فضيحة العنف البوليسي في فرنسا ضد لاجئين وضد منتج موسيقي: الرئيس ماكرون يعتبره «مخزيا» ووزير الداخلية يقيل 4 أعوان شرطة

استفاق الرأي العام الفرنسي في نهاية الأسبوع على صور تم بثها على القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي تظهر تدخلا عنيفا للشرطة ضد لاجئين اعتصموا في ساحة الجمهورية

في قلب باريس وصور أخرى لعملية إيقاف منتج موسيقي أسود البشرة في محل عمله. وأظهر التدخل البوليسي العنيف في كلتا الحالتين مدى خروج بعض الأعوان عن القانون وعن التراتيب المتبعة من قبل الأعوان العموميين المكلفين بالأمن العام.
جاء ذلك عقب تمرير قانون في البرلمان لحماية أعوان الشرطة بمنع نشر صورهم على شبكة الأنترنات والذي تظاهرت ضده عديد النقابات والهيئات والمنظمات الحقوقية والصحفية في شوارع فرنسا.

صور منشورة وممارسات عنيفة
وقد أظهرت الواقعتان مدى ممارسة العنف من قبل الشرطة الفرنسية في غير محله. وقد تعلق الحدث الأول بفك اعتصام لاجئين تم تفريقهم من مقر تجمعهم في ضاحية «سان دوني» واعتصامهم في ساحة الجمهورية بالعاصمة باريس بعد مساعدتهم من قبل منظمات إنسانية و نواب في البرلمان الفرنسي وشخصيات مرموقة كانت على عين المكان عندما تدخلت قوات الأمن و الحرس الجمهوري لتفرقة اللاجئين الذين تحصلوا على حقهم في اللجوء دون تمتعهم القانوني بالمساعدة في السكن و الشغل. وظهر على شاشات التلفزيون بوضوح بعض الأعوان يتدخلون بعنف و بطريقة غير قانونية ضد اللاجئين.

أما المشهد الثاني، الذي أثار حفيظة الجميع ونددت به كل الأوساط بما في ذلك رئيس الدولة إيمانويل ماكرون ووزير الداخلية جيرالد دارمنان، فيتمثل في إيقاف منتج لموسيقى الراب أسود البشرة من أجل عدم ارتدائه لكمامة في الشارع. وأظهرت الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة ثلاثة أعوان شرطة داخل محل عمل المنتج وهم يضربونه ويشتمونه بعبارات عنصرية لإجباره على الخروج من المحل. ثم قامت قوات أخرى من الشرطة بإطلاق قذيفة مسيلة للدموع داخل المحل لإجبار المنتج على الخروج. وواصل الأعوان الاعتداء على الشخص خارج المحل ولم يتوقفوا عن ضربه إلا عندما عرفوا أن بعض المارة بصدد تصوير المشهد بالهواتف الجوالة.وتم إثر ذلك إيقاف المنتج المصاب بجروح بالغةوإيداعه الإيقاف التحفظي بعد تحرير تقرير مزيف ضده.

ردة فعل سياسية
هذه الصور البشعة التي أظهرت الشرطة في صورة متوحشة ضد مواطنين عزل تزامنت مع الجدل القائم داخل الرأي العام وفي صفوف الصحفيين حول إرادة وزير الداخلية منع نشر صور العنف البوليسي عبر تقنين ذلك والحد من حرية الصحافة والنشر. وكانت مسألة العنف البوليسي محل نقاش منذ سنين وهاهي تعود إلى السطح كلما تعرض شخص للعنف المبرح الذي يخلف جروحا جسيمة وفي بعض الحالات القليلة يؤدي إلى الموت.

وأمام حدة الاستنكار و استغراب الجميع بشدة للعنف المسلط دون موجب ضد اللاجئين وضد المنتج الموسيقي أعلن الرئيس ماكرون عن تنديده بذلك وطالب بإرساء «شرطة جمهورية» و قال وزير الداخلية، وهو النجم الطالع في الحكومة، الذي ظهر على شاشات التلفزيون مكسور الأجنحة، أنه فصل القائمين بهذه الأعمال مع تعبيره عن مساندة للشرطة التي تكون خدمة أمن الشعب. وقامت الوزارة بفتح تحقيق في الموضوع قبل أن تقوم بوضع 4 أعوان مشتبه في ضلوعهم في أعمال العنف في الإيقاف التحفظي والتحقيق معهم.

جدل قائم وتراجع حكومي
ونددت مختلف الأوساط السياسية بالعنف البوليسي وطالبت أحزاب المعارضة اليسارية بفصل الأعوان المشتبه فيهم من سلك الشرطة وحل تفقدية الأمن وبعث جهاز تفقد مستقل عن وزارة الداخلية. وتعتبر الجمعيات الحقوقية أن تفقدية الأمن التابعة للوزارة هي في الأخير جهاز يعمل من أجل حماية الشرطة ولا يمكن أن يكون طرفا في النزاع وحكما في آن واحد. وراجت مثل هذه الآراء حتى في صلب الحزب الحاكم وداخل البرلمان في صفوف نواب الحزب الرئاسي «الجمهورية إلى الأمام».

وقرر الوزير الأول الفرنسي عقب الفضيحة المنشورة على شاشات التلفزيون إحالة القانون الجديد حول «الأمن الشامل» إلى المجلس الدستوري للبت في دستوريته. وأعلن عن تكوين لجنة متناصفة تشارك فيها جهات مختلفة من الشرطة والصحفيين والمجتمع المدني للنظر في صيغة جديدة توافقية تحمي الشرطة وتحافظ في نفس الوقت على الحقوق و في مقدمتها حرية الصحافة. هذه الخطوة تزيد في إضعاف وزير الداخلية جيرالد درمانان الذي أصبح محل مساءلة بعد أن رفض تغيير مشروع القانون وأصر على تمريره. وتقول أوساط مسؤولة أنه فقد دعم الرئيس ماكرون في هذه القضية وأنه عليه أن يتعامل مع الوضع بطريقة أكثر تفهما. ويعيب الملاحظون على توجه الحكومة التسلطي الذي يساير منذ مدة توجهات و أطروحات أحزاب اليمين المتطرف في إطار السباق الانتخابي القادم في الرئاسية والتشريعية لعام 2022 وهو ما لا يخدم النظام الديمقراطي في صورة صعد اليمين المتطرف إلى سدة الحكم لأنه سوف لن يتأخر لاستغلال ذلك القانون للحد من الحريات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115