أول دراسة من نوعها في العالم تعطي حجم الخسائر في ليبيا الخبير الاقتصادي د: حكيم بن حمودة لـ«المغرب»: 577 مليار دولار هي الكلفة الاقتصادية للحرب في ليبيا

قدّمت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا الإسكوا أمس في ندوة عبر الانترنت نتائج الدراسة التي أعدتها الأمم المتحدة ومنظمة الإسكوا في بيروت حول «الكلفة الاقتصادية للصراع في ليبيا»

بحضور ممثلي المنظمات الدولية والمسؤولين في ليبيا وعديد بلدان الجوار والبلدان الأخرى وخبراء الاقتصاديين مثل د. حكيم بن حمودة الوزير السابق للاقتصاد والمالية وعبد الفتاح بوحبيب عضو هيئة تدريس الاقتصاد في جامعة بنغازي ورمضان السنوسي الخبير في التخطيط الاستراتيجي وسليمان الشحومي المصرفي ومؤسس سوق المال الليبي وطارق علمي مدير مجموعة الحوكمة والوقاية من الصراعات في الإسكوا وعلي منصور عطية عضو هيئة تدريس في كلية الاقتصاد جامعة أجدابيا في ليبيا .

وتجدر الإشارة الى ان هذه الدراسة التجريبية الأولى من نوعها في العالم والتي أعدّها الدكتور حكيم بن حمودة لفائدة الاسكوا والأمم المتحدة من شأنها أن تسلطّ الضوء على حجم الخسائر الباهظة في الاقتصاد الليبي والإقليمي ككل على مدى أكثر من 10 سنوات من الحرب العبثية. لذلك فإنها مبادرة هامة تفتح المجال أمام الليبيين والخبراء لفهم كلفة النزاع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وذلك من أجل مساعدة الشعب الليبي على تخطي أزمته وطيّ صفحة الحرب والتفكير في إعادة البناء والإعمار بأسرع وقت ممكن.

التعثّر الاقتصادي والأزمة السياسية في ليبيا
وقد شملت الدراسة عدة محاور تتعلق بالتعثر الاقتصادي والأزمة السياسية في ليبيا وكلفة الصراع الاقتصادي وآثاره على الاقتصاد الكلي وقدمت الدراسة مجموعة من التوصيات. ويتعرض التقرير الى الوضع في ليبيا ويشير الى ان بعض الفصائل المتحاربة سارعت الى الدخول في صراع مدمر بعد انتفاضات عامة حصلت سنة 2011 وكانت لذلك آثار عميقة في اقتصاد ليبيا واقتصادات البلدان المجاورة أي تونس والسودان ومصر التي تربطها بليبيا علاقات اقتصادية واسعة على مستويات التجارة والاستثمار وعمالة المهاجرين، وطالت آثاره التعاون الاقليمي بشكل عام .

وهذا ما دفع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الإسكوا» الى اطلاق مشروع لدراسة آثار السلم وإعادة الإعمار في ليبيا على البلدان المجاورة وعلى التعاون الاقليمي. ويتألف المشروع من مرحلتين متكاملتين. تقيس المرحلة الأولى الآثار المباشرة لاقتصاد الحرب على ليبيا. وتنظر المرحلة الثانية في الفرص التي تتيحها عملية السلام وإعادة الاعمار في ليبيا على البلدان المجاورة وعلى التعاون الاقليمي.

يجزم التقرير بأن الاعتماد الكبير على المواد الهيدروكربونية في ليبيا عمّق التحديات التي تنطوي عليها الاقتصادات الريعية، مما أسهم في زعزعة استقرار النظام السياسي السابق وسقوطه في عام 2011. أما بشأن كلفة الصراع فأكد التقرير أن الصراع في ليبيا أدى الى انكماش الاقتصاد، لا سيما من حيث الناتج المحلي الإجمالي، فتراجع الاستثمار بالمقارنة مع توقعات صندوق النقد الدولي وأداء الاقتصاد الليبي وقدرت الخسارة التي ألحقها الصراع في الناتج المحلي الاجمالي بمبلغ 2.292 مليار دينار ليبي في الفترة2011 - 2015.

