وذلك بالتزامن مع الأزمة السياسية والإجتماعية والإقتصادية الحادة التي يمر بها بلد الأرز منذ عقود والتي زادتها المحاولات الصعبة لتشكيل الحكومة تعقيدا وضبابية .
ولعل انطلاق المباحثات بين لبنان و«اسرائيل» مؤخرا حول ترسيم الحدود البحرية كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وزادت من حدة الإضطرابات في الشارع السياسي اللبناني خاصة وأن ذلك تزامن مع استقالة رئيس الحكومة المكلف مصطفى دياب بعد تأزم المشهد عقب الانفجار المريع الذي هز مرفأ العاصمة بيروت وما تبعه من انقسام حول المناصب الوزارية نتيجة أسباب طائفية لطالما كان لبنان يحتكم إليها في التسميات المتعلقة بالحكومة.
وجاء ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان و«إسرائيل» ليثير مجددا ردود أفعال محلية وخارجية متباينة بين من اعتبر الخطوة متوقعة، فيما اعتبرها البعض الآخر تمهيدا للتطبيع رسميا مع الكيان الصهيوني على غرار الدول الخليجية ممثلة في الإمارات العربية المتحدة ومن بعدها البحرين.
موقف حزب الله المدعوم من إيران كان التأكيد مرارا وتكرارا على أن المفاوضات التي بدأت لا تعني بالضرورة نوعا من المصالحة أو التطبيع بين البلدين . واعتبرت كتلة حزب الله البرلمانية في بيان لها أنّ «الإطار التفاوضي حول موضوع حصري يتصل بحدودنا البحرية الجنوبيّة واستعادة أرضنا وصولاً إلى ترسيم مواقع سيادتنا الوطنيّة، لا صلة له على الإطلاق لا بسياق المصالحة مع العدو الصهيوني الغاصب لفلسطين ولا بسياسات التطبيع التي انتهجتها مؤخراً وقد تنتهجها دول عربيّة لم تؤمن يوماً بخيار المقاومة». وشددت على أن «تحديد إحداثيات السيادة الوطنيّة مسؤوليّة الدولة اللبنانية، المعنيّة حصريا بأن تعلن أن هذه الأرض وهذه المياه أرضٌ ومياهٌ لبنانيّة».فيما قالت سلطات الإحتلال أن التوصل للسلام مع لبنان «مستبعد» ، طالما استمرت «»منظمة» حزب الله، «في السيطرة عليه». وقال نتنياهو في جلسة للكنيست للمصادقة على اتفاق تطبيع العلاقات مع الإمارات «طالما استمر حزب الله في السيطرة الفعلية على لبنان، فلن يكون هناك سلام حقيقي مع هذا البلد».ودعا نتنياهو الحكومة اللبنانية إلى «مواصلة المحادثات مع إسرائيل، حول الحدود المائية» .وقال «قد تكون هذه المحادثات إشارة أولى لسلام يمكن أن يحدث في المستقبل».
ركود سياسي
هذا ويعاني لبنان منذ عقود من حالة من الركود السياسي والإقتصادي رغم تعاقب الحكومات عليه ، وزادت من ذلك حدة الفراغ الذي تعانيه مؤسسات الدولة منذ حادثة الانفجار المريع الذي هز مرفأ العاصمة بيروت وماخلفه من خسائر مادية ومعنوية كارثية تلاها إسقاط الحكومة وتكليف مصطفى أديب بتشكيل حكومة جديدة قبل أن يستقيل الأخير وتعود البلاد من جديد إلى مرحلة البحث عن حكومة ناجعة وناجحة قادرة على إدارة المرحلة الحساسة التي يعيشها لبنان.
ويعيش الشارع السياسي اللبناني حراكا غير مسبوق وسعيا حثيثا لتشكيل حكومة جديدة بعد استقالة مصطفى أديب نتيجة الانتقادات والاحتجاجات التي طالبت بتغييره عقب حادث مرفإ بيروت وما تلا ذلك من حملة ضغط شعبية للإطاحة بحكومته. ويرى البعض أن تصريحات رئيس البلاد التي تقول أن البلاد ستتجه نحو «جهنم» في حال لم يتم تشكيل الحكومة في أقرب الآجال سيزيد من ضبابية المشهد القاتم في لبنان.
فإلى جانب الوضع المالي الصعب ومخلفات انفجار مرفإ بيروت المروع يواجه لبنان توتر شعبيا رافقته احتجاجات اجتماعية غاضبة زادت من تفجر المشهد الداخلي وسط اتهامات من الشارع الغاضب للطبقة السياسية بالفساد والمحسوبية، وسط مطالب بضرورة إرساء حكومة تلبي احتياجات الشعب دون خلفيات طائفية أو دينية وهو ما يعتبر صعبا في ظل طبيعة التعدد السياسي الغالب في لبنان من مختلف الطوائف والديانات وفي ظل واقع إقليمي تحكمه الاستقطابات السياسية الحادة مما يجعل بقاء لبنان محايدا أمرا صعب الحدوث.