الكاتب والمحلل السياسي اللبناني عبد الوهاب بدرخان لـ«المغرب»: العالـم سيعاني لفترة قد تطول أو تقصر من استمرار «الترامبية» حتى مع وجود رئيس جديد في البيت الأبيض

• لا شك أن تغيير الرئاسة الأمريكية لخطابها تجاه الأمريكيين وحتى تجاه العالم يمكن أن يهدّئ من الصراعات القائمة
• بايدن أعطى الأولوية لمواجهة جائحة كورونا التي ضربت الاقتصاد الأمريكي والعالمي

تطرق الكاتب والمحلل السياسي اللبناني عبد الوهاب بدرخان في حديثه لـ«المغرب» الى أولويات الرئيس الأمريكي جو بايدن وسياساته المتوقعة داخليا او خارجيا. معتبرا أنّ في مقدمة هذه الهموم والأولويات مكافحة وباء كوفيد 19 ، فقد أعطى بايدن الرئيس المنتخب أولوية لهذه المشكلة التي ضربت الاقتصاد الأمريكي والعالمي. ومن جملة التغيرات المتوقعة أن تكون هناك علاقة أكثر هدوءا وتنسيقا وجدية مع الاتحاد الأوروبي في العمل على العديد من الأصعدة سواء في مسألة أزمة المناخ أو في ملف الحلف الأطلسي وتطويره والحفاظ على تماسكه وتنسيق السياسات عموما حتى بالنسبة إلى إيران والشرق الأوسط عموما بحيث تكون هناك إنتاجية أفضل لهذا التنسيق .

• ما توقعاتكم بخصوص السياسة الأمريكية الجديدة في عهد بايدن ومالذي سيتغير؟
سيعاني العالم لفترة قد تطول او تقصر من استمرار «الترامبية» حتى مع وجود رئيس جديد في البيت الأبيض. لأن «الترامبية» كرسّت الانقسام الداخلي في الولايات المتحدة وهو انقسام له جذور اقتصادية فضلا عن وجود جذور شعبوية ذات علاقة بصراع المكونات في المجتمع. لذلك فان كل هذه المؤثرات التي استخدمها ترامب لتكريس خطه السياسي كانت موجودة وهي باقية وأعتقد بأن الحزب الجمهوري سيحافظ عليها لكي يبني عليها شعبيته والاستمرار فيها لكي يخوض معركته الرئاسية المقبلة لعام 2024. قد يغير الحزب الديمقراطي الكثير لكنه يعاني من مشاكل داخلية بنيوية لا تساعده على تقديم رؤية شاملة يمكن أن ترضي كافة الفئات الأمريكية .
لا شك ان تغيير الرئاسة الأمريكية لخطابها تجاه الأمريكيين وحتى تجاه العالم يمكن ان يهدّئ من الصراع القائم لكنه لن يقضي على الانقسام. وهذا يساهم في حد ذاته خلق أجواء جديدة في الولايات المتحدة لا يكون فيها التركيز على العنصرية والفئوية ومحاربة الإسلام او معاداة هذه الفئة او تلك، نظرا الى اختلاف الهموم لدى الشعب الأمريكي. وستكون طبعا في مقدمة هذه الهموم والأولويات مكافحة وباء كوفيد 19 وقد أعطى بايدن الرئيس المنتخب أولوية لهذه المشكلة التي ضربت الاقتصاد الأمريكي والعالمي. وأصبحت مكافحة الفيروس والنهوض بالاقتصاد مهمة مزدوجة يريد التصدي لها قبل كل شيء وهي التي ستحدد عمليا مسار رئاسته لأربع سنوات قادمة. وسيعطي المشاكل الأخرى الأهمية التي تستحقها دون شك وفي كل الملفات سيكون هناك تغيير. طبعا واضح أن إدارة ترامب وإدارته لأزمة الفيروس لم تكن ناجحة في حين أن الاقتصاد قد حقق بعض النجاحات بناء على الخطة التي كان نفذها باراك أوباما خلال رئاسته وبنى عليها ترامب . والآن يريد بايدن أن يبني عليها من جديد مع التخلص من العقبات التي وضعها ترامب .

