الباحث في الفلسفة السياسية رامي الخليفة العلي لـ«المغرب»: «الجالية المسلمة في فرنسا تقبع بين غضب يجتاح العالـم الإسلامي تجاه فرنسا وبين خطاب يميني متطرف يستهدفها في الداخل»

من عملية ذبح أستاذ التاريخ إلى الهجوم الذي استهدف كنيسة نوتردام بمدينة نيس ، تلك الأحداث ساهمت في رفع صوت اليمين المتطرّف وخلّفت احتقانا وغضبا على مستوى الشارع وعلى مستوى الطبقة السياسية ستظهر تأثيراته على الجالية المسلمة قريبا .
• أولا لو تقدمون لنا قراءتكم للأحداث الأخيرة التي هزت فرنسا، وما أصداؤها في الشارع السياسي الفرنسي ؟
الأحداث الأخيرة التي عصفت بفرنسا بدءا بعملية ذبح أستاذ التاريخ وصولا إلى الهجوم الذي استهدف كنيسة نوتردام بمدينة نيس. تلك الأحداث ساهمت في رفع صوت اليمين المتطرّف لا بل إنّ البعض من يمين الوسط بدأ يعرض خطابا يتسم بالعنصرية ويقترب كثيرا من خطاب اليمين المتطرّف.
وقد ساهمت الأحداث الأخيرة في زيادة التوتر على المستوى الاجتماعي. طبعا لا نعدم أن نرى أحداثا انتخابية وسياسية خصوصا الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في شهر أكتوبر والذي تحدث خلاله عن الانعزالية والإسلامية أو ماسماها الانفصالية، هذا الحقيقة ساهمت كثيرا في زيادة التوتر على الصعيد الاجتماعي وصب الزيت على النار في العلاقة مابين فرنسا وتركيا .

صحيح هناك الكثير ممن لا يتفقون مع الرئيس ماكرون إلا أنّ هناك شعورا لدى شريحة واسعة من الفرنسيين بأن قيم الجمهورية مهدّدة وخصوصا حرية التعبير وهذه القيم قد ضحى من أجلها الكثير من الفرنسيين لعقود وقرون طويلة لذلك لا يمكن التخلي عنها تحت أي ظرف من الظروف .
طبعا هنالك سوء فهم لتعابير الرئيس ماكرون الذي كان يستهدف الإسلام السياسي أو الإسلام المتطرف لكن الصورة بدت في الإعلام وكأنها تشمل الدين الإسلامي ككل والمسلمين ككل، وساهم في ذلك الاستغلال السياسي من قبل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مما زاد الصورة تعقيدا.
بعد الهجوم الإرهابي هناك احتقان على مستوى الشارع وعلى مستوى الطبقة السياسية هنالك انتظار لما سوف تؤول إليه هذه الأزمة خصوصا أن الأمر لم ينته حتى الآن.. ومازال هناك خطاب معاد لفرنسا نجده في أوساط كثيرة من العالم الإسلامي وهناك دعوات للمقاطعة كل ذلك الحقيقة يشي بأن الأزمة ستطول خلال الفترة القادمة .
• هل ستكون لهذه التطورات تأثيرات على الجالية المسلمة في فرنسا ؟
تشعر الجالية المسلمة أنها مستهدفة وأنها وضعت في الزاوية، طبعا الأغلبية الساحقة لا -بل المطلقة- ترى بأن ما قام به الشاب الذي هاجم كنيسة نوتردام وكذلك الشاب الشيشاني الذي هاجم معلم التاريخ، تعتقد أن هذه الأحداث أحداث إجرامية إرهابية لذلك سارعت الجالية برموزها وبمؤسساتها إلى إدانة هذه الأحداث. كما رفضت الربط بين الإسلام والإرهاب وبالتالي وجدت الجالية المسلمة نفسها بين غضب شديد يجتاح العالم الإسلامي من فرنسا ومابين خطاب يميني متطرف يستهدفها من مارين لوبان وغيرها من أصحاب الخطاب اليميني المتطرف .
تريد هذه الجالية ان تعيش بأمن وسلام بعيدا عن هذه التوترات وهي تعاني كغيرها من شرائح المجتمع الفرنسي من صعوبات اقتصادية وبالتالي التأثيرات كبيرة على الجالية .والى الآن لم يتم توجيه أي خطاب لهذه الجالية طبعا كان هناك إشارة من الرئيس ماكرون في كلمته أمام كنيسة نوتردام في نيس دعا خلالها إلى الوحدة الوطنية وإلى الوحدة بين الفرنسيين باختلاف انتماءاتهم وارتباطاتهم، ولكن ذلك قد لا يكون كافيا لطمأنة الجالية التي تشعر بالكثير من القلق وهناك بعض الأنباء التي تشير إلى تزايد الأعمال العدائية تجاه هذه الجالية وفي نهاية المطاف فرنسا دولة مؤسسات ودولة القانون وبالتالي هناك قانون يحمي المقيمين على الأراضي الفرنسية .
