في العاصمة باريس وضواحيها وفي ثماني مدن كبرى فرنسية من الساعة التاسعة ليلا إلى الساعة السادسة صباحا ابتداء من السبت القادم و ذلك لمدة أربعة أسابيع على الأقل.
واتخذ هذا القرار بعد اجتماع المجلس العلمي ومجلس الأمن القومي يوم الثلاثاء وتدارس التقرير الرسمي قدمه، طلبا من الرئيس ماكرون، الأستاذ ديديه بيتي حول إدارة الأزمة الصحية منذ انطلاقها. واعتمد الرئيس على تطور الوضع الصحي الذي أشار إلى تفاقم عدد الإصابات الذي وصل إلى 80 ألف حالة في الأسبوع الماضي. وشهدت مستشفيات البلاد حالة اكتظاظ كالتي عاشتها في الربيع الماضي بقبول 8949 مريضا في مختلف الجهات من بينهم 1642 في قاعات الإنعاش. مما رفع من نسب قبول المرضى إلى 32% مع العلم أن النسبة القصوى المقررة لإعلان حالة الاستنفار هي 30%.
ومن أجل ذلك قرر الرئيس فرض حظر التجول في كل من باريس وضاحيتهاومدن ليل و روان وليون وغرونوبل و سانت إتيان و مونبيليه و تولوز و أكس-مرسيليا أي بمجموع 20 مليون فرنسي ممنوعين من التجول ليلا، و ذلك خشية أن تصبح المؤسسات الصحية غير قادرة على استيعاب المصابين علما و أن المستشفيات الفرنسية قد استقبلت أكثر من 90 ألف مصاب بفيروس كورونا بين غرة مارس و 15 جوان 2020. وأثرت تلك الفترة سلبا على الطاقم الصحي وأجبرت المؤسسات الصحية على تأخير عدد كبير من العمليات الجراحية التي أصبحت ضرورية هذه الأيام مع رجوع انتشار الفيروس بسرعة فائقة.
حزمة إجراءات قابلة للتطور
يتبع حظر التجول المفروض ابتداء من الساعة التاسعة ليلا غلق المقاهي والمطاعم ودور السينما والمسارح وتعليق كل الاجتماعات العمومية والتظاهرات. ويوصي القرار الرئاسي، في إطار إعادة العمل بحالة الطوارئ الصحية، بعدم اجتماع أكثر من 6 اشخاص في مكان واحد مغلق واعتماد «قاعدة الستة اشخاص» حتى في الفضاءات الخاصة والعائلية وعدم استقبال الأصدقاء وعدم إقامة حفلات عائلية لمدة شهر من أجل الحد من انتشار الفيروس.
وفي نفس الوقت، أكد ماكرون على ضرورة التعايش مع الفيروس ومواصلة العمل والدراسة والتنقل. ونادى بالتحلي بالمسؤولية قائلا: «إننا عشنا في مجتمع لأفراد أحرار، اليوم نحن في مجتمع متضامن» ولا بد من العمل الجماعي للخروج من هذه الأزمة منتصرين. وأكد بوضوح أن الأزمة الصحية سوف تمتد إلى صائفة 2012 مما جعل الملف الاقتصادي أهم رهان يواجه البلاد في الأشهر القادمة. ولم بخف ماكرون أن قرارات أخرى يمكن اتخاذها في صورة تطور الوضع في مدن وجهات أخرى تفشى فيها الفيروس بنسب غير مقبولة.
انتقادات سياسية وتململ قطاعي
وانطلقت الانتقادات مع انتهاء الحوار التلفزي حيث اعتبرت مختلف التنظيمات السياسية من البمين إلى اليسار أن الخطاب الرئاسي أقر بفشل الرئيس وحكومته في اعتماد سياسة صحية واضحة وأن التذبذب الحاصل في اعتماد الإجراءات والتصريحات المتضاربة داخل الحكومة جعلت البلاد تشهد موجة ثانية. لكن المحللين الإعلاميين أبرزوا أن الوضع لا يختلف عن باقي البلدان الأوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وهولندا وبريطانيا التي قررت هي الأخرى فرض حظر التجول لمقاومة الموجة الثانية.
لكن الانتقاد الأهم جاء على لسان الطبيب باتريك بيلو، رئيس جمعية الأطباء الاستعجاليين، الذي صرح أن «حضر التجول لن يوقف الجائحة» وأن طلب فرض شلل على البلاد يرجع إلى عدم وجود أسرة كافية في المستشفيات. وانتقد الدكتور بيلو الرئيس ماكرون مباشرة متهما إياه بـ«عدم الوعي بحقيقة الأزمة في المستشفيات» معتبرا أن الإجراءات الجديدة – وهي فرض الحضر ليلا – هي نفسها التي تم اتخاذها في الربيع الماضي دون جدوى. رغم أنه أقر بأن الرئيس ماكرون له وعي بالأزمة الصحية إلا أنه يعتبر أن الأولوية هي إعادة الأسرة الصحية التي تم الغاؤها في السنوات الماضية (والتي فاق عددها 100 ألف سرير) وإطلاق نداء إلى 60 ألف من العاملين في قطاع الصحة، الذين انقطعوا عن العمل في المستشفيات، للرجوع إليها من أجل مقاومة الفيروس.
أما المتضررون الاقتصاديون، وهم أصحاب المقاهي والمطاعم والنزل ومالكي قاعات السينما والمسارح، فقد اعتبروا أن فرض حظر التجول يعني بالنسبة لكثير منهم اشهار افلاسهم بعد أن تخطوا الموجة الأولى من الفيروس دون التمكن من جبر الضرر. بل أنهم يواجهون اليوم حالة أصعب لا يقدرون على مواجهتها بالرغم من إجراءات الدعم الحكومي التي مدد الرئيس ماكرون العمل بها. وهي، وإن هي كافية لضمان معاشات العملة، لا تكفي لضمان باقي المصاريف الجارية التي لا بد من تسديدها دون أي دخل مالي مرتقب. واعتبرت نقابات المقاهي والمطاعم والنزل في بيان مشترك أن «هذا الحد الجديد من ساعات العمل يقضي على العمل الليلي وسوف يجبرنا على غلق محلاتنا». موقف يفسر حيرة الفاعلين في القطاع الاقتصادي وعدم قدرة السلطات الصحية والسياسية على تقديم أجوبة لأزمة صحية جديدة لا يملك أحد أسرارها.