حادّة وتداخلا كبيرا للأدوار الخارجيّة وعجزا متزايدا عن إرساء تسوية سياسيّة بعد سنوات من الانقسام والاقتتال بين أطراف النزاع.
عاد إلى الواجهة مُجدّدا خيار التدخل العسكري في ليبيا ، لكن هذه المرة اختلفت الجهة التي قد تشن عملا عسكريا هناك خصوصا بعد التطوّرات الميدانية التي طرأت على المشهد الداخلي في الآونة الأخيرة وأهمها دخول تركيا بكل ثقلها في الملف الليبي ومحاولتها تحقيق مكاسب ونقاط ضغط على باقي الأطراف الدولية المتدخلة في أزمة طرابلس. وكان للتفويض الصادر عن البرلمان الليبي الذي يدعم قوات المشير خليفة حفتر لمصر بالتدخل عسكريا في ليبيا أثر على المشهد المتوتر في الشمال الإفريقي ، مع تزايد المطامع الخارجية وحرب بسط النفوذ واستغلال الطاقة والنفط في ليبيا.
المشهد المتوتر في ليبيا وظهور خيار التدخل العسكري سبقه اتهامات وانتقادات متبادلة بين الأطراف الدولية خاصة روسيا وتركيا بعد تقارير عن ارسال أنقرة لمقاتلين من جنسيات مختلفة (خاصة من سوريا) لجبهة القتال التي فتحتها في ليبيا دعما لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج وذلك على خلفية اتفاق دعم بحري عسكري تم توقيعه بداية العام وأثار جدلا داخليا وخارجيا. وبدورها تتهم أنقرة موسكو بإرسال ‹›مرتزقة›› إلى ليبيا وهو ما تنفيه روسيا.
وفي سياق آخر ذكر تقرير أمريكي أن تركيا أرسلت ما يتراوح بين 3500 و3800 مقاتل سوري إلى ليبيا، وأوضح التقرير الصادر عن المفتش العام لوزارة الدفاع الأمريكية أن أنقرة أرسلت ذلك العدد من المقاتلين «مدفوعي الأجر» إلى ليبيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، بحسب ما نقلته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أمس الأول.وأوضح التقرير أن تركيا عرضت الجنسية على «آلاف المرتزقة الذين يقاتلون مع قوات طرابلس ضد قائد قوات شرق ليبيا خليفة حفتر».وأشار التقرير إلى أن الجيش الأمريكي لم يجد دليلا على انتماء المرتزقة إلى تنظيمات متطرفة مثل «داعش» أو «القاعدة»، موضحا أن الدافع الأكثر ترجيحا لهم كان «الحزم المالية السخية، أكثر من الأيديولجية أو السياسة».
هذا وتشهد المعادلة الليبية منذ اندلاع ثورة «فبراير 2011» -إلى جانب الصراع الداخلي بين الأطراف الليبية المتحاربة-تجاذبات خارجية متزايدة بين فاعلين عرب ودوليين ،وزادت حدة تداخل الأدوار الخارجية في المشهد الليبي مؤخرا خاصة بعد التوقيع على اتفاق مثير للجدل بين حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج والحكومة التركية بقيادة رجب طيب اردوغان .
الدور التركي في ليبيا ليس وليد الأحداث الراهنة بل إنه ظهر منذ بداية الأزمة الليبية إلاّ أن الأحداث الأخيرة ومحاولات أنقرة استثمار الملف الليبي كورقة ضغط جديدة ضد المجتمع الدولي ، خلفت حالة من الاستنفار سواء على الصعيد الداخلي في ليبيا أو على الصعيد الإقليمي متمثلا في موقف مصري غاضب من الاتفاق الأخير بين السراج واردوغان- باعتبار أن
القاهرة داعم رئيسي للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر- أو على الصعيد الدولي متمثلا في كل من روسيا -التي اصطفت بدورها إلى جانب حفتر معلنة عن رفضها لتنامي الدور التركي في ليبيا- ومن الجانب الأمريكي الذي يحاول بدوره كسب نقاط إضافية في محاولاته استعادة النفوذ في شمال إفريقيا وخاصة ليبيا.
ورغم خشية مختلف الأطراف الفاعلة في الأزمة الليبية من الحرب المؤجلة في ليبيا وتزايد الدعوات لوقف الاقتتال هناك، يرى مراقبون أن التطورات الراهنة وقرب اندلاع معركة طرابلس وتهديدات تركيا بإرسال قوات برية لمعاضدة حكومة الوفاق وما قابله من اصطفاف دولي خلف هذا الطرف الليبي او ذلك ، كل ذلك يدل على أنّ الأرض الليبية باتت اليوم رسميا أرض صراع بين القوى الدولية على غرار ماعاشته سوريا خلال الأعوام الأخيرة .
والى جانب تراجع الدور التركي في سوريا ومخاوف أنقرة من فقدان النفوذ هناك وفي العراق أيضا -بسبب رفض بغداد تدخلها في الشمال العراقي ومعارضة إيران والولايات المتحدة لإجراءات أنقرة في هذا الصدد- يسعى أردوغان إلى كسب محاور قتال جديدة ونقاط قوة جديدة عبر التوجه إلى البوابة الليبية.