ما هو برنامج جو بايدن لأمريكا والعالم؟ بين النظرة إلى المستقبل وترميم ما أفسده دونالد ترامب

في طريقه إلى البيت الأبيض، رسم جو بايدن المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية برنامجه السياسي انطلاقا من كتاب نشره تحت عنوان “الوفاء إلى الوعود”

عدد فيه مقترحاته لولايته الأولى المنتظرة ولمشروعه السياسي العام. ما صرح به خلال الحملة الانتخابية لم يركز على كل جوانب البرنامج بل اقتصر على محاصرة دونالد ترامب في القضايا التي أصبح فيها شبه إجماع في المجتمع الأمريكي وهي شخصية دونالد ترامب المضطربة ونزعته الانعزالية وعدم قدرته على إدارة جائحة كورونا لصالح المواطن الأمريكي.

تبقى الوعود الانتخابية غير قادرة للتحقيق تماما في صورة احتفظ الحزب الجمهوري بأغلبية في مجلس الشيوخ في حين تظهر الأرقام أن الحزب الديمقراطي الذي حصل إلى هذا الوقت على 213 مقعد في مجلس النواب. في هذا السيناريو جو بايدن، الذي اعتاد في مسيرته السياسية الطويلة البحث على التوافق مع خصومه السياسيين لإدارة الشأن العام، سوف يجد صعوبة في «التفاهم» مع الجمهوريين الذين، بحكم تغيير طاقم نوابه، هم في توافق شبه تام مع آراء وسياسات دونالد ترامب الراديكالية. وهو ما يجبره على التخلي عن بعض جوانب برنامجه أو تليينه ليصبح مقبولا من قبل مجلس الشيوخ.

لكن رئيس الولايات المتحدة القادم له «خصوم داخليون» في حزبه يعتبرون «يساريين» أي تحت زعامة برني سندرس ومجموعة من النواب في الكونغرس يدافعون على سياسات «شعبية» ترعا مصالح الفئات الضعيفة المنسية تاريخيا مثل السود ة اللاتينيين والآسيويين وتلك التي، في المناطق الداخلية للولايات ساندت دونالد ترامب لآنه وعدها بتغييرات سياسية لصالحها. جو بايدن سوف يجد نفسه يسن نارين في موقع، وهو الوسطي المعروف، يعرف مداخله ولا بد له ان يظهر حنكة سياسية ليلائم مشاريعه مع مخرجات التوجهات الحزبية المتضاربة من أجل، حسب تعبيره، «إعادة بناء» الولايات المتحدة «إلى الأفضل».

ترميم البيت الداخلي الأمريكي
البرنامج الرئاسي تمحور، في مجمله، حول محورين أساسيين تعلقا بالنهوض بالاقتصاد لضمان مواطن شغل ومنافسة القوى الجديدة في مقدمتها الصين والعمل في اتجاه احسين الوضع الاجتماعي للفئات الضعيفة. أهم التصريحات التي أدلى بها جو بايدن هي وعده بأن يعلن يوم انتخابه على الرجوع إلى اتفاق باريس «كوب 21» حول المناخ الذي انسحب منه دونالد ترامب والذي له تبعات على المستوى الداخلي. هذه المسألة تبدو جوهرية في توجه بايدن الاقتصادي حيث أكد أن إدارته سوف تستثمر خلال السنوات الأربعة لولايته 2000 مليار دولار لتطوير وسائل النقل الكهربائي ودعم تطوير المباني وقطاع الآلات الكهربائية في كل المجالات منها التكنولوجيات الحديثة و الذكاء الاصطناعي و التطبيقات الرقمية التي تنافس الصين فيها بصفة كبيرة الولايات المتحدة. ويعتقد بايدن أن ذلك سوف يخلق مليوني موطن شغل في «الاقتصاد الأخضر».

الاستثمارات المبرمجة سوف تخدم مشاريع اجتماعية في طليعتها عزم الرئاسة الجديدة على الرفع في الأجر الأدنى من 7،5 دولار في الساعة إلى 15 دولار وتركيز الضرائب على مرتفعي الدخل (في حدود مليون دولار سنويا) و ما فوق و اخضاع المؤسسات الاقتصادية إلى ضريبة تصل إلى 28% (مقابل 21% الآن). و لرمج بايدن 700 مليار دولار لدعم اٌقتصاد الإنتاجي الأمريطي مع تخصيص 400 مليار دولار لشراء مواد « من صنع الولايات المتحدة الأمريكية». و يتوقع أخصاء الإدارة الجديدة أن تتمكن الحكومة من إعادة مواطن الشغل التي فقدت جراء جائحة كورونا و خلق مواطن جديدة تصل في الإجمال إلى 5 ملايين موطن شغل في الأربعة سنوات القادمة.
اما الموضوع الحساس الآخر فهو يتعلق بالضمان ضد المرض لا في صيغة «أوباما كار» التي غير دونالد ترامب محتواها، بل في إطار توسيع رقعة المنتفعين بالضمان الاجتماعي و ذلك تلبية لرغبة الشق اليساري للحزب الذي ناضل عن طريق برني سندرس من أجل ذلك. و يهدف مشروع بايدن إلى اقتراح ضمان صحي لكل الأمريكيين على ألا يفوق الاشتراك 8،5 % من الدخل الشهري. و من ناحية أخرى أكد جو بايدن أن إدارته سوف تعمل على أخذ كل الإجراءات اللازمة للقضاء على جائحة كورونا و من ذلك أن تركو 10 مراكز صحية جديدة للفحص في طل ولاية و تنتدب 100 ألف موظف جديد لهذا الغرض في مرحلة أولى.

