ليبيا: جدل حول حظر التسليح وانتقادات تركية للعقوبات الأوروبية

بمجرد أن طفت على السطح مؤشرات الأزمة الليبية من خلال تأييد ودعم الفرقاء الليبيين لمخرجات ملتقى جينيف المبرمج

في العاشر من أكتوبر القادم بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة وتوحيد المؤسسات السيادية أصبح الجميع ينتظرون توافقا دوليا وتفاهما يضع حدا للصراع الدولي في ليبيا الغنية بالنفط والغاز، توافق وتفاهم يعجل بالحل السلمي للازمة الراهنة بمجرد حدوث ذلك التوافق والدعم المحلي لملتقى جينيف.
عاد التوتر والانتقادات والاتهامات بين تركيا و الاتحاد الأوروبي وذلك على خلفية فرض عقوبات أوروبية على عدد من الشركات التركية التي اخترقت حظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ 2011، وكان الاتحاد الأوروبي قام بإعلان عملية أولى سماها – صوفيا – لمراقبة السواحل الليبية ومحاربة الهجرة وتهريب السلاح للأطراف المتحاربة في ليبيا، غير أن صوفيا فشلت بسبب خلافات أوروبية – أوروبية تتعلق بقيادة العملية البحرية – صوفيا – وفي بداية العام الحالي أطلق الاتحاد الأوروبي عملية بحرية لمراقبة تدفق السلاح إلى ليبيا بدعم وبطلب من فرنسا.
لكن العملية البحرية الجديدة ايريني واجهت عدة انتقادات ودوما تركية ولم تمتثل السفن التركية للإجراءات الجديدة وتم منع العناصر المراقبة من ايريني للصعود على ظهر إحدى السفن التركية المتجهة إلى ليبيا لتفتيشها مما أثار أزمة بين باريس وأنقرة، يتطور الموقف بعدها إلى شن المقاتلات الفرنسية غارات جوية على قاعدة الوطية العسكرية الجوية جنوب غرب طرابلس.
وتتهم باريس أنقرة بخرق حظر السلاح وإغراق ليبيا بآلاف المرتزقة وبينهم إرهابيين بينما تؤكد تركيا أن فرنسا أيضا تخترق الحظر المفروض على ليبيا من خلال دعم عسكري لحفتر. ويخشى مراقبون ونشطاء بالمجتمع المدني والليبيين عموما أن يعرقل التوتر والخلاف ما بين فرنسا وتركيا مرة أخرى مسار إيجاد حل سلمي للأزمة الراهنة .
السؤال الذي يفرض نفسه في ظل هذه التطورات حول فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على شركات تركية وتوقيت إعلان هذه العقوبات. فهل تخدم هذه الخطوة جهود البحث عن مخرج سلمي للصراع ؟ المؤكد أن فرض هكذا عقوبات أسابيع قليلة قبل ملتقى جينيف، فانها ستقلل من فرصة نجاحه التي تراهن عليها الأمم المتحدة و مركز الحوار الإنساني بجينيف المنظم للملتقى .
حالة من عدم الرضا
إلى ذلك سجل ملاحظون حالة من عدم الرضا وعدم الارتياح التركي حيال أداء حليفها السراج، على خلفية إعلان الأخير عزمه الاستقالة وتسليم مهامه إلى سلطة تنفيذية جديدة . وذهب هؤلاء الملاحظون الى حد الحديث عن تخلي أنقرة عن السراج ودعمها للرجل القوي داخل حكومة الوفاق فتحي باشا أغا وزير الداخلية والدفاع المكلف، لكن المفارقة في هذه النقطة أن فرنسا تدعم باشا أغا كذلك.
الجدير بالتنويه أن السراج وبعد فشله الذريع في التعاطي مع الأزمة فقد السند الخارجي ،وجاءت الاحتجاجات الشعبية الأخيرة لتقلل نهائيا من إمكانية استمراره متصدرا للمشهد السياسي في بلاده شأنه شأن القائد العام للجيش خليفة حفتر مع فارق بسيط وهو أن حفتر لديه قوة مسلحة تخضع لسلطته وقبائل تدعمه ودول حليفة لن تتخلى عنه لغياب البديل ، وذلك رغم خلافاته غير المعلنة مع رئيس مجلس النواب الذي يمتلك صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة في ليبيا .
