الممارسات التركية في شرق وجنوب المتوسط وتأثيراتها علي مستقبل الناتو

محمد محمود عبد الوهاب
تناولنا في المقال المنشور بتاريخ 6 جانفي 2020 بعنوان «التقاطع بين الشأن الليبي والاستقطاب الجاري في شرق المتوسط وحلف الناتو ،

مواقف الدول أعضاء الناتو من التفاعلات الجارية في شرق المتوسط (ترسيم الحدود البحرية والتدخلات العسكرية في الأراضي الليبية والأزمة السورية )، ويبدو أن القوى الأكثر تأثيراً داخل الناتو ما زالت منشغلة بتداعيات الجائحة والتحديات الاقتصادية غير المسبوقة مما جعلها تكتفي بإبداء قلقها من التدخل الخارجي في الأراضي الليبية دون وضع حد لذلك الانفلات في تدفق الأسلحة وتزايد أعداد المقاتلين الأجانب (شهد الغرب الليبي وصول ما يزيد عن 12 ألف عنصراً تركمانياً من العناصر الأكثر تطرفاً في تنظيم هيئة تحرير الشام من مناطق عفرين ودرع الفرات في سوريا) وكانت لذلك تداعياته السلبية التي تهدد مستقبل وأمن دول منطقتي المتوسط وشمال أفريقيا.
وبالتوازي مع بلوغ التدخلات الخارجية في الشأن الليبي وتشابك المصالح السياسية والاقتصادية مرحلة تصعيد غير مسبوقة، شهدت الفترة الماضية سجالاً بين باريس وأنقرة - على المستويين الرسمي والإعلامي - الأمر الذي نادراً ما يحدث بين دولتين - غير متجاورتين - في حلف شمال الأطلسي، وبات شرق البحر المتوسط بؤرة توتر بحري منذ بدء تركيا لأعمال تنقيب عن الغاز قرابة السواحل القبرصية والصدام مع اليونان ، واتفاق ترسيم الحدودي البحرية الذي وقعته أنقره مع حكومة الوفاق الوطني في الغرب الليبي وتنذر تلك الممارسات الاستفزازية بوضع فوضوي في تلك المنطقة الاقتصادية الهامة على الرغم من تواجد مهمة الناتو ( سي جارديان ) ومهمة الاتحاد الأوروبي ( ايريني ) في المتوسط .
وترصد فرنسا التي تعد من أول الدول - إلى جانب اليونان - التي نبهت لمخاطر التدخلات العسكرية ( سواء قوات نظامية أو مقاتلين أجانب) في الأراضي الليبية. كما تهتم باريس بمتابعة الاستعدادات التركية للتحرك باتجاه فزان في الجنوب الليبي وخطط السيطرة على قاعدة «تمنهنت» الجوية جنوب غرب ليبيا ومن ثم السيطرة على حقلي «شرارة» و«الفيل». كما تتحسب باريس من نوايا أنقرة لإقامة قواعد عسكرية دائمة في الغرب الليبي ( قاعدة جوية في الوطية ، وقاعدة بحرية في مصراته ).
وعلى الرغم أن الخلافات بين باريس وأنقرة تمتد إلى ملفات أخرى ( الهجوم التركي على الأكراد في كل من سوريا والعراق ، والتنقيب غير القانوني في المنطقة الاقتصادية القبرصية ) إلا النهج السلبي الذي اتبعته البحرية التركية ضد الفرقاطة الفرنسية التي كانت تعمل علي تنفيذ حظر الأسلحة التي قررته الأمم المتحدة في ليبيا ، دفع فرنسا إلى التركيز ، خلال اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) يومي 17 و 18 جوان، على إثارة التصرفات العدائية لفرقاطة تركية ضد الفرقاطة الفرنسية Le Courbet .ووصفت وزيرة الدفاع الفرنسية الإشارات الرادارية التي أطلقتها الفرقاطة التركية واعتبرتها تعد تصرفاً عدوانياً للغاية Tres Aggressive وأنها تستخدم كإشارات تحذيرية من سفن أعداء بما يتنافي وعضوية باريس وأنقرة في الحلف.
ومن الأرجح أن التجاذبات داخل الناتو تبقي مفتوحة أمام جميع الاحتمالات ، مع استمرار الأطماع والتدخلات الخارجية في الأراضي الليبية والتوتر بين انقرة وكل من باريس وأثينا، إلى جانب دخول ألمانيا علي خط التحسب من إقامة قواعد عسكرية تركية في الغرب الليبي وما يستتبع ذلك من تحكم تركيا في مساري الهجرة غير الشرعية إلي أوروبا ( المتوسط ، والبلقان) .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115