في خطوة جريئة، الحكومة الفرنسية تقرر طرد كل أجنبي يهدّد الأمن العام: وزير الداخلية جيرالد درمانان: «نحن في حالة حرب ضد الإرهاب»

كرر جيرالد دارمانان وزير الداخلية الفرنسي موقفه المعادي للإسلام السياسي إثر الهجمة الإرهابية ضد مقر «شارلي هبدو» والتي

خلفت جريحين من بين طاقم الصحافيين لوكالة أنباء فرنسية. وقرر مباشرة إرسال منشور لكل ولاة البلاد داعيا إياهم إلى تطبيق القانون وطرد كل أجنبي «قام بمخالفة جسيمة» أو «يشكل تهديدا جسيما للأمن العام». خطوة جريئة إذا ما اعتبرنا الحذر المفرط الذي اتسمت به وزارة الداخلية الفرنسية منذ عقود في التعامل مع هذه المسألة الحساسة ولو أن الإحصائيات تشير إلى أن فرنسا ترحل سنويا ما بين 30000 و50000 مهاجر غير نظامي منذ تسعينيات القرن الماضي. التحول المعلن في عقيدة الشرطي الأول هو أن تتسع هذه السياسة الموجهة ضد «الإرهاب الإسلامي» إلى كل مكونات الجالية المسلمة في فرنسا أي المقيمين بصورة قانونية أو -حتى - حاملي الجنسية الفرنسية.