جماعة الإخوان الليبية وخيار الشراكة في الحكم
من جهة أخرى ومنذ إزاحة جماعة الإخوان في مصر عن السلطة والمصير الذي عرفته قيادات الإخوان هناك بعد اعتلاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لكرسي الحكم، زاد هلع إخوان ليبيا ورعبهم مع وجود المشير خليفة حفتر ، فالرجل لم يتوقف يوما عن إظهار طموحه وحلمه في الحكم بل وصرح أكثر من مرة بان الوضع الراهن في ليبيا يتطلب رجلا قويا ليحكم البلاد لفترة انتقالية. أكثر من ذلك أعلن حفتر الزحف نحو طرابلس وأمر بالقبض على الإسلاميين وصنف مجلس النواب حزب العدالة والبناء الإخواني في ليبيا وباقي التنظيمات والجماعات جماعة إرهابية، مما ضاعف من خوف مكونات تيار الإسلام السياسي و دفع رئاسة المجلس الأعلى للدولة الى إعلان رفضها لتواجد حفتر في أي تسوية سلمية للازمة، ومع طول الأزمة ونجاح السيناريو التونسي في قبول حزب الإسلاميين الشراكة في السلطة جرى طرح هذا الخيار على الإسلاميين في ليبيا.
لكن الإسلاميين في ليبيا لم يتجاوبوا مع المبادرات ، مبادرات جاءت من الجزائر وتونس ودول مؤثرة ، فمبادرة الأمم المتحدة نفسها ومخرجات جميع المؤتمرات الدولية حول ليبيا جاءت في سياق التعايش بين كل مكونات المشهد السياسي الليبي ،وهذا يتطلب تفهما من تيار الإسلام السياسي في ليبيا وإدراك حقيقة أن ليبيا تسع الكل وأن فرص إنقاذ الوطن تتضاءل مع طول الصراع والأزمة .
يبدو أن جماعات الإسلام السياسي الآن تبدي خوفا على خسارة مصالحها للأبد لكن قد اقتنعت بهذه الحقائق تلك الجماعات المعتدلة أو القريبة مسؤولة عن عرقلة الحل السلمي للازمة ،و لتجاوز هذه الإشكالية جاءت خطة حل منطقة منزوعة السلاح المتضمن لإيجاد سلطة تنفيذية جديدة تباشر عملها مؤقتا من مكان بعيد عن مناطق سيطرة الجماعات المتطرفة إلى حين تنفيذ ترتيبات أمنية تقلص من نفوذ وقوة المتطرفين وإجراء مشاورات مع قادة تلك المجموعات لتقبل بالأمر الجديد ...
في هذا الإطار لاحظ مراقبون بان حدة تطرف الجماعات الإسلامية من تنظيم القاعدة وبقايا أنصار الشريعة و»داعش» تستوجب التسريع بإيجاد سلطة تنفيذية جديدة بعد إهدار السراج ومجلسه الرئاسي لكل الفرص الممنوحة له لإعادة الحد الأدنى من الاستقرار والأمن ..
حقيقة أخرى دفعت بالقوى الكبرى وبالذات الولايات المتحدة وبدرجة اقل الاتحاد الأوروبي إلى التسريع بتكوين حكومة جديدة وموحدة تباشر أعمالها بعيدا عن سطوة الميليشيات وقد تحولت ليبيا لمركز استقطاب للإرهابيين، ويكفي التذكير بان تركيا نقلت إلى ليبيا الآلاف من المرتزقة و ضمنهم إرهابيون من جنسيات مختلفة مما خلق حالة من القلق لدى دول الجوار ودول الضفة الشمالية للمتوسط وعدم تعاون تركيا مع أي إجراءات و عمليات لمراقبة تهريب السلاح وتنفيذ قرار حظر الأسلحة .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115