• وماذا عن التغيير الذي سيطرأ في عهد بايدن في الملفات الداخلية أو الخارجية؟
هناك عديد الاهتمامات التي سيتصدى لها الرئيس الجديد في المجالين الداخلي أو الخارجي. فبالنسبة إلى التعامل مع أزمة إيران سيعتمد على العقوبات وتأثيرها والتي فرضت خلال إدارة ترامب ولكنه لن يضيف إليها وقد يخفّف منها وفقا لما يراه أو تبادر إليه طهران من تنازلات أو ما شابه ذلك. ومن بين التغييرات أن الكثيرين يعتقدون ان أية إدارة ديمقراطية تهتم دائما بمسائل حقوق الإنسان والحريات وهذا قد يعود مع بايدن نظرا لأنه بدأ يعاني من بعض المشاكل المشابهة داخل أمريكا نفسها من خلال التعرض للأقليات . وفي السياسة الخارجية سيكون حازما مع العديد من الدول التي تمارس انتهاكات لحقوق الإنسان. ومن جملة التغيرات المتوقعة أيضا أن تكون هناك علاقة أكثر هدوءا وتنسيقا وجدية مع الاتحاد الأوروبي في العمل على العديد من الأصعدة سواء في مسألة أزمة المناخ او في ملف حلف الأطلسي وتطويره والحفاظ على تماسكه وتنسيق السياسات عموما حتى بالنّسبة إلى إيران والشرق الأوسط عموما بحيث تكون هناك إنتاجية أفضل لهذا التنسيق .
وإذا لم يتعمد مجلس الشيوخ بأكثريته الجمهورية وضع عقبات أمام بإيدن للحيلولة دون نجاحه، فإنّ التغيرات التي يريدها الرئيس الجديد ليست مستحيلة ولا صعبة لكنها تتطلب فقط شيئا من الاعتراف بالحقائق لا السعي دائما الى تجاوزها كما فعل ترامب في مقاربة ملفّ القضيّة الفلسطينية مثلا .وعلى صعيد عالمي أرى أنّ بايدن قد لا يختلف كثيرا في التعامل مع الصين وقد يبحث عن علاقة هادئة تجارية دون أن يسلّط سيف العقوبات على دول كبرى مثل الصين التي تزاحم الولايات المتحدة على المرتبة الأولى اقتصاديا في العالم . أما بالنسبة الى روسيا فقد لا يكون مجاملا لها كما كان ترامب .
وبالعودة إلى الأزمة الإيرانيّة قد يراهن الإيرانيون على تغيير في البيت الأبيض ولم يراهنوا على تغيير في توجهاتهم ومقارباتهم وفي كيفية التعامل مع مشاكلهم ومع سائر دول العالم . لذلك حتى لو أراد الرئيس الأمريكي ان يتخلص من هذه الأزمة وينهيها بشكل متوازن لمصلحة الطرفين فهذا يتطلب ان تكون هناك ارادة لدى الإيرانيين . فإذا كانوا جديين وتقدموا بمبادرات واضحة تريد فعلا انهاء هذا التشنج التاريخي بين ايران والولايات المتحدة الأمريكية سيجدون تعاونا كبيرا من واشنطن التي لا تنفي تقديرها لأهمية ايران على المستوى الاستراتيجي والاقتصادي والنفطي وغير ذلك . والدولة التي قد تعاني تركيا من رئاسة بايدن لأن الديمقراطيين الذين حاولوا كبح طموحها للتوسع وتوسيع نفوذها في الإقليم عادوا اليوم الى البيت الأبيض والى تقرير السياسة الدولية . فتركيا ستجد انها لن تستطيع أن تواصل سياستها التي تتبعها حاليا سواء في شرق المتوسط او في ليبيا او حتى اذربيجان فضلا عن شمال سوريا . هناك نظرة الى تركيا بأن لديها وظيفة بأن تكون حاجزا صد للنفوذ الروسي سواء أيام الاتحاد السوفياتي أو الآن. لكن تركيا خطت خطوات واسعة نحو نوع من التحالف ومن التنسيق العسكري والسياسي والإستراتيجي مع روسيا وهذا لا يعتبر مريحا لأية ادارة أمريكية لكن ترامب تعايش مع ذلك واستطاع ان يحقق مع أردوغان بعض السياسات التي لم تتضح بعد نتائجها .

