هذا الخراب الاقتصادي كان، ولا يزال، الاعتماد على تصدير النفط فقط حيث يكون مصير البلد رهنا لأسعار النفط التي هبطت إلى سعر اقل من كلفة استخراج البرميل الواحد ، هذا عدا أن ثلثي عائدات النفط البالغة أكثر من 60 مليار دولار سنويا تذهب إلى جيوب رؤساء الكتل والأحزاب السياسية ، وفِي حادثة أعلنت من قبل مسؤولين كِبار من قادة الأكراد في كُردستان العراق ، تم الإعلان فيها بان الأحزاب الكردية باعت إنتاج نفط كركوك إلى تركيا لخمسين سنة قادمة وقبضت مقدما ثمن إنتاج سبع سنوات ابتداء من العام 2017 حيث تنتهي بالعام 2024 وهذا هو العائق الأكبر في الخلاف بين حكومة المركز في بغداد وحكومة إقليم كُردستان في تسوية الخلاف منذ سنوات ، وهذا فقط غيض من فيض .
• ما أسباب الأزمة المالية الطارئة، وكيف ستكون تداعياتها على المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في بغداد ؟
أسس الخراب الاقتصادي والأزمة المالية المستفحلة كثيرة ومتجذرة ، من بينها القضاء التام على القطاع الخاص في العراق، وهذا ما تريده الدول الإقليمية المجاورة دون استثناء ، ليبقى العراق سوقا غنية لمنتجاتهم الرديئة والسيئة بحيث أن المليارات من عائدات النفط التي توزع سنويا كرواتب للموظفين والمتقاعدين وشؤون الرعاية الاجتماعية تذهب مباشرة إلى دول الجوار كثمن لما نستورده من حلويات ومعلبات وعلكة ومكياج ومشروبات غازية وملابس وإكسسوارات ووو، وكلها غير ضرورية وذلك بعد أن العراق سباقا في إنتاجها وتصديرها إلى دول الجوار وبمواصفات عالمية والجميع يتذكر ذلك .وهذا يعني أن ما نمتلكه من عملة صعبة تخرج ولا تعود للبلد ثانية ، وهذا هو الاستنزاف بعينه.
أما عن الفساد ، فساد الأحزاب والحكومات المتعاقبة فيكفي أن العراق في صدارة الدول الفاسدة وبامتياز وهذا ما يجعل الأزمة المالية مستفحلة دوما وباعتراف قادة هذه الحكومات علنا أمام شاشات التلفاز الرسمية وغير الرسمية .
• كيف يتأثر العراق اليوم بالتطورات الإقليمية ؟وهل ستحصل تغييرات في العلاقات الأمريكية العراقية بعد وصول جو بايدن للرئاسة ؟
أما عن علاقة العراق بالولايات المتحدة في عهد الإدارة الجديدة ، فان ذلك يعتمد بالأساس على نوايا هذه الإدارة التي سترسم سياساتها بكل تأكيد وفقا لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة دون الأخذ بعين الاعتبار لمصالح العراق السياسية والاقتصادية، وهذا هو نهج الإدارات الأمريكية دوما سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية، وهي سياسات براغماتية متغيرة حسب تطور الأحداث الإقليمية، وهذا هو السبب الأساسي في كون العراق بلد ممزق ضعيف، فقير بلا جيش قوي يحمي أراضيه وحدوده، ولا قوات أمنية رصينة ومهنية قادرة أن تمنع النزاعات الأهلية المسلحة وتحمي المواطنين من بطش المنظمات المسلحة الخارجة عن القانون، ولا تغيير في وضعنا الداخلي هذا إلا إذا أرادت الإدارة الأمريكية غير ذلك ، وهذا ما يدركه العراقيون جميعاً .