سياسة إنسانية لفائدة ضعاف الحال
و يهدف برنامج جو بايدن إلى العمل على تقليل الفوارق بين الطبقات و الفئات الاجتماعية بإعانة ضعاف الحال في مجالات الصحة و التعليم و التأطير من أجل الحصول على شغل. و يقترح أن يصبح في هذا الإطار التعليم الجامعي مجانيا لفتح الآفاق أمام العائلات التي لا يتعدى دخلها 125 الف دولار سنويا وهو اجراء يمس 90% من السود و اللاتينيين و الهنود. الجانب الآخر الذي هو محل عناية في برنامج بايدن يتعلق بالهجرة، فقد صرح خلال الحملة الانتخابية أنه سوف يعمل على عدم تفريق الأطفال المهاجرين من عائلاتهم بل على إرجاع العمل بالتقارب العائلي. واعتبر أن على الولايات المتحدة مهمة إنسانية لا بد أن تقوم بها، خلافا لما أظهرته إدارة دونالد ترامب. و يعتزم تسوية وضعية 11 مليون مهاجر في حالة غير قانونية وهم من صنف «الحالمين» بالحلم الأمريكي دخلوا الولايات المتحدة وهم قصر و لم يجدوا أي حل قانوني لتسوية وضعياتهم. و أخيرا قرر وقف بناء الحائط العازل مع المكسيك و إقرار استقبال 120 الف مهاجر سنويا بصورة قانونية.

نحو استرجاع ريادة البيت الأبيض دوليا
كل الإجراءات المبرمجة على المستوى الداخلي تتلاقى مع إرادة استرجاع «الزعامة» على المستوى الدولي وإعادة الثقة في البيت البيض. أهم التوجهات المعلنة استرجاع الدور الريادي الأمريكي في أمهات القضايا الدولية. وذلك يستلزم الرجوع إلى اتفاق باريس وإلى منظمة الصحة العالمية من أجل العمل على القضاء على فيروس كورونا بصورة جماعية. هذا التوجه يفرض تفكيك كل الإجراءات التي اتخذها دونالد ترامب خلال أربعة سنوات. من ذلك الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران على شرط أن تحرص طهران على الالتزام هي الأخرى بشروطه.
وينسحب التوجه الجديد على إعادة العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين والحلفاء في القارة الآسيوية. وذكر بايدن أن إعادة العلاقات الاقتصادية مع أمريكيا الجنوبية يتزامن مع إعادة صياغة السياسات تجاه فينزويلا وسوربا وأفغانستان. لكن باليدن أكد مرارا على عزمه أن تداففع الولايات المتحدة على التوجهات الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وذلك بتصديها للدكتاتوريات و بتشجيعها للدول التي تختار التحولات الديمقراطية.

كامالا هاريس والقضية الفلسطينية
ربما أهم المتغيرات القادمة تكمن في منطقة الشرق الأوسط إذ صرحت كامالا هاريس المرشحة لنيابة الرئيس لصحيفة «العرب الأمريكان نيوز» أنها تساند شخصيا إعادة صياغة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط و أنها متفقة مع جو بايدن في مسائل هامة أولها «حل الدولتين» قائلة :»سوف نتصدى لكل الإجراءات الأحادية التي تهز هذا التوجه. سوف نتصدى لعمليات ضم (الأراضي الفلسطينية) وتوسيع المستوطنات». وقالت إن الإدارة الأمريكية الجديدة تحت رئاسة بايدن سون «تستأنف فورا» الإعانات للفلسطينيين في غزة ولمنظمة الإغاثة الدولية. وتعرف كامالا هاريس، المتزوجة من يهودي، أنها تدافع بشراسة على حق اليهود في دولة «إسرائيل» لكن ذلك لم يمنعها من مساندة حل توافقي يضمن السلام في المنطقة.
ويأتي هذا التوجه في إطار علاقات التطبيع الأخيرة بين «إسرائيل» و بعض دول الشرق الأوسط في ظل الإدارة دونالد ترامب. وأضافت هاريس أنها متفقة مع جو بايدن على أن تغير المملكة العربية السعودية من تعاملها مع حقوق الإنسان على ضوء مقتل الصحفي جمال خاشقجي. هذا التوجه المعلن سوف يغير، إن تم فعلا، المشهد الجيو سياسي في المنطقة العربية التي تشهد تقلبات إقليمية ودولية منذ عدة سنوات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115