أو توافق الأطراف السياسية على الصعيد الداخلي. ورغم الحديث عن وجود عراقيل خارجية زادت من ضبابية المشهد في لبنان جاءت تحذيرات رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لتؤكّد أن العراقيل ليست فقط خارجية بل في أغلبها داخلية ، إذ حذر بري من «مغبة تعثر تشكيل الحكومة الجديدة مؤكّدا على عدم وجود أية عوامل خارجية تتسبب في عرقلة التأليف الحكومي، وأن الخلاف حول هذا الملف كله داخلي.»
وقال بري إنّ حالة الجمود الراهنة وعدم تشكيل الحكومة الجديدة يسببان استنزافا للبلاد دون أي مبرر وبلا أي طائل، مشددا على أن الضرورة أصبحت أكثر إلحاحا للاستجابة إلى حاجة لبنان إلى حكومة إنقاذ.
ويسود التعقيد مسار تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة،في ظل الخلافات القوية بين القوى السياسية على توزيع الحقائب السيادية والخدمية الأساسية، وصراع عدد من الأحزاب والتيارات السياسية على حقائب وزارية بعينها، ووجود عقبة أساسية تتعلق بالتمثيل الوزاري المسيحي، وسط تخوف من فشل كافة المساعي لتأليف حكومة جديدة لاسيما مع تصلب المواقف السياسية وتصاعد التوتر بين الفرقاء السياسيين وارتفاع الأصوات المعترضة والمطالبة بحصص وزارية.
وكُلف زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري برئاسة وتشكيل الحكومة الجديدة للبنان، في ضوء ما أسفرت عنه نتيجة الاستشارات النيابية الملزمة التي أجريت في 22 أكتوبر الماضي، وأفضت إلى اختيار 65 نائبا من أصل 120 عضوا بمجلس النواب لـ «الحريري» لتولي المنصب.وسبق أن أثار تكليف الرئيس اللبناني، ميشال عون ، زعيم تيار المستقبل سعد الحريري مجددا بتشكيل الحكومة، ردود أفعال متباينة في الداخل اللبناني وعلى المستوى الإقليمي والدولي خاصة وأن الحريري استقال إثر ثورة شعبية دعت للإطاحة به وبفريقه الحكومي نتيجة الوضع الإقتصادي و الإجتماعي المتردي الذي مرت به البلاد منذ سنوات طويلة .
ويأتي تكليف الحريري من جديد بتشكيل الحكومة الجديدة بعد عام من استقالته رضوخا لمطالب المتظاهرين ضد الفساد والمحسوبية وتصاعد حدة الإضطرابات الشعبية انذاك مع العلم أن هذه المرة هي الرابعة التي يرأس فيها الحريري الحكومة اللبنانية وكانت التكليف في عام 2009، ثم في عام 2016، قبل أن تنهار حكومته الثالثة التي تشكلت في عام 2018 على وقع احتجاجات شعبية في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي ليتم بعد أشهر تكليف حسان دياب بتشكيل حكومة جديدة لم تصمد بدورها أمام صعوبة المشهد اللبناني ونقمة الشارع على الطبقة السياسية. وشكّل حسان دياب حكومته في 11 فيفري الماضي، بعد استقالة حكومة سعد الحريري اثر احتجاجات شعبية في 29 أكتوبر 2019. ويعرف لبنان تراكمات جدية على كافة الأصعدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا كما زادت في عزلته الداخلية وأثرت على المستوى المعيشي الداخلي، كما جعلت -وفق مراقبين- شبح الإفلاس يتهدّد بلد الأرز ويحيط به نتيجة الوضع المالي المتدهور وانهيار الليرة اللبنانية وصعوبة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بهدف الحصول على دعم مادي ينقذ البلاد من خطر الإفلاس.
علما بأن حكومة دياب لم تصمد بعد الإنفجار المريع الذي هز مرفأ بيروت في سبتمبر المنقضي والانتقادات الحادة التي واجهتها الحكومة التي أعلنت بعد ساعات قليلة من الإنفجار عن استقالتها ليعود لبنان إلى مربع الفراغ من جديد. وقد أدى الوضع الخطير في لبنان إلى استنفار داخلي وخارجي كبير وسط دعوات قادتها فرنسا لإنقاذ بلد الأرز من النفق المظلم الذي يتهدده . وعقب استقالة حكومة دياب تم تكليف مصطفى أديب السفير السابق في ألمانيا بتشكيل حكومة وذلك بعد أن أطاح انفجار مرفإ بيروت المريع، في سبتمبر المنقضي بسلفه حسان دياب.
مؤتمر دولي لدعم لبنان
ويرى متابعون للشأن اللبناني أنه كان لفرنسا دور كبير في الضغط على الأطراف السياسية اللبنانية لإعادة تكليف الحريري برئاسة الحكومة الجديدة، وذلك بهدف تنفيذ المبادرة السياسية لإنقاذ الوضع في لبنان والتي أعلنتها باريس خلال زيارة ايمانويل ماكرون لبيروت.
ويتزامن هذا الفشل في الإعلان عن تركيبة الحكومة الجديدة في وقت اشترطت فرنسا - التي أعلنت عن نيتها دعم لبنان بعد تفجير مرفأ بيروت- مع المؤتمر الدولي الافتراضي برئاسة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وتحت إشراف الأمم المتحدة ، تحت مسمى «دعم الشعب اللبناني»،وذلك بعد أربعة أشهر من الوعود التي قدمتها باريس لدعم بيروت . إلا مراقبين يرون أن فرنسا التي تعالت حدة لهجتها مؤخرا مشترطة التزام الأطراف المعنية في لبنان بتنفيذ خارطة الطريق ، اصطدمت بعمق الشرخ الذي يتسم به الواقع السياسي اللبناني سواء على صعيد الخلافات حول المناصب أو التسميات وغيرها من العثرات الأخرى. ويرى مراقبون أن عقد المؤتمر الجديد على الرغم مما اعتبرته الرئاسة الفرنسية «عدم إيفاء الطبقة السياسية اللبنانية بتعهداتها تشكيل حكومة جديدة من اختصاصيين مستقلين من أجل إطلاق إصلاحات هيكلية يطالب بها المجتمع الدولي مقابل دعم طويل الأمد للبنان» يأتي في وقت تراهن فيه حكومة ماكرون على رئيس الحكومة سعد الحريري ومدى التزامه بتطبيق خارطة الطريق الموضوعة في الغرض وفق اشتراطات فرنسية. وشارك رؤساء دول ومنظمات دولية وجهات مانحة متعددة الأطراف ومنظمات غير حكومية وممثلون للمجتمع المدني اللبناني في هذا المؤتمر الذي تمت يوم أمس إدارته من الاليزيه كما أكدت الرئاسة الفرنسية.
وقالت الرئاسة إن المؤتمر «يهدف إلى تقييم المساعدات التي قدمها المجتمع الدولي وتقييم ترتيبات توزيعها منذ مؤتمر 9 أوت، والنظر في الاحتياجات الجديدة والعمل على تلبيتها، في سياق الأزمة التي يعاني منها لبنان». وأتاح المؤتمر الذي نظم بشكل طارئ بعد خمسة أيام فقط من الانفجار، تحريك مساعدات بقيمة 250 مليون يورو للبنان.