فهذا السؤال حول مستقبل مدينة ادلب السورية أصبح مطروحاً بل وحاضراً في الأجندات الراهنة ومحدداً ضمن مسارات الأحداث من حيث التخطيط وان بدت معالمه واضحة ومؤكدة للبعض (انتصارات الجيش العربي السوري) الذي حقق إنجازات كبيرة منذ بداية الأزمة لحماية سورية التي كانت تتعرض للكثير من المؤامرات واستطاع أن يحبط جميعها.
في المقابل، تترك الانسحابات التركية المتتالية من نقاط المراقبة سواء في غرب حلب أو جنوب إدلب، وتحديداً من المناطق التي باتت تحت سيطرة الجيش العربي السوري، حالة من الشغف لمعرفة الخطوة اللاحقة في لعبة الشطرنج التركية على الأرض، التي تزامنت في الوقت ذاته مع تعزيزات عسكرية تركية في ريف إدلب، التي يحاول الجيش السوري تحريرها من الجماعات المسلحة الموالية لتركيا.
على أي حال شكّل انسحاب الجيش التركي من نقاط المراقبة خطوة مفاجئة على الأرض ومخيّبة للمراهنين على تركيا، في الوقت الذي كانت فيه أنقرة تقول إنها مستمرة في وجودها في سورية حتى بدء الحل السياسي في البلاد، إلا أن الانسحاب التركي الأخير من نقطة مورك العسكرية، ثم شير مغار، أعاد السؤال حول أبعاد هذا الانسحاب، لصالح الجيش السوري.
في المقابل، تنظر موسكو إلى الكأس الممتلئ من الموقف التركي، معتبرة أن الانسحاب الجديد، استمراراً في تنفيذ الاتفاقيات التي توصل إليها الجانبان في مارس الماضي.
ويبدو من خلال قراءة المشهد الميداني، أن هذا الإنسحاب يشكل محاولة دعم وإرضاء للفصائل المتشددة التي تقاتل في إدلب، بعد أن أصاب صفوفها الانهيار، بالإضافة إلى التغطية على الانسحابات المتكررة لنقاط المراقبة المنتشرة في تلك المناطق.
على خط مواز قد يضفي إقدام أنقرة على التحرك ميدانياً بهذا الشكل المفاجئ، إلى عملية عسكرية في إدلب، خصوصاً أن هذا التدخل العسكري يضرب عرض الحائط تفاهم أستانا بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، الموقع في 4 ماي 2017 حول مناطق خفض التصعيد.
وبالتالي فإن المتتبع للشأن السوري ليس بحاجة إلى قدرات عظيمة لإستشراف المصالح التركية في المنطقة بشكل عام، وفي سورية بشكل خاص، ولا نُجافي الحقيقة إذا قلنا بأن تركيا باتت على قناعة تامة بأنها أوهن وأعجز عن تحقيق طموحها في سورية، من هنا، باتت أنقرة تخفض من سقف رهاناتها لاستخدام التنظيمات المسلحة وأخواتها كوسيلة لتحقيق مآربها في المنطقة، في حين يستعد «العلم السوري» إلى الارتفاع في سماء كل المناطق السورية.
في هذا السياق تشير كل المؤشرات في الأشهر الأخيرة إلى تراجع قدرات التنظيمات المتطرفة في ريف ادلب، وذلك حسب الحرب الدائرة هناك والتي تسير إلى النهاية الطبيعية لها، وهي انتصار الجيش السوري وحلفاؤه، لذلك يبدو أن مسألة تواجد الجماعات المتطرفة الموالية لتركيا في ادلب لن يستمر طويلاً، فالجيش السوري يضيق الخناق على هذه الجماعات من كافة الاتجاهات وبات يحيط بمناطق تواجدها من كل حدب وصوب في انتظار إتمام الاستعدادات لاقتحامها، وهناك مصادر عديدة تتحدث عن أن هذه التنظيمات تعاني من سلسلة أزمات استنزفت قواها ، وهو ما يرجح فرضية انسحاب هذه التنظيمات من مدينة ادلب ومحيطها ، خاصة وأن الجيش السوري لديه من الطائرات المقاتلة ما يجعله سيد الأجواء على الميدان وقادراً على الحسم مع هذه التنظيمات الإرهابية.
إن أعداء سوريا وأعداء السلام واهمون وهم يفكرون ولو لحظة من الوقت باستمرار الأوضاع الحالية إلى ما لا نهاية، فسورية ستعود أقوى مما كانت ولن يستطيع أحد أن يجعلها تنحني، وستتجاوز الأزمة التي تمر بها، والأكيد إن الأيام المقبلة ستحدد وجهة الحرب السورية وإحداث تغيير جذري في الخريطة العسكرية والذي سيكون من بوّابة معركة إدلب وشرق الفرات. وفي تقديري أن الأسابيع القادمة ستشهد تدويراً للكثير من الزوايا والقضايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.