بريكسيت: مفاوضات آخر ساعة: تخوف من عدم الاتفاق في ظل ظروف أزمة كورونا

دخلت المفاوضات حول اتفاق التبادل الحر بين الإتحاد الأوروبي و بريطانيا العظمى شهرها الأخير بعد أن خرج البريطانيون

رسميا من الإتحاد الأوروبي في بداية 2020. فريقا التفاوض حول ما بعد الطلاق لا زال يحاول التوصل إلى حل وسط للتبادل المشترك انطلاقا من جانفي 2021. وإلى حد الساعة لم يتمكن الطرفان من ايجاد مخرج للخلافات القائمة والمتمثلة أساسا في تحديد مبادئ التبادل التجاري وعدم المزاحمة وتقنين الصيد البحري في المياه المشتركة وإقرار جهة الحكم في المسائل الخلافية.
جميع هذه المسائل الخلافية كانت محل نقاش طوال السنة دون أن تتحرك عجلة التفاوض بالرغم من الإعلانات الرسمية للزعماء الأوروبيين و البريطانيين الداعية إلى التوصل إلى اتفاق. مع حلول شهر ديسمبر أصبح واضحا أن الطلاق «بدون اتفاق» هو الحل الحتمي لخروج بريطانيا من الإتحاد بزعامة بوريس جونسون الذي أكد مرارا على «العزم على التوصل إلى اتفاق يضمن سيادة بريطانيا العظمى» وهو ما يعني، في حقيقة الأمر، عدم القبول بالمقترحات الأوروبية المطروحة على طاولة التفاوض. من جهتها تعتبر بروكسل، على لسان كبير مفوضيها الفرنسي ميشال بارنييه أن أوروبا قدمت «حلولا» معقولة لكن الوضع وصل إلى نقطة «اقبل أو انسحب».
تحذيرات أوروبية
وكان صوت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مرتقبا لتحديد الموقف الأوروبي بعد أن أعلنت في شهر سبتمبر أنه من المرجح ألا يتوصل الطرفان إلى اتفاق وفي هذا الأسبوع، و قبل استئناف المفاوضات يوم الإثنين في بروكسل، صرحت ميركل أنها تأمل في «نهاية سعيدة» لكن «ليس بأي ثمن» وهو الموقف الذي يعبر عن قرارالمجلس الأوروبي الأخير. من ناحيته أعلن قصر الإيليزي أن على لندن الدخول في مفاوضات «حقيقية» و أنه «لن يقبل باتفاق أعرج» معتبرا أن «للإتحاد الأوروبي مصالح يدافع عنها هو الآخر وتتعلق بالمنافسة العادلة لشركاته وصياديه». وأضاف البيان الرئاسي أن بروكسل «تقدمت للمملكة المتحدة بعرض شراكة مستقبلية واضح ومتوازن.»
ومن الواضح أن لبريطانيا العظمى -في هذا الموضوع- تقدما على الأوروبيين لأنها سوف تنشر سيادتها على مياهها الإقليمية التي هي عرضة لمطامع صيادي فرنسا و ألمانيا و بلجيكا و اسبانيا و أيرلندا و الدانمارك والتي أسست مداخيلها على الصيد في المياه البريطانية و سوف يجدون أنفسهم مهددين بالإفلاس. من جهة أخرى، أكدت الصحافة البريطانية على استراتيجية بوريس جونسون الجديدة التي تعتمد الخروج من القيود الأوروبية لإكتساح أسواق جديدة ،وهو ما يتعارص مع الطلب الأوروبي، و أن إعلانه الأخير التخلي عن السيارات المستعملة للوقود و فرض اللجوء إلى السيارات الكهربائية يندرج في منافسة النسيج الصناعي الأوروبي و أن الخبراء البريطانيين يعتقدون أن تكلفة البريكست لن تكون باهضة إذا ما تمكنت لندن من فتح أسواقها المالية و الإقتصاديةو الإستثمار في الصناعات الجديدة. بذلك تصبح بيرطانيا ملجأ جديدا على الحدود الأوروبية للمستثمرين الدوليين و«ملاذا جبائيا» يهدد القوة الأوروبة.
مخاوف بريطانية
هذا السيناريو على جرأته لم يقنع الفاعلين الإقتصاديين الذين لا زالوا متخوفين من التكلفة الباهضة التي تلوح في الأفق. أولهم المستثمرون في السوق المالية حيث قررت عديد الشركات في الأشهر الماضية نقل مقراتها و مساهماتها من لندن إلى أسواق فرانكفورت و باريس مدعمة بذلك القدرات المالية الأوروبية. لكن الشركات البريطانية، وخاصة منها الزراعية، تخشى الرفع في الرسوم الجمركية الأوروبية مع بداية السنة وهي التي تصدر 70 % من انتاجها نحو البلدان الأوروبية. ويمثل عدم الاتفاق مع أوروبا «مشكلا كبيرا بالنسبة للقطاع الفلاحي البريطاني» حسب مارك بريدجمان، رئيس اتحاد المزارعين والشركات الزراعية البريطانية.
لكن المخاوف البريطانية ليست اقتصادية فقط بل هي سياسية أيضا. فلقد صرحت نيكولا ستيرجون الوزيرة الأولى لأسكتلندا عن أملها في تنظيم استفتاء ثان حول الإستقلال، وذلك في صورة نجاح حزبها في الانتخابات المحلية لشهر ماي 2021. وقالت ستيرجون للصحافة البريطانية :«أريد توجيه رسالة لأصدقائنا و جيراننا الأوروبيين، أنتم كنتم ولا تزالون جزء منا. لستم بعيدين عنا. نشكر من قدم منكم للعيش معناونقول لهم ابقوا معنا. ونقول للبلدان الآخرين أن أسكتلندا تريد الرجوع، و نأمل القيام به قريبا، كدولة عضو مستقلة». وهذا تحد ثالث أمام بوريس جونسون الذي سوف يجبر على إدارة تداعيات جائحة كورونا التي أنهكت الاقتصاد الأوروبي قبل أن تبدأ موجة البريكست التي يتخوف منها الجميع.
استعدادا لحالة الطوارئ هذه أقدم البنك المركزي البريطاني يوم الخميس الماضي على ضخ 150 مليار جنيه إسترليني في السوق المالية لترتفع قدراته إلى 900 مليار من أجل التصدي للمشاكل القادمة مع قدوم السنة الجديدة. هذه الخطوة تشير إلى أن الحكومة البريطانية مقدمة على مرحلة جديدة سوف تكون فيها قوانين المنظمة العالمية للتجارة الحكم في العلاقات التجارية مع أوروبا بالرغم من التخوفات المشتركة من الجانبين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115