بينما تحدث بيان مشترك عن «اتفاق تطبيع»، يشمل وقف ضمّ إسرائيل لأراض فلسطينية في الضفة الغربية المحتلّة. لتكون الإمارات أول دولة خليجية تطبّع العلاقات بشكل كامل مع الكيان الإسرائيلي في خطوة وصفها الرئيس الأمريكي بأنها اختراق ضخم». في حين أعلنت السلطة الفلسطينية رفضها بشكل كامل لهذا الاتفاق واستدعت سفيرها في الإمارات ودعت الى اجتماع طارىء لجامعة الدول العربية، وبدأت اتصالات مع حركة حماس للتنسيق.
وأعلن ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على تويتر أيضاً أن بلاده اتفقت مع «إسرائيل» على «وضع خارطة طريق نحو تدشين التعاون المشترك وصولاً الى علاقات ثنائية»، وعلى «وقف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية». وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش لصحفيين «ما قمنا به خطوة جريئة لضمان حل الدولتين»، مضيفا أن السفارة الإماراتية لن تكون في القدس وأنّ افتتاحها «لن يتطلّب وقتاً طويلاً».
تقارب ...وتطبيع
وسبق للعلاقات الإماراتية الإسرائيلية ان شهدت تقاربا خلال السنوات الماضية بدأ بالتطبيع الثقافي والرياضي من خلال مشاركة وفود إسرائيلية في عديد التظاهرات التي جرت في الامارات . وأشاد نتانياهو بالاتفاق قائلا إنه «يوم تاريخي» يدشن لـ «حقبة جديدة» في العلاقات مع العالم العربي. وقال «اتفقنا على اتفاق سلام كامل مع تبادل سفراء وتبادل تجاري بما فيه رحلات مباشرة بين أبو ظبي وتل أبيب». وعن مسألة ضم أجزاء من الضفة الغربية، قال إن مخطط الضم «تأجّل» لكنه «لم يلغ».
واكد الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة في بيان تلاه عبر شاشة التلفزيون الرسمي إنّ الاتفاق «نسف المبادرة العربية للسلام»، وهو «خيانة للقدس والأقصى وقرارات القمم العربية والإسلامية والشرعية الدولية وعدوانا على الشعب الفلسطيني». واللافت هو ترحيب دول خليجية أخرى مثل البحرين بهذا الاتفاق المهين وعبّرت البحرين في بيان عن «بالغ التهاني لدولة الإمارات العربية المتحدة»، مضيفة أنّ «هذه الخطوة التاريخية ستسهم في تعزيز الاستقرار والسلم في المنطقة». كما رحّبت بالاتفاق مصر التي كانت أول دولة عربية وقّعت معاهدة سلام مع إسرائيل في 1979. كذلك أعلن مستشار الرئيس الأمريكي غاريد كوشنر إن هناك «احتمالاً كبيراً جداً» أن تعلن إسرائيل ودولة عربية أخرى تطبيع العلاقات بينهما خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
المنعرج الصعب
تدخل القضية الفلسطينية اليوم منعرجا صعبا بعد تطبيع العلاقات الدبلوماسية بشكل علني بين الامارات ودولة الاحتلال . فهذه الخطوة – بحسب عديد المتابعين – ستتبعها خطوات مماثلة من عديد الدول الخليجية التي سارعت الآن الى مباركة التطبيع في نكسة جديدة تتعرض لها القضية الفلسطينية .
وفي الحقيقة فان آخر ما كان يحتاجه الفلسطينيون هو هذه الصفعة من دولة عربية ، ويجد الفلسطينيون أنفسهم فرادى يواجهون مخططا كاملا للضم الاسرائيلي وصفقة القرن التي تعني سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية.فمسارعة الدول الخليجية الى التطبيع العلني الكامل مع الكيان الإسرائيلي ضربة جديدة تقصم ظهر الفلسطينيين الذي يعانون من الاحتلال ومن غدر الأشقاء. وهدية مجانية لإسرائيل التي كانت تحلم باليوم الذي تعيش فيه بأمن وطمأنينة في محيط عربي دون جزع او خوف ، وان تبيد شعبا كاملا دون محاسبة ودون قمم عربية ودون ادانات عربية . فحتى الشعارات الواهية والادانات التي لم تكن تثمن ولا تغني من جوع ، انتهت مرحلتها وبدأت مرحلة العداء المعلن للفلسطينيين لتصفية قضيتهم .
لكن رغم الخيبات والمؤامرات أوجد الفلسطينيون دائما لهم أسلحة للدفاع عن قضيتهم ، من انتفاضة الحجارة الى المعارك الدبلوماسية في المحافل الدولية والتي أثمرت انضمام فلسطين الى عديد المنظمات الدولية والى محكمة العدل الدولية لمقاضاة إسرائيل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني . وكانت نقطة ضعف الفلسطينيين هو الانقسام بين فتح وحماس الذي أنهك الجسم الفلسطيني في مواجهة عدوهم . ولكن اليوم ومنذ الإعلان عن صفقة القرن المشؤومة ، بدأ الحديث عن وحدة الصف الفلسطيني وعن مصالحة فعلية بين حركتي فتح وحماس يمكن أن تمهّد الطريق لمشروع وطني فلسطيني مشترك وخارطة طريق لنزع الألغام السياسية والمؤامرات الإسرائيلية، طالما ان العدو واحد وطالما وجد الفلسطينيون أنفسهم يتلقون الطعنة تلو الأخرى من أشقائهم بتعلات وأسباب واهية .واليوم يخرج التطبيع الإسرائيلي الاماراتي للعلن بتعلة « وقف الضم الإسرائيلي بشكل مؤقت» ورد السلطة الفلسطينية كان واضحا مشيرة الى أنه «لا يحق لدولة الإمارات أو أية جهة أخرى، التحدث بالنيابة عن الشعب الفلسطيني». كما دعت «إلى عقد جلسة طارئة فورية» لجامعة الدول العربية ولمنظمة التعاون الإسلامي «لرفض هذا الإعلان».
صحيح أن المرحلة التي تمرّ بها القضية الفلسطينية هي من أصعب المراحل التاريخية ، خاصة بعد مسارعة بعض الدول الخليجية الى التطبيع العلني الواحدة تلو الأخرى في نكران لدماء الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن تراب فلسطين وزيتونه المقدس ، وصحيح ان الإنعكاسات ستكون كبيرة ، ولكن من عمق هذا الوجع الفلسطيني والمذلة العربية ، ستتفجر مرحلة جديدة من المقاومة الفلسطينية عنوانها الأبرز هو وحدة الصف الفلسطيني ، فإرادة الشعب الفلسطيني -وحدها لا غير - هي من ستحمي غصن الزيتون وهي من ستحمي تراب فلسطين من كل الأخطار والمؤامرات وهي من ستصنع تاريخا جديدا لهذا الشرق المفعم بحروبه.