وعند مقارنة توقعات صندوق النقد الدولي في عام 2009 ،يمكن أن تصل كلفة الحرب في ليبيا في الفترة 2016 - 2020 إلى 2.491 مليار دينار ليبي. وقدرت الكلفة الإجمالية للصراع منذ اندلاعه في عام 2011 إلى حد اليوم بمبلغ 4.783 مليار دينار ليبي. وتوقعت الدراسة ان ترتفع كلفة الحرب في السنوات المقبلة اذا لم يتوقف الصراع، وستبلغ الكلفة في الفترة 2021 - 2025، حوالي 2.628 مليار دينار ليبي. وبينت الدراسة ان ثلاثة عوامل رئيسية أدت إلى زيادة الخسائر الاقتصادية في ليبيا وهي تدمير الأصول الرأسمالية، وخسارة الإنتاجية، وتراجع أسعار النفط في الأسواق المالية. وتشير تقديرات الإسكوا إلى أن معظم الخسائر مرتبطة بالدمار الذي سببه الصراع. فقد أدخل الصراع الاقتصاد الليبي في أزمة غير مسبوقة. لذلك ينبغي إطلاق مفاوضات سياسية مكثفة لاستعادة السلام والمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد الليبي.

وتتطلب عملية السلام خطة إعادة البناء والإنعاش التي تستند إلى الركائز الثلاث التالية: حوكمة اقتصادية فعالة وشفافة، من خلال إطار مؤسسي جديد يتسم بالكفاءة لتنفيذ استراتيجيات إعادة التأهيل والانتعاش الاقتصادي وإعادة التأهيل والإعمار في القطاعات المتضررة من الصراع ووضع الاقتصاد الليبي على طريق النمو؛ والاستثمار من خلال برامج إعادة الإعمار الطارئة قصيرة الأجل .

وأكد طارق العلمي وهو مدير في الإسكوا في مداخلته بأن نصف الدول العربية اليوم متأثرة بالنزاعات التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة مبينا بأن جهود الإسكوا ترّكز على تقليص هذه الآثار . وأضاف: «لدينا مشاريع في اليمن وفي سوريا ونعمل على الحوار بين السوريين ونعمل في فلسطين على فصل الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد «الإسرائيلي»، وفي ليبيا نعمل على رؤية يناقش خلالها الليبيون السياسات التي هم بحاحة لاعتمادها». مشيرا الى ان هناك 4 ركائز أساسية: هي العقد الاجتماعي والدولة الحديثة والتحول الاجتماعي وتحسين النظام الاجتماعي والتنمية الاقتصادية المتنوعة والمتحددة
وقال ان الاسكوا عملت على دراسة تكلفة النزاع في ليبيا وعلى الدول المجاورة.

السلام جزء من التنمية
من جهته أكد د. حكيم بن حمودة الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق في مداخلته بأن الدراسة العلمية تهدف الى تطوير رؤية وجعل السلام جزءا من أجندة التنمية وأوضح ان الدراسة كانت نتيجة تعاون وثيق مع الخبراء الاقتصاديين من ليبيا وبقية الدول العربية من خلال النقاشات والمراسلات . وأوضح ان التقرير يركز على نقاط أساسية هي السياق والظرف الحالي في ليبيا والتوصيات والتأكد من ان السلام جزء من العملية السياسية.

وأوضح بن حمودة بانه في السنوات القليلة الماضية أي منذ 2011 إلى حد اليوم كانت الاسكوا وغيرها من المنظمات مهتمة بالنزاع في المنطقة. ويشير النقاش إلى أهمية معرفة أثر هذه النزاعات على الاقتصادات وان القلق الأهم هو تأثّر أهداف التنمية المستدامة والعمل الخاص بالإدماج نتيجة الحرب. وأضاف: «لقد بدأنا هذا العمل الخاص بليبيا وهو يتألف من جزءين وهما كلفة النزاع من النظرة الاقتصادية والاجتماعية وأثر النزاع وكيف يمكن لعملية السلام ان تساعد المنطقة بأكملها. وقال ان النقطة الأهم هي الكلفة. وأوضح انه وضع مع باقي فريق الخبراء نموذجاً تقنيا يمكن استخدامه في الاقتصاد العالمي من أجل قياس الأثر مشيرا الى انه سوف يتم وضعه تحت تصرف ليبيا على مستوى المصرف المركزي والجامعات. واضاف: «وسوف نجعل هذا النموذج سهل الاستعمال اما بالنسبة الى النقطة الثانية فهي تتمحور بالأساس حول كيف كيفية قيس أثر الحرب. مبينا بأن صندوق النقد الدولي قدّم بعض التوقعات حول النمو الاقتصادي. وقال: «طورنا عمل الصندوق حتى 2025 ونحاول ان نقيس الوضع الحالي، اما بخصوص العوامل التي ساهمت في ذلك فمنها تراجع