• دخلت فرنسا في مرحلة جديدة من الحرب ضد الإرهاب ،برأيكم هل ستشهد السياسة الفرنسية مزيدا من التغييرات في مواجهة التطرف؟
أعتقد أنّ هنالك الكثير من التغييرات في مسألة الحرب على الإرهاب ففرنسا تشن هذه الحرب عمليا منذ بداية العام 2015 مع هجمات شارلي ايبدو وهجمات باريس في نفس وبالتالي الحرب ضد الإرهاب مستمرة ، هناك حرب على المستويين الأمني والعسكري وهنالك أيضا حرب على المستوى السياسي.ففرنسا تشارك في التحالف الدولي لمحاربة «داعش» الإرهابي وشاركت في عمليات عسكرية في دول الساحل والصحراء وبالتالي اعتقد أن هذه الحرب ستستمر. وقد يكون التأثير على السياسة الفرنسية في الداخل لان فرنسا والرئيس ماكرون يقترح أن تكون هناك قوانين تجفف المنابع والمحاضن الأيديولوجية للإرهاب لذلك نتوقع تشديد التعامل مع الكثير من الجمعيات التي تمثل مدخلا لانتشار الفكر المتطرف على مستوى الداخل . إذ تتعهد الحكومة الفرنسية بأن تكون هناك سياسة تعمل على الحد من الفكر المتطرف وهذا متوقع خلال الفترة القادمة ، إلاّ أن مدى نجاح ذلك وتأثيراته على الجالية المسلمة وكل هذه الأسئلة ماتزال مطروحة على صعيد الطبقة السياسية الفرنسية .
• هل سنشهد سياسة أوروبية تشاركية في مواجهة التطرف الديني ؟؟
على المستويين الأمني والاستخباراتي والتعاون نشهد ذلك على مستوى كيفية التعاون مع الجماعات المتطرفة هذا الأمر يختلف من دولة إلى دولة، هناك بعض الدول التي ينتشر فيها أو يحكمها اليمين الشعبوي وقد تنتهج سياسات في كثير من الأحيان تسعى للتعميم لتشمل الصورة السلبية لكل المسلمين المهاجرين، إلا أنّ فرنسا لم تصل إلى هذه المرحلة وان كان هناك خطاب يميني ترتفع حدته في أوساط معينة لكن أوروبا -باعتقادي - سوف تحاول خلال الفترة القادمة الوقوف في وجه الإرهاب ولكن بالتماشي مع اختلافات وخصوصيات كل بلد أوروبي .
• هل بات العالم اليوم يعيش حربا دينية مسيّسة في رأيكم؟
لا أعتقد أننا وصلنا إلى حالة الحرب الدينية أو الحرب المقدسة ولكن نشهد الآن وبشكل كبير استغلال الدين في الخطاب الشعبوي، سواء في العالم الإسلامي إذ كرس الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ذلك في تعامله مع الغرب أو مع الدول العربية كما كرست إيران ذلك عبر الدولة الدينية التي أنشأتها، طبعا على مستوى الغرب نشهد كذلك بعض حركات اليمين المتطرف وبعضها ذات أبعاد دينية . كما نشهد ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية .
نحن نشهد موجة يمينية شعبوية متطرفة في بعض الأحيان على مستوى العالم لكن الحرب الدينية لا أظن أن أحدا معني بالوصول إليها، طبعا تنشأ قضايا وتنشأ خلافات ويمكن أن يستغلها بعض السياسيين لكن في نهاية المطاف هنالك المصالح الإستراتيجية والاقتصادية تلك التي تفرض نفسها في العلاقات بين الدول أكثر من كونها خلافات
بين فرنسا وتركيا يوجد خطاب عالي النبرة من أردوغان تجاه ماكرون باسم الدين وباسم الدفاع عن الإسلام، لكن تركيا تواجه فرنسا عمليا لأسباب متعلقة بليبيا وبشرق المتوسط وبسوريا والعراق وبالنزاع الأرمني الآذري وهي غير معنية بالجانب الديني، ولو كانت أنقرة معنية لقطعت علاقاتها بالصين بسبب أزمة الإيغور لكنها معنية بخلافات سياسية وإستراتيجية، وجاءت المسألة الدينية لتغطي على هذه الخلافات ولكي تمنح اردوغان المساحة لممارسة خطابه الشعبي والإيديولوجي .