العلاقات بين دمشق والجزائر.. منطلق لتأسيس حالة من الاستقرار في سوريا

تجمع الشعبين الشقيقين السوري والجزائري علاقات صداقة وطيدة على مر عقود من الزمن ، نراها النموذج الأرقى للعلاقات

بين الأشقاء المستهدفين جميعا بخطر الاحتلال والهيمنة الأجنبية، ما يجمع دمشق والجزائر ليس مصالح آنية فقط، بل هي وحدة الدم والهدف والمصير المشترك.فعلى امتداد حقبة زمنية طويلة، توحدت في الوجدان صورة سوريا والجزائر كنموذج فذ للعلاقات النضالية بين شعبين شقيقين ثم بين دولتين جمع بينهما الرباط المقدس في الهوية الواحدة والمواجهة البطولية لقوى الاحتلال الأجنبي طلباً لتحرير الإرادة والأرض.

ما إن بلغت ثورة الجزائر من أجل استعادة هويتها عامها الثاني، حتى وصلتنا أخبارها عبر دمشق، لتؤكد فينا الشعور بوحدة المصير، ربما لهذا امتزجت في هتافاتنا الحارة سوريا والجزائر، كما امتزجت في شعورنا بالعداء صور بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وكان ذلك بديهيا، لم ينظمه أحد.
لم تقطع الجزائر علاقتها مع سوريا يوماً واحدا ولم تقاطع سوريا بأي شكل من الأشكال لا سياسياً ولا اقتصادياً، فالأيام أثبتت أن المقاربة من الأزمة السورية كانت صائبة وأنها لم تغير هذه القناعة حتى اليوم، رغم الضغوط التي تلقاها داخل الجامعة العربية وخارجها وأثبتت نجاعة مقاربتها مع الزمن.

فالجزائر كانت دائما تطالب برجوع سوريا إلى مقعدها وقد دخلت في مواجهات دبلوماسية مع دول الخليج بسبب الملف السوري وتدهورت علاقاتها مع السعودية، وترفض سياسة الغرب تجاه دمشق وتعتبرها مؤامرة تحاك ضد الأنظمة العربية التقدمية.

واللافت في الفترة الحديثة، تحول دمشق حاضرة الشام إلى موطن للزعيم المجاهد عبد القادر الجزائري، فالمخزون التاريخي، والتقارب الروحي والمصيري اللذين تشكلا بسبب وجود تلك المؤثرات زادت الموقف السوري قوة في دعم ومناصرة كفاح الشعب الجزائري ضد المستعمِر الفرنسي هكذا وقفت الحكومات السورية وشعبها قلباً وقالباً لتحقيق انتصار ثورة الجزائر على المستعمر الفرنسي، فكان للسوريين دور محوري في ذلك الكفاح حتى انتصرت الجزائر على الفرنسيين، ونالت حريتها وسيادتها واستقلالها.

يستمر الجزائريون اليوم على موقفهم المبدئي من علاقة بلادهم مع شقيقتهم سورية، فنرى عدداً من الشخصيات الجزائرية يتقدمهم المجاهد الرائد لخضر بورقعة، والمناضلة الكبيرة جميلة بوحيرد يدقون أبواب دمشق لتشكيل لجنة جزائرية لكسر الحصار على سورية وإسقاط “قانون قيصر” الذي يهدف إلى تجويع الشعب السوري وتحضير قافلة تحتوي على مواد غذائية وطبية لإرسالها إلى دمشق جواً أو بحراً، تعبيراً عن تضامن أبناء الأمّة مع شعب سوريا الذي لم يقصر يوماً في التضامن مع كل قضية عربية أو إنسانية عادلة.

نحن في سوريا كنا وما زلنا نتطلع لعلاقات متجذرة فريدة في مختلف المجالات مع الشقيقة الجزائر، وتقديم مصلحة الأمة على أي مصالح ثنائية لا تخدم الأمة بأكملها، لذا يجب أن تبقى سورية والجزائر على وئام ووفاق انطلاقاً من إستيعاب دروس التاريخ أنه كلما كانت سورية والجزائر في خندق واحد، وموقع واحد متضامنتين باعتبارهما «في جبهة واحدة» لمواجهة التهديد الإرهابي.

إن تمتين العلاقات السورية الجزائرية يمثل في الظروف الحالية حاجة إستراتيجية للطرفين، والتنسيق بينهما سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن ومنطلقاً لتأسيس حالة من الاستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً.

وباختصار شديد يمكنني القول : لقد آن الأوان لنتعاون مع باقي قوى التوازن بالعالم لإنقاذ سورية من الدمار والخراب، ونتجاوز أزمتنا والمضي بوطننا الكبير «سورية» نحو المستقبل الزاهر، من خلال كسر الحصار على سورية والتصدي لما يحضر للمنطقة من تفاهمات وتنازلات تحت مسمى صفقة القرن التي يراد من خلالها بيع القضية الفلسطينية والتخلي عن الحقوق بما فيها حق العودة، وفي الوقت نفسه قد حان لإعادة ضبط البوصلة العربية بعد أن تعرضت للاختراقات وكانت البداية من تدمير سوريا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115