استخراج النفط وتراجع الأسعار والاستثمار واليد العاملة وذلك بسبب عودة العمال إلى بلدانهم وقال: «قسمنا الفترة من 2011 الى 2025، ولدينا نتيجتان أساسيتان: كلفة النزاع على الاقتصاد والشعب الليبي الاقتصاد: من 2011 حتى 2020 فالكلفة هي حوالي 800 مليار دينار ليبي، وقال انه تم استخدام سعر الصرف الرسمي لحساب الكلفة. وقال: «إن تكلفة الحرب بين 2011 و2020 تقدر بـ783,4 مليار دينار ليبي اي 577,37 مليار دولار امريكي. ولو تواصلت الحرب ستكون انعكاساتها أكبر وستقدر بـ628,2 مليار دينار ليبي او 462, 37 مليار دولار امريكي بين 2020 و2025»
وبيّن بن حمودة بانه تمّ اقتراح خطة انعاش اقتصادي تعتمد بشكل أساسي على الشفافية والحوكمة.

من جهته قال د. سليمان الشحومي وهو مصرفي ليبي ومؤسس سوق المال الليبي في مداخلته بان الاقتصاد الليبي عانى لمدة 40 عاما لغاية بدء الصراع في 2011. وقال انه بسبب خطة الخصخصة التي تمّ العمل عليها وإدراج شركات من القطاع الخاص وبيع ممتلكات النظام. وتمّ تأسيس صندوق شمل على العديد من الشركات والمرافىء. وتمّ العمل على إصلاح كامل للقطاع المصرفي مكّن المصارف الدولية أن تمتلك أسهماً في هذه المصارف. مبينا بانه تم تخصيص 100 مليار دولار لبناء مشاريع اقتصادية واجتماعية. إضافة الى إصدار أكثر من 10 قوانين في ليبيا من أجل تعزيز الاصلاحات. وهذا ما سمح للعديد من الشركات الأجنبية بزيادة الاستثمار، في حين انفقت الحكومة الليبية حوالي 200 مليار دولار، والنتيجة انه لدينا الآن بنى تحتية منهارة تماماً ضاربين بعرض الحائط بالاقتصاد الليبي».

أما بخصوص تأثيرات هذه الأرقام على الوضع الاقتصادي والاجتماعي فأوضح د. علي منصور وهو عضو هيئة تدريس في كلية الاقتصاد جامعة اجدابيا في ليبيا، في مداخلته بأن الأرقام كبيرة وخطيرة وهذا يؤثر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي مع الانفاق الاستهلاكي الذي يقدّر بـ 60% من الانفاق العام، وتابع: «الأسباب الأخرى لهذا الانهيار الكبير تتلخص بانخفاض في المنتجات غير النفطية، والفرق في سعر الصرف، ووجود أكثر من سعر صرف واحد مما أثرّ على زعزعة الاستقرار في ليبيا».

اما عن التأثيرات الاجتماعية لكل هذا التراجع الاقتصادي فقد اكد د. رمضان السنوسي بأنّ هناك تأثير اجتماعي للنزاع وليس فقط تأثير اقتصادي وقال: «نحن نتحدث عن أرقام مختلفة 480 مليار دينار تمّ انفاقها أرقام المصرف المركزي 200 مليار. وهنا تكمن المشكلة وجود عدة أرقام. لذا ينبغي العمل على نموذج جديد يلائم الوضع الليبي وقبل أن آتي الى هنا، كنت في اجتماع في ليبيا ناقشت خلاله وجود 10 قواعد عسكرية من مختلف الجنسيات في ليبيا في حين أن هناك 1.3مليار ليبي بحاجة إلى مساعدة انسانية يعانون من انخفاض حاد للكلفة الشرائية للدينار، ووجود محطات توليد للطاقة معطلة. مشيرا الى ان ما تواجهه ليبيا هو وباء الفساء وليس فقط وباء كورونا».

وفيما يتعلق بالتأثير الاجتماعي لكل هذه الأرقام الخطيرة تابع بالقول: «عندما نتحدث عن التأثير الاجتماعي نقول ان هناك تغييرا ديمغرافي للسكان خصوصا في الجنوب إضافة الى ارتفاع نسبة الطلاق الى حوالي 70 بالمئة وكذلك تفشي الفقر المدقع . فقد أنفقت 140 مليار دولار في اقتصاد الحرب وكل هذه السياسات الخاطئة تزيد الهوة بين الفقراء والأغنياء».
وبناء على مداخلات وتوصيات المتدخلين في هذه الندوة، فإن هناك أسئلة عديدة تطرح حول كيفية تأثير كل هذه العوامل على عملية إعادة الاعمار في ليبيا؟ وما هي استراتيجيات التعافي في هذا البلد؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115