حصدت أرواح خيرة كفاءات بغداد .وتعددت الإدانات المحلية والإقليمية والدولية لحادثة اغتيال الهاشمي وهو خبير أمني عرف بكفاءته العالية وله مؤلفات عن تنظيمي «داعش» و«القاعدة» الإرهابيين من بينها «عالم داعش»، و«نبذة عن تاريخ القاعدة في العراق»، و«تنظيم داعش من الداخل»، إلى جانب أكثر من 500 مقالة وبحث نُشرت في صحف ومجلات عراقية وعربية وأجنبية.
وعقب عملية الإغتيال أعلن عن إعفاء قائد الفرقة الأولى بالشرطة الاتحادية، العميد الركن محمد قاسم، من منصبه، وسط غضب شعبي وحزن خيم على الشارع العراقي مع عودة هذه الظاهرة التي طالما حصدت أرواح العديد من مثقفي ونخبة العراق من باحثين وصحفيين وأكاديميين وناشطين في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني وعلماء وذلك على أيدي مناصري الإرهاب وداعمي جماعات التشدد والظلامية. مع العلم أن أغلب تلك الاغتيالات تتعلق بالمواقف التي يعلنها المُستهدَفون من المظاهرات التي تشهدها العاصمة بغداد ومحافطات الجنوب ومواقفهم السياسية وماعُرف عنهم من محاربة الإرهاب وقوى الظلام والمحسوبية والطائفية. ولعل المشهد الداخلي المرتبك في العراق وتضارب الاستراتيجيات بين مختلف مكونات الحكومة ذاتها كانت سببا في مزيد تكريس الانقسام السياسي في البلاد يضاف إليه التشرذم الديني وتعدد الاستقطابات الخارجية وتداخل الأدوار الخارجية في بغداد جميع هذه التراكمات جعلت من بلاد الرافدين أرض صراع وأرض حرب بالوكالة بين لاعبين إقليميين ودوليين دفع ويدفع العراقيون ثمنها ، خاصة وأن الحكومات المتعاقبة تصارع للنأي بنفسها عن التجاذبات الخارجية وهو ما عجزت عنه إلى حد اليوم.
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
وإثر عملية الاغتيال تم في العراق يوم أمس الثلاثاء الإعلان عن تشكيل هيئة تحقيقية تختص بجرائم الاغتيالات ،وذكر مجلس القضاء الأعلى في العراق أمس أنه تم «تشكيل هيئة تحقيق قضائية من ثلاثة قضاة وعضو إدعاء عام تختص بالتحقيق في جرائم الاغتيالات في العاصمة بغداد وفي بقية المحافظات».وأوضح المجلس، في بيان له أن الهيئة التحقيقية ستعمل «بالتنسيق مع وزارة الداخلية».
«استهداف خيرة عقول العراق»
من جهته قال الكاتب العراقي نصيف الخصاف لـ«المغرب» أنّ هذه الاغتيالات ليست جديدة في التاريخ السياسي العراقي مُضيفا أنها «طريقة ابتكرها النظام السابق ضد الخصوم السياسيين عندما كان رئيسا لجهاز حنين بعد انقلاب «شباط الأسود» ضد مشروع الدولة الذي كان يمثله نظام عبد الكريم قاسم، وكان صدام حسين يستخدم لهذا الغرض القتلة وبعضهم كانوا محكومين بالإعدام كان يخرجهم مقابل العمل لديه».
وتابع «لا يختلف الأمر كثيرا بعد سقوط نظام صدام إلاّ في تفصيلتين مهمتين الأولى أن نظام صدام كان يغتال المناوئين والخصوم السياسيين مثل أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي والحركة الكردية ثم شمل أعضاء داخل حزب البعث ذاته ومنهم حردان التكريتي ومحمد ابن الرئيس الأسبق احمد حسن البكر، أما الاغتيالات بعد سقوط النظام السابق فكانت تستهدف خيرة عقول العراق وبدأت بتصفيات علماء العراق الذين عملوا في البرنامج النووي العراقي وبعض أساتذة الجامعات وكبار ضباط الجيش علما أنهم جميعا كانوا موظفين في الدولة العراقية وليس لديهم خيار آخر للعمل وكسب لقمة عيشهم ،والتفصيلة الثانية أن النظام السابق كان يغتال بعد أن يتأكد أن الشخص المستهدف يشكل خطرا على كيانه السياسي أو يهدد مساعيه في أن يكون دكتاتور العراق دون منازع».
