الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الطوسة لـ«المغرب»: «حادثة باريس منعطف خطير في طريقة تعاطي فرنسا مع الظاهرة الإرهابية ومع الخطاب الديني المتطرف»

• «فرنسا اليوم أمام تحد واضح ألا وهو تجفيف منابع الخطاب الديني المتطرف»

قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الطوسة لـ«المغرب» أن صدمة حادثة ذبح مدرس التاريخ جعلت السلطات الفرنسية تتخذ قرارات قوية لمحاربة العنف والتصدي لاستغلال الدين لأغراض سياسية ،وتابع أن فرنسا ستعمل على بلورة سياسة مشتركة لمحاربة الخطاب المتطرف بالتعاون دول المغرب العربي وستحاول إقناع هذه الدول بقبول المتطرفين المبعدين من أراضيها .

• بعد حادثة باريس الأخيرة ،هل دخلت فرنسا مرحلة جديدة من التعاطي مع ماوصفه ماكرون بـ«الإرهاب الإسلامي» ؟؟
دخلت فرنسا مرحلة جديدة من الأنشطة الإرهابية في إرهاب داخلي يأخذ كمسرح له شبكات التواصل الاجتماعي ، فحادث باريس الأخير يدخلنا في مرحلة جديدة لم نكن نعرفها وهي وجود ذئاب منفردة يمكن أن تلتقط أي رسالة من وسائل التواصل الاجتماعي لتتحرك . في الفترة الماضية كان هناك «إرهاب منظم» يخدم أجندات معينة ناتج عن منظمات كـ«داعش» و«القاعدة» وبعض المنظمات الإرهابية الأخرى، لكن الآن الأمر اختلف إذ بات باستطاعة أي كان أن يقوم بسلاح ابيض بتطبيق فتوى أطلقت على وسائل التواصل الإجتماعي من طرف متطرفين .
هذا «العهد الجديد» للإرهاب يُعسر محاربته من قبل الوحدات الأمنية، فكيف يمكن ملاحقة هذه الأفكار السوداء التي تهيّىء الأجواء لارتكاب هذه العمليات الإرهابية؟ هذا تحد كبير جديد للدول التي تنخرط في محاربة الإرهاب ، إذ كانت محاربة المجموعات الإرهابية تقتصر على هزمها ميدانيا ومنعها من نقل الأسلحة والمتفجرات ومنعها من الوصول إلى خلاياها النائمة لتلافي ارتكاب أعمال إرهابية.التحدي اليوم هو ملاحقة أي شخص يمكن أن يتأثر بفتاوى أو كلام تحريضي كتب على وسائل التواصل الإجتماعي، وهذا ما يزيد من تعقيد قضية الحرب على الإرهاب ويعطيها بعدا جديدا.

• هل تؤكد هذه الحادثة الموقف الفرنسي المتشدد تجاه الإسلام والذي أكدته التصريحات الصادرة عن قصر الايليزيه مؤخرا ؟
حادثة باريس منعطف خطير ونقطة فاصلة في طريقة تعاطي فرنسا مع الظاهرة الإرهابية ومع الخطاب الديني المتطرف، فهذا الحادث يؤكد كل المخاوف التي طرحتها وعبرت عنها فرنسا . فضمن شرائح معينة من المجتمع الفرنسي هناك عزم على فرض حقيقة دينية ومجتمعية بالقوة، وعندما كان ماكرون يتحدث عن الانفصالية كان يريد توجيه أصابع الاتهام إلى جماعات وأفراد وجمعيات لا تريد الاستمرار في العيش تحت سقف الجمهورية وتحت قانون الدولة بل تريد أن تفرض رؤياها ومقاربتها للقضايا الاجتماعية وقضية حرية التعبير .
الحادث الأاخير جسد هذه المخاوف وهو ما فرض على السلطات الفرنسية تغيير مقاربتها وطريقة تعاملها مع العمل الإرهابي، هناك اليوم تحد واضح وهو تجفيف منابع الخطاب الديني المتطرف. هذه الخطوات التي اتخذتها السلطات الفرنسية من حل بعض الجمعيات المتهمة بترويج هذا الخطاب المتطرف وتريد إبعاد كل الأشخاص المتطرفين أو المصنفين على قائمة الإرهاب من الأراضي الفرنسية. هناك وعزم فرنسي للقضاء على من ينتج ويصدر وينشر هذا الخطاب المتطرف على التراب الفرنسي وهي مهمة شبه مستحيلة لأنّ التحدي صعب ويستوجب رصد موارد مالية وبشرية كبيرة لملاحقة هذه الأوساط التي تروج للخطاب المتطرف.

