طريق العلم يكسر: كل قيود الأسر

بقلم الأسير الفلسطيني أسامة الأشقر
منذ أكثر من خمسة عشر عاما قررت الالتحاق بالتعليم الجامعي، وكانت رغبتي أن أبدأ بإعادة الثانوية العامة لتحسين المعدل العام الذي حصلت عليه

قبل سنة من اعتقالي، وبالفعل طلبت من عائلتي أن تقوم بتسجيلي لدى وزارة التربية والتعليم لكي أقدم الثانوية العامة فقام أخي أشرف بتجهيز أوراقي للذهاب إلى مقر الوزارة في مدينة طولكرم بغية تسجيلي.
وفي الطريق إلى مدينة طولكرم اعترضه حاجز لقوات الاحتلال الإسرائيلي وعندما طلب ضابط المخابرات هويته اكتشف أنه أخي، فسأله إلى أين تذهب فقال له لمدينة طولكرم كي أسجل أسامة في الثانوية العامة عندها طلب الضابط من أشرف النزول من السيارة واحتجزه ومن ثم نقله للتحقيق فبدل أن يقوم أشرف بتسجيلي للثانوية العامة أمضى أربعين شهراً داخل سجون الاحتلال كرد فعل انتقامي على سعيه لتسجيلي بالثانوية العامة.

بعد ذلك بثلاث سنوات طلبت من أهلي أن يقوموا بتسجيلي مرة أخرى، وفعلاً قاموا بذلك. وقدمت امتحان الثانوية العامة وكان ذلك في سجن بئر السبع في العام 2007، حيث كان يحضر معلمون من الضفة الغربية لمتابعة إجراء امتحان شكلي للأسرى داخل السجون، فكنت ممن ساعدوا الأسرى على الإجابة على مجموعة المقررات. وبعد أشهر تفاجأت بأنني لم أنجح في اجتياز الامتحان، وبعد ذلك العام وبحجة اختطاف جلعاد شاليط قامت إدارة سجون الاحتلال بمنع امتحان الثانوية العامة ومنع الجامعة نهائياً عن الأسرى، إضافة إلى عديد الإجراءات العقابية، فبدأنا بالمطالبة من الجهات المختصة بالسماح لنا لإجراء الامتحان داخل السجون والالتحاق بالجامعات الفلسطينية، هذه المطالبات استمرت منذ العام 2008 حتى العام 2015 هذا العام الذي سمح للأسرى فيه بالتقدم لامتحان الثانوية العامة والدراسة الجامعية.

خلال هذه السنوات الطويلة حاولت عدة مرات الالتحاق بالجامعة العبرية ففي العام 2008 اجتزت أول فصل في الجامعة العبرية بمعدل 82 وفي الفصل الثاني قمت بتسجيل مادتي الشرق الأوسط والصهيونية على أمل أن أكمل في هذه الجامعة، وبعد ثلاثة أشهر من الدراسة الطويلة الشاقة، حضر نائب مدير سجن عسقلان وأبلغني بأنه يعلم أن هذا الإجراء غير قانوني ولكنه يصر على منعي من إكمال دراستي وهكذا فقد تم منعي للمرة الثالثة من إكمال الدراسة الجامعية. انتظرنا طويلاً وكما قلنا سالفاً حتى العام 2015 عندما وافقت وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي على منح الأسرى فرصة الدراسة في جامعة القدس المفتوحة، فتم تشكيل لجان تدريسية في مختلف السجون الإسرائيلية وكانت هذه اللجان تتشكل من الأسرى أنفسهم والذين يحملون شهادات جامعية حيث قاموا بالإشراف على سير العملية التعليمية باقتدار.

وبحكم معرفة الأسرى بي تم تكليفي بأن أكون على رأس تلك اللجان التعليمية على الرغم من عدم إكمالي للدراسة الجامعية، وفعلاً قمنا بالإشراف على العملية التعليمة واستطعنا بالإضافة إلى الثانوية العامة الاستمرار بالتعليم الجامعي وإعطاء مجموعة متنوعة من الدورات الثقافية في الصحافة والإعلام والعلاقات الدولية والخدمة الاجتماعية وبعض اللغات كالعبرية والإنقليزية وتاريخ فلسطين. واليوم يستمر مجموعة من الأسرى بالالتحاق بالجامعات الفلسطينية في مسارات مختلفة . وفي كل يوم يثبتون قدرتهم على تجاوز مختلف الصعوبات التي تضعها إدارة سجون الاحتلال لمنعهم من تطوير ذواتهم. اليوم وبعد ثمانية عشر عاماُ على اعتقالي وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً على محاولتي الأولى للالتحاق بالجامعة وبعد أن دفع أخي أشرف ضريبة دراستي أربعين شهراً في سجون الاحتلال، وبعد الكثير مما تعرضت له من عمليات النقل وسحب المواد الدراسية والتضييق علينا خلال المحاضرات وأثناء الامتحانات، استطعت مع مجموعة من الأسرى الأبطال الحصول على شهادة البكالوريوس في تدريس الاجتماعيات من جامعة القدس المفتوحة بتقدير جيد جيداً.

هذه الجامعة التي نكن لرئيسها ولطاقمها التعليمي والإداري كل المحبة والاحترام على خطوتهم الجريئة والتي كسرت عديد الحواجز التي كانت تحيط بمستقبلنا قبل معاصمنا. فشكراً وألف شكر لكل من سعى وبذل جهداً أو وقتاً أو عرقاً لكي يكمل الأسرى دراستهم الجامعية داخل سجون الاحتلال.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115