«أطلب منكم أن تنفذوا بشكل منهجي كل الإجراءات من أجل إيقاف تواجد هؤلاء الأشخاص على تراب بلادنا»، هكذا كتب جيرالد دارمانان للولاة في رسالته التي دعت إلى «أقصى مستويات الحذر» من قبل ممثلي الدولة في الجهات. ودعاهم إلى «التنسيق التام» بين الأجهزة الأساسية الثلاثة، من قوات الأمن والسلطة القضائية وإدارة السجون. وذكر المنشور ميادين التطبيق لهذه السياسة والتي تشمل «تحضير ترحيل الأجانب المسجونين» واستخدام كل الإجراءات الإدارية ذات الصلة. وذكر الوزير أن القانون الحالي يسمح بـ«رفض وسحب شهادة الإقامة» و«سحب الجنسية الفرنسية». وأوصى باستخدام كل الوسائل المتاحة من «سجن وإقامة جبرية وترحيل الجماعي بالطائرات» وطالب الولاة برفع تقارير مباشرة للوزير كل ثلاثة أشهر ترصد عدد المرحلين.
وهذه الدوافع السياسة يمكن أن يتقبلها الرأي العام بتفهم نظرا لخطورة الوضع واستهداف فرنسا من قبل الحركات الجهادية وقد أفشلت أجهزة الأمن الفرنسي 32 هجمة إرهابية منذ 2017، ولكن ذلك يستجيب، في واقع الأمر، إلى كل الطلبات المتكررة التي تقدمت بها حركات وأحزاب اليمين المتطرف الفرنسي، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني لمارين لوبان. وكأن المسألة الأمنية أصبحت تقتصر على رصد «مخالفات» الأجانب، وبالخصوص المسلمين. فأن يشمل الإجراء حاملي الجنسية الفرنسية من أصل أجنبي والمحكوم عليهم بالسجن ومن «»يشكل تهديدا جسيما للأمن العام»، فهذا يفتح مجالا واسعا لتطبيق سياسة لا تفرق عمليا بين «الإسلامي» و«المسلم» ويمكن أن تؤدي إلى تجاوزات أو تعد على الحقوق.
تأتي هذه الخطوة في ظروف اختلطت فيها المفاهيم والعبارات بين «مقاومة الإسلام الساسي» و«محاربة الإرهاب» و«مقاومة الانفصال الإسلامي» الذي أصبح الأفق السياسي للرئيس إيمانويل ماكرون. وقد أعلن القصر الرئاسي عن صدور مشروع جديد يوم 15 أكتوبر حول مسألة تقنين مقاومة الانفصال سوف توزع على المسؤولين عن الشعائر الدينية لنقاشها. مهمة الحكومة هي تطبيق هذه السياسة لذلك أن قامت يوم الثلاثاء الماضي وحدات الأمن بعمليات تفتيش في 55 نقطة من 26 مقاطعة إدارية وإيقاف 29 شخصا مشتبه في مشاركتهم في «شبكات تمويل الإرهاب» لفائدة هيئة تحرير الشام في سوريا.
مشروع إعادة هيكلة التمثيلية الإسلامية
يتبع العمل اليومي لمقاومة الإرهاب والتطرف الديني عمل آخر سياسي في إطار إعادة ترميم البيت الإسلامي الفرنسي بعد فشل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي يهيمن عليه «الإسلام القنصلي» أي التابع للدول الأصلية للمسلمين المقيمين في فرنسا من المغرب والجزائر و تركيا أساسا، في مقاومة التطرف الديني والإرهاب. المشروع الرئاسي المعلن والذي سوف تطرح معالمه يوم 15 أكتوبر يصاحبه تفكير في إعادة هيكلة التمثيلية الإسلامية في فرنسا. وكان جيرالد درمانان قد قدم مشروعا عام 2016، أي قبل أن يتولى وزارة الداخلية، حول «الإسلام الفرنسي» يهدف إلى «إدماج الإسلام في الجمهورية». وطرح للرئيس ماكرون أفكاره تلك عند تعيينه وزيرا للداخلية.
يقترح دارمانان فرض «إطار توافق» على المسلمين ،مثل الذي فرض على اليهود في عهد نابوليون، يرسي جملة من المبادئ من أجل ادماج الإسلام في الجمهورية لأنه يعتبر أن لـ«الإسلام الراديكالي» أيدولوجية منافية للجمهورية وهو ليس حال أغلبية المسلمين في فرنسا. و في هذا الإطار يقع التخلي عن الهيكلية الحالية باستبدالها ب»المجلس الأعلى لإسلام فرنسا» وهو هيئة مركزية لها صلاحيات واسعة تسهر على إدارة الجوامع و دور العبادة الإسلامية و تعيين الأئمة و تكون كل أماكن العبادة مسجلة إجباريا لدى المجلس و خاضعة لقراراته. وينص المشروع على اعتماد انتخاب أعضاء المجلس الأعلى الذي يعين «الإمام الأكبر» في فرنسا والذي يكون الطرف المسؤول للجواب عن المسائل العلمية والفقهية.
كما اقترح جيرالد درمانان تنقيح قانون 1905 المنظم للائكية من أجل إيجاد وسيلة تمكن المسلمين من بناء المساجد عبر مساهمات مالية حكومية أو تابعة للبلديات وهو الشيء الممنوع حاليا. لكن الرئيس ماكرون عدل عن هذه الفكرة بعد تفكير عميق ومشاورات عدة. وكانت الحكومات المتعاقبة منذ ثمانينات القرن الماضي قدمت مشاريع لتنظيم الإسلام في فرنسا، قبر أغلبها،وأفرزت مشروع نيكولا ساركوزي الذي أتى بالمجلس الحالي. لكن تفكير وزير الداخلية الحالي، وإن كان يفرق بين المسلمين والإسلاميين، إلا أنه لا يعطي كل المهاجرين المقيمين والمواطنين المسلمين حقهم في انتخاب من يمثلهم في دينهم بل يقتصر المشروع على أقلية ممن يقيمون الصلاة في الجوامع وهم عرضة منذ سنين لخطاب الكراهية والدعوة للجهاد ضد الكفار. أما أغلبية المسلمين في فرنسا، الذين يعيشون حياة سلمية في إطار قوانين الجمهورية، فسوف يبقون في التسلل لا يشاركون في تنظيم الشعائر ولا في مقاومة التطرف. ولن يبقى لهم إلا العمل في صلب الجمعيات الأهلية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115