وأضاف محدثنا أن «أحزاب وتنظيمات ما بعد 2003 كانت تريد فرض وجودها بالشارع بقوة السلاح وكان بعضها يستند إلى قوى إقليمية عملت على تأجيج الطائفية في العراق».
وبخصوص اغتيال الدكتور هشام الهاشمي قال محدثنا «أن ذلك يقع في ذات السياق الذي تم فيه اغتيال النشطاء المدنيين في العراق بدءا من اغتيال هادي المهدي مرورا بكل شهداء انتفاضة تشرين وانتهاء باغتيال هشام الهاشمي، فهناك أحزاب تخدم مشاريع إقليمية تريد فرض إرادتها على العراق، وهي تنظيمات بدأت تكبر خارج سلطة الدولة وبالتعارض مع متطلبات الدولة وهي تنظيمات تجد أن وجودها يعتمد بالدرجة الأساس على وجود حالة الفوضى وديمومتها».
ضرورة إنفاذ القانون
وبخصوص مآل الدعوات الدولية لمحاسبة قتلة الهاشمي والوعود التي قدمها الكاظمي لمحاسبة الضالعين، ومدى نجاح الهيئة التي تم تشكيلها في الحد من هذه الظاهرة، أجاب محدثنا «الوضع الحالي مرتبك جدا مع أن حكومة الكاظمي تحاول ضبط الأوضاع لكن لا أعتقد أن أية حكومة قادرة على محاسبة القتلة ما لم تكن مستعدة لمواجهة حاسمة ومكلفة مع بعض تلك المجاميع المسلحة التي تقف خلفها دول إقليمية لا تريد للعراق الاستقرار مع أنّ هذه المواجهة حتمية ولا سبيل إلى تجنبها أقصد المواجهة بين قوى الدولة وكل ما يمثلها وقوى اللادولة وكل من يقف خلفها وليس بالضرورة أن تكون حكومة الكاظمي».
وأكد محدثنا «سبق أن دعت الأمم المتحدة عبر رئيسة ممثليتها في العراق جينين هينيس-بلاسخارت إلى محاسبة قتلة المتظاهرين ومثلها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي فهل تمت محاكمة احد؟، هذه الدعوات لا تعدو كونها استنكار لعمليات الاغتيال وليس لها تأثير واقعي على الأرض مالم يتم إصدار قرار ملزم من مجلس الأمن لدعم جهود الحكومة العراقية في حصر السلاح بيد الدولة وإنفاذ القانون» وفق تعبيره، وقال محدثنا «أدعو رئيس الحكومة العراقية السيد الكاظمي إلى القيام بالخطوات التالية لمنع قوى اللادولة من اختطاف الدولة: اولا: استصدار فتوى من المرجع الأعلى بحل الحشد الشعبي وكل القوى والفصائل المسلحة والتحاق منتسبيها بوزارة الدفاع والداخلية العراقية أو التحاقها بـ«فرق عمل» لبناء العراق، لسحب البساط «الشرعي» من تحت تلك الفصائل المسلحة ، ثانيا استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لدعم الحكومة الشرعية في إجراءاتها لحصر السلاح بيد الدولة وإنفاذ القانون، ثالثا أن تتحدد علاقات العراق مع جيرانه وجميع دول العالم بمدى مساهمة تلك الدول في دعم جهود الحكومة في حصر السلاح بيد الدولة والحد من نشاطات المجاميع المسلحة على أن يرافق تلك الخطوات فتح إمكانية استيعاب الشباب العاطلين عن العمل في فرق عمل تغطي كامل مساحة العراق لاستيعاب اكبر عدد ممكن منهم في عملية إعادة أعمار وفق برنامج تنموي علمي ومدروس لا مجال لطرحه هنا لضيق المساحة وضيق الوقت ولاختلاف الموضوع عن موضوع الحوار الرئيسي» على حد تعبيره.
