هل يلتحق السودان بركب التطبيع الصهيوني؟

كان السودان من أشد القلاع العربية التي تعلن عن عن معاداة «إسرائيل»، أما اليوم فتجري تغييرات تبدو جذرية في موقفه مع الكيان الصهيوني الذي جمعته به عقود من العداء،

وأصبح قطار تطبيع الخرطوم مع «إسرائيل» يوشك على بلوغ محطته الأخيرة خاصة بعد ترحيب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو بتصريحات الخارجية السودانية التي تتطلع للسلام مع تل أبيب.

على خط مواز، فتح الإعلان عن اتفاق تطبيع العلاقات الإماراتية الإسرائيلية الباب على مصرعيه أمام التكهنات بالعواصم التي سيتوقف عندها قطار التطبيع، وبرزت الخرطوم كمرشح قوي في هذا الإطار بعد رغبة تل أبيب في إنشاء علاقات علنية مع السودان، وقد يرجع ذلك إلى تحقيق انتصار سياسي يستطيع نتنياهو الغارق في أزماته استثماره في تسويق نفسه كقائد قوي استطاع إنجاز التطبيع مع مجموعة من الدول العربية دون أن يقدم أي تنازلات لهذه الدول.

وعلى الجانب الأخر يبقى السودان ذا أهمية إستراتيجية بالغة لـ«إسرائيل» فهو يقع في منطقة لها علاقات مع الكيان الصهيوني، سواء جارته الشمالية مصر، أو دول أخرى جارة في الجنوب كجنوب السودان وأوغندا وإريتريا، كما يعطي لإسرائيل دفعة قوية في توسيع حضورها الخارجي، فضلاً عن منافع اقتصادية كبيرة، منها منافسة قوى إقليمية، كتركيا والسعودية التي تتسابق لكسب النفوذ في السودان.

كما أن تطبيع العلاقات مع السودان سيسمح لتل أبيب بإعادة آلاف السودانيين الذين لجأوا لـ«إسرائيل» وإعادتهم لبلدهم السودان، وهي خطوة ستلقى قبول الإسرائيليين الرافضين لوجود هؤلاء اللاجئين لأسباب منها منافستهم للعمالة الإسرائيلية بالإضافة إلى كونهم غير يهود، حيث كان هؤلاء اللاجئون يقولون أنهم سيواجهون عقوبة السجن في حال العودة إلى السودان باعتبار «إسرائيل» دولة معادية يُمنع السفر إليها.

بالإضافة إلى أن التغيرات الجديدة في ملف الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني جعلت تل أبيب أكثر تحمساً من ذي قبل لبدء تعاون مع السودان، إذ يسعى الإسرائيليون الى تحقيق تقارب مع أكبر عدد ممكن مع الدول العربية في إطار محاولات تمرير ما بات يسمى بـ»صفقة القرن» التي تحظى بدعم واشنطن وبعض العواصم العربية.
وبالنظر إلى تطبيع مصر والأردن وإريتريا والإمارات مع إسرائيل فإن الخطوة السودانية، إذا تمت، قد تكون مقدمة لانخراط «إسرائيل» في هذه المشاريع بتشكيل منظومة أمنية اقتصادية تضمن تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة معادية لإيران، من خلال محاولة الإمارات السيطرة على الموانئ الحيوية في البحر الأحمر،أو إنشاء منظومات جديدة تضمها.

اليوم تضغط الولايات المتحدة باتجاه تطبيع الخرطوم وتل أبيب مستغلة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في محاولة من الرئيس الأمريكي ترامب لتسويق ذلك كنصر لسياسته الخارجية وتعزيز فرصه الانتخابية في صفوف اليمين الأمريكي المحافظ واللوبي الإسرائيلي المتنفذ في الولايات المتحدة.

في مقابل ذلك، يأمل السودان الجديد في أن يفضي التطبيع مع إسرائيل إلى شطب اسم البلاد من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، بما يؤهلها للحصول على المساعدات الدولية، وهو ما سيتيح للخرطوم الحصول على قروض من المؤسسات الدولية، وفتح الباب أمام عودة السودان إلى النظام المصرفي العالمي، وهو ما قد يسهل الطريق أمام دخول الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد.

رغم كل ذلك يواجه الطموح الإسرائيلي لهذا التطبيع عقبات كبيرة أمام هذه المعادلة الكاسرة، وهي أن السودانيين متمسكون بالقضية الفلسطينية من خلال الرفض الشعبي القوي داخل السودان لأي تطبيع لهذه العلاقات لكون ذلك يعزز موقفها في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، فضلاً عن أن المرحلة الانتقالية في السودان محددة لاستكمال عملية الانتقال وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد وصولاً لعقد انتخابات حرة، ولا تملك هذه الحكومة تفويضاً بشأن التطبيع مع إسرائيل كل ذلك يضع العصي في دواليب هذا التطبيع.

وأختم بالقول إن ما يجري حالياً من تطبيع مع الكيان الإرهابي، نرى نحن من مناهضي التطبيع مع هذا الكيان، إن الموقف الشعبي هو الدرع الأخير الذي لا يجوز خلعه، والذي يرفض أي عملية تهويد أو التفاف على حقوق الفلسطينيين وعروبة وإسلامية المسجد الأقصى كما يرى إن أي عملية تطبيع مع الكيان الصهيوني دفع له وتحفيز كي يزيد انتهاكه لحقوق الشعب الفلسطيني، والالتفاف على هذه الحقوق التي تعتبر الأمة الإسلامية كلها معنية بها وبالدفاع عنها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115