• وبالنسبة للقضية الفلسطينية هل ستنتهي صفقة القرن برأيكم؟
بالنسبة للملف الفلسطيني، من المتوقع أن بايدن لن يبقي على صفقة القرن على الأقل بحالها الراهنة وبنصوصها التي أقرّها ترامب. فهو يريد إعادة الفلسطينيين إلى التفاوض ولكنه لن يستجيب لشروطهم السابقة بأن يسحب الإعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» او نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وهذا قرار اتُخذ ولا عودة عنه . هناك احتمال أيضا بان يلجأ بايدن وإدارته طبعا إلى بعض الوسطاء الأوروبيين والعرب أيضا وغيرهم للتدخل لدى السلطة الفلسطينية التي قد تقتنع بأنه لن يكون هناك مؤتمر دولي للسلام كما تريد لأنّ أمريكا وإسرائيل ترفضان مثل هذا المؤتمر. وبالتالي قد يقدم بعض المغريات للسلطة الفلسطينية لكي تعود الى التفاوض وقد يمارس بعض الضغوط على «إسرائيل» لكي يكون تفاوضا مجديا .

• هل ستبدأ -إذن- مرحلة انهاء الحروب في عديد المناطق الساخنة في العالم مثل الشرق الأوسط وغيره؟
مع الولايات المتحدة وروسيا والدول الكبرى عموما لا يمكن الحديث عن انهاء حروب حتى لو لم تكن هذه الدول هي التي أشعلتها. وعلى العكس ومن ذلك حيثما توجد امكانية لنشوء حروب فإنّ الدول الكبيرة تعتبر نفسها المستفيد الأول وتحاول ان تستفيد إلى أقصى حد كما فعلت عندما بدأت حرب اليمن عام 2015 كانت الدول تتشاور وتتزاحم لتعرف هامش الاستفادة والصفقات التي يمكن أن تعقدها مثلا مع المملكة العربية السعودية وهذا هو منطق الدول الكبرى .
وللأسف تحدد الدول موقفها من الحروب بمقدار ما تقدّر أن لديها مصالح في الحروب سواء خلال اشتعالها او فيما بعد، أو الأوضاع التي ستترتب عنها كما تفعل عديد الدول حاليا نسبة الى الصراع الليبي . هناك تزاحم محموم على اقتصاد ليبيا بنفطها وبمواردها الطبيعية وبالإمكانات التي تتوفر لها. بالنسبة الى مشاريع اعادة البناء وتحديث البنية التحتية وليبيا بلد واعد في هذا المجال لذلك فان الحروب تقف فقط عندما يرتسم خط يجمع بين مصالح العديد من الدول فهي التي تتغلب وهي التي ستفرض السلام المرتقب .

• برأيكم هل ستخفّ قليلا موجة الشعبوية التي رأيناها مع ترامب وغيره من الرؤساء في الغرب؟
أعتقد أن هذه الشعبوية ليست متأتية فقط من صراعات داخلية سواء كانت عرقية او اثنية او ذات علاقة بالأديان. هذه الشعبوية جاءت من ترويج العديد من الكتّاب الكبار والفلاسفة والمحللين أن الوضع الاقتصادي عائد للتداخل بين الأجناس . هذه الظاهرة نجدها ليس فقط في الولايات المتحدة بل في اوروبا وهي ظاهرة موجودة في العالم العربي وفي كل البلدان عندما كانت هناك مرحلة جربت فيها الشعوب الكثير من النماذج لكي تتحصل على استقرارها وعلى رفاهيتها ولكن عندما زادت المشاكل الاقتصادية أصبحت الصراعات الاجتماعية هي التي تحدد الوجهة .
صحيح أن هذه الموجة الشعبوية تتطلب قادة لا يشجعون عليها ولا ينفخون في نيرانها ولا يستفيدون منها ولا يشعلونها لكي يستفيدوا منها سياسيا وهي تتأتى من السياسات التي تتبعها الدول لتحسين الأداء الاقتصادي ولتوفير نوع من السلام الاجتماعي والترويج بنفس الوقت لثقافة أخرى ليس بشكل اصطناعي إنما بالممارسات التي يقوم بها القادة أنفسهم .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115