تنديد دولي باغتيال الهاشمي
هذا ودعت كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا، السلطات العراقية إلى محاسبة المسؤولين عن اغتيال خبير عراقي في شؤون الجماعات المسلحة، أمس الأول الإثنين، فيما أطلق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ثلاثة وعود، ردا على عملية الاغتيال.وقال حاتم الجابري، وهو نقيب في شرطة بغداد، لـ«الأناضول» إن مجموعة مسلحة تستقل دراجتين ناريتين أطلقت النار على الخبير الأمني، هشام الهاشمي (47 عاما)، أمام منزله ببغداد، وقد فارق الحياة بعد نقله إلى مستشفى ابن النفيس وفق ما أكدت السلطات العراقية الرسمية.
وقالت ممثلة بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، هينس بلاسخارت، في تغريدة عبر «تويتر»: «صُدمنا باغتيال الدكتور هشام الهاشمي ونحن نُدين بشدة هذا الفعل الخسيس والجبان ونقدم تعازينا القلبية لعائلته وأحبائه، وأدعو الحكومة إلى تحديد الجناة بسرعة وتقديمهم للعدالة».ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن اغتيال الهاشمي.
وقالت السفارة الأمريكية ببغداد، في بيان لها إن «بعثة الولايات المتحدة في العراق تعبر عن عميق حزنها جراء الاغتيال الجبان الذي طال الأكاديمي هشام الهاشمي».وقال السفير البريطاني لدى بغداد، ستيفن هيكي، عبر حسابه بــ«تويتر»: آلمني سماع خبر مقتل هشام الهاشمي.. وقد فقد العراق بمقتله أحد أفضل رجاله المفكرين الشجعان. وأردف هيكي: لا يمكن لهذه الهجمات أن تستمر، إذ يجب على الحكومة العراقية، وبدعم من المجتمع الدولي، محاسبة الجناة فيما دعا رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، في بيان، «الجهات الحكومية المسؤولة إلى الكشف عن التحقيقات (في عملية الاغتيال) للرأي العام، وبيان الجهات المتورطة بهذا العمل الجبان بشكل عاجل، ولاسيما بعد تكرار حالات الخطف والاغتيال لعدد من الشخصيات والأصوات الوطنية».
وعمليات الاغتيال ظاهرة مألوفة في العراق، منذ سنوات، وغالبا ما يتم توجيه أصابع الاتهام إلى فصائل شيعية مسلحة تستهدف تصفية خصومها والمناوئين لأفكارها، مقابل نفي من هذه الفصائل.وردا على اغتيال الهاشمي، أطلق رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، ثلاثة وعود بملاحقة القتلة، وبعدم السماح بعودة الاغتيالات، وبحصر السلاح في يد الدولة.وقال الكاظمي، في بيان: «تلقينا ببالغ الحزن والأسف، نبأ استشهاد الخبير الاستراتيجي، هشام الهاشمي، على يد مجموعة مسلحة خارجة عن القانون».
وأضاف: «كان الفقيد من صنّاع الرأي على الساحة الوطنية، وكان صوتا مساندا لقواتنا البطلة في حربها على عصابات داعش، وساهم كثيرا في إغناء الحوارات السياسية والأمنية المهمة».
وأردف الكاظمي: «نحن نتوعد القتلة بملاحقتهم لينالوا جزاءهم العادل، ولن نسمح بأن تعود عمليات الاغتيالات ثانية إلى المشهد العراقي، لتعكير صفو الأمن والاستقرار».