وبذلك تنضمّ الخرطوم إلى قائمة الدول التي تبنّت مؤخّرا بشكل علني سياسة التطبيع العلني مع الجانب الصهيوني على غرار الإمارات والبحرين. وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم أمس الأول أنّ السودان و«إسرائيل» اتفقتا على تطبيع العلاقات بينهما وأشاد ساكن البيت الأبيض، بما اعتبره «انتصارا كبيرا للسلام في العالم»، مشيرا إلى أنّ «خمس دول عربية أخرى على الأقل ترغب في إقامة علاقات دبلوماسية مع «إسرائيل»، متوقعا أن تقدم السعودية على التطبيع».
ولاقت هذه الخطوة ردود فعل متباينة سواء على الصعيد الفلسطيني أو على الصعيد الدولي خاصة وأنها تأتي بعد أسابيع قليلة على قرار مماثل من الجانبين الإماراتي والبحريني. وربط مراقبون الموافقة السودانية على الدخول في مرحلة التطبيع الرسمي مع الكيان «الإسرائيلي» بالإعلان الأمريكي عن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بشكل رسمي، وذلك بعد تحويل السلطات الرسمية السودانية مبلغ 335 مليون دولار إلى واشنطن كتعويضات متفق عليها. وأوضح البيت الأبيض أنّ السلطات الانتقالية في السودان سددت مبلغ 335 مليون دولار في إطار اتفاق لتعويض أميركيين، ضحايا اعتداءات وقعت خلال حكم الرئيس عمر البشير الذي استمر ثلاثين عاما.
إلاّ أن هذا التوافق لم يقتصر -على مايبدو- على الجانب الاقتصادي والمالي بل تعداه إلى توافقات سياسية تم بموجبها دخول السودان إلى قائمة الدول المطبعة مع الكيان «الإسرائيلي» وذلك بعد سنوات من الرفض والمقاومة السودانية لمشروع الكيان الصهيوني الاستيطاني والذي توجته الخرطوم بـ«لاءات ثلاث» دخلت بها سياستها الرافضة للتطبيع التاريخ ، فالخرطوم، التي خرجت منها القمة العربية في 1967، بالتأكيد على أنه «لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع «إسرائيل»، حتى أنها اشتهرت بـ»عاصمة اللاءات الثلاثة»، انضمت، أمس الأول الجمعة رسميا إلى قافلة الدول الراكضة لإرضاء أمريكا والمتحالفة مع الجانب الصهيوني.
وتعتبر خطوة السودان مفاجئة للرأي العام الدولي إذ تأتي بعد أشهر قليلة من إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين عن تطبيع العلاقات بشكل رسمي مع الجانب «الإسرائيلي» رغم الرفض والتنديد الفلسطيني وتحفّظ الدول العربية واستنكار بعضها لهذا الإعلان الرسمي عن إقامة علاقات رسمية بين الدول الخليجية وكيان الاحتلال الإسرائيلي وذلك برعاية الطرف الأمريكي.وبالاتفاق الأخير، تصبح السودان الدولة العربية الخامسة ، بعد مصر والأردن والإمارات والبحرين، التي تعترف بـ’’إسرائيل’’ منذ عام 1948.
ويرى مراقبون أن التطبيع الإماراتي البحريني ومؤخرا السوداني ستليه خطوات مرتقبة من دول أخرى عربية وخليجية في إطار مساعي الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب لتمرير «صفقة القرن «المزعومة وفتح الآفاق أمام علاقات جديدة لحليفتها ‘’إسرائيل’’ وذلك ضمانا لمصالحها في الشرق الأوسط والخليج العربي في مواجهة المد والنفوذ الإيراني المتزايد ، وفي سعي من ترامب لتسجيل نقاط انتخابية على حساب منافسه جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر القادم وكسبا لود اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية.
ووفق متابعين للشأن العربي تزيد قرارات الدول العربية التي تبنت سياسة التطبيع،من ضبابية الموقف العربي من الصراع بين كيان الاحتلال وأصحاب الأرض الفلسطينيين ، إذ طالما طالب الفلسطينيون بموقف عربي قوي وداعم لقضيتهم إلاّ أن المواقف اقتصرت على بيانات التنديد والاستنكار في غياب أي تطبيق واقعي للتهديدات العربية. ويعتبر متابعون أن الدعم الأمريكي لـ«إسرائيل» اقتصاديا وسياسيا مقابل ضعف الموقف العربي زاد من تعقيدات الصراع بين المحتل والسلطة الفلسطينية .
مواقف متباينة
وفي سياق ردود الفعل المحلية والدولية اعتبر المجلس الوطني الفلسطيني اتفاق تطبيع السودان مع إسرائيل برعاية أمريكية «استخداما مرفوضا للقضية الفلسطينية، مقابل وعود وأوهام أمريكية وإسرائيلية، لن تجلب السلام والازدهار والتنمية للمنطقة بأكملها».
وشدد المجلس على أن «السلام والأمن والازدهار في المنطقة لن يتحقق إلا بقيام دولة فلسطين، ذات السيادة الناجزة، وعاصمتها مدينة القدس، والانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفقا للقرار 194».
وقد رحبت دولة الإمارات بقرار السودان مباشرة العلاقات مع إسرائيل ، ووصفته بـ «التاريخي».وقالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي ، في بيان صحفي اليوم ، إن قرار السودان في مباشرة العلاقات مع دولة إسرائيل يعد خطوة مهمة لتعزيز الأمن والازدهار في المنطقة، مؤكدة أن هذا الإنجاز من شأنه توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي والدبلوماسي.وأعربت عن أملها في أن يكون لهذه الخطوة أثر إيجابي على مناخ السلام والتعاون الإقليمي والدولي.