• هل سيغذي خطاب ماكرون نزعة العنصرية ضد المهاجرين المسلمين في فرنسا؟
من بين الآثار الجانبية لهذه السياسة الفرنسية ولهذا الوضع الخاص في فرنسا النزعة الحاقدة على المسلمين والتي ستنتعش وستفرض خطابها على الإعلام وعلى الأوضاع في فرنسا.
لكن هناك من يراهن على أن الديمقراطية والجمهورية الفرنسية قادرة على امتصاص هذه النزعات الحاقدة وجعلها تنضوي تحت القانون لحماية حقوق المواطنين المسلمين الفرنسيين لممارسة شعائرهم الدينية في ظروف من الطمأنينة دون ضغط مبالغ فيه عليهم. لكن -صراحة- لا احد يستبعد أن تكون هناك تصرفات انتقامية وأجهزة الاستخبارات الفرنسية لا تستبعد ذلك، ودولة القانون المؤسسات ستحمي اتباع كل الديانات اليهود والمسيحيون والمسلمون.
لكن هناك مخاوف من أن تكون هناك موجة حقد كبيرة على المسلمين وعلى المهاجرين بصفة خاصة. فرنسا تعيش أجواء انتخابية سابقة للانتخابات الإقليمية في مارس المقبل والانتخابات الرئاسية هناك اليمين المتطرف الذي يحاول استغلال هذه الظرفية ليقصي منافسيه سواء من اليسار أو من الوسط مثل ماكرون وهناك أيضا من يريد أن يصب الزيت على النار لاستغلال هذه الحقبة الانتخابية لتحقيق مكاسب وهذا شيء يجب أن نأخذه بعين الاعتبار خاصة وان فرنسا تعيش فترة سباق انتخابي محموم يريد من خلاله اليمين المتطرف الفوز بقصر الإيليزيه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

• كيف ستكون العلاقات بين فرنسا والدول المتهمة بتمويل الجمعيات المتطرفة ؟
هناك قرار اتخذ من قبل السلطات الفرنسية لإعادة النظر بصفة جذرية في العلاقات مع الدول المتهمة إعلاميا بتمويل واحتضان هذه الجمعيات المتطرفة، والإشارة موجهة إلى قطر وتركيا بطريقة واضحة، وقال وزير الداخلية الفرنسي انه سيقوم بعدة جولات في دول المغرب العربي في محاولة لسن وبلورة سياسة مشتركة لمحاربة الخطاب المتطرف وفي محاولة لإقناع هذه الدول بقبول المتطرفين المبعدين من فرنسا. كما سيقوم جون ايف لودريان وزير الخارجية بجولات عربية خليجية لشرح السياسة الفرنسية ومحاولة تجييش هذه الدول وحثها على عدم الانخراط في تمويل واحتضان الخطاب المتطرف.

• أصدر وزير الخارجية الفرنسي قرارا بطرد 230 أجنبيا .. برأيكم هل هناك قرارات أخرى ستتخذها فرنسا في حربها ضد الخطاب الديني المتشدد ؟
هناك قرار اتخذ بحل جمعيات ناشطة في المجال الديني الفرنسي مثل التجمع لمحاربة الاسلاموفوبيا هناك حديث عن غلق «بركة سيتي» وعدة جمعيات سواء ثقافية أو دينية أخرى تملك السلطات ما يدل على أنها تروج وتحتضن وتتعاطف مع الخطاب الديني المتطرف بالإضافة إلى قرار الطرد، هذه الصدمة التي ضربت فرنسا جعلتها تتخذ قرارات قوية لمحاربة العنف واستغلال الدين لأغراض سياسية . لكن السؤال المطروح هل ستنجح باريس في هذه العملية وهل سترصد الوسائل البشرية والمالية الكافية لحوض هذه المعركة العملاقة في محاربة الخطاب المتطرف؟ الحقيقة هذا امتحان للرئيس ماكرون وللطبقة السياسية الفرنسية